أكد مراقبون أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أتى لنسف الهوية الإسلامية لمصر، مستشهدين بصنائع الانقلاب، فهو يقتل ويعتقل ويغلق المساجد، وينادي بالخروج عن النص الإسلامي، ويتحالف مع بني صهيون. وفي ملخص لكلمة "السيسي" بمناسبة المولد النبوي، اليوم الثلاثاء، قال "لن أنتظر لحظة واحدة لكي ينزل المواطنون للشارع"، وأضاف: "مصر عايزة عمل ليل ونهار"، وزعم: "سأحاسب على ما قدمته.. و"انتوا كمان هتتحاسبوا"، وتابع الكذب: "90 مليون مصري في رقبتي ولن أسمح بترويعهم"، وزاد السيسي في جرعة الدجل مقاطعا أحد الحضور: "لا تلوم الإعلام في شيء".
تمثيل وخداع
في مقطع درامي جسده السيسي على مسرح الجلاء خلال ندوة تثقيفية نظمها الجيش، بحضور لفيف من النخب السياسية والحزبية وعلماء الأزهر والأقباط ورجال الجيش والشرطة والإعلاميين، قال لأحد الدعاة الشيعة المعروفين: "شيخ علي الجفري أهلا بيك، سعيد بيك والله، محتاجين والله السماحة والوسطية، الدنيا كلها تعبت مننا، الدنيا تعبت مننا"!.
وبرأي مراقبين فإن الجنرال كان يقصد أن الدنيا (الغرب وأمريكا وإسرائيل) تعبت من المصريين أو إن شئتَ فعمم وقل: "من الأمة الإسلامية"، التي جاء السيسي يعلمهم كيف يعبدون الله ويؤدون صلاتهم وفروضهم على منهاج العسكر!
في المولد النبوي الماضي شدد "السيسي" على أنه يحتاج إلى من يعلم الشعب المصري السماحة والوسطية، وكأن المصريين فطرهم الله على غير ذلك وهو اتهام مبطن للمصريين بالتطرف والتشدد ومن ثم الإرهاب!
لذا كان هذا الاحتفاء بالحبيب الجفري ونعته بأنه يمثل الإسلام الوسطي المعتدل، بمثابة إطلاق هذا النجم في سماء مصر، ليقود المصريين إلى حلم السيسي المنشود ويصبح الشعب المصري (وسطيًا) كما تريده أمريكا والغرب وإسرائيل.
والسؤال المهم: أليس لدى السيسي ما يكفيه من علماء السلطة وعمائم الانقلاب؟
وبرأي بعض المراقبين أنه لا يمكن النظر إلى استعانة السيسي بالجفري بمعزل عن خطابه الأول في احتفالية المولد النبوي، والذي دعا خلاله إلى الخروج على النص الشرعي والنظر فيه من جديد، فكان استيراد الجفري خطوة أخرى على سبيل التجديد الديني الذي يطرحه السيسي.
كما أن علماء السلطة أصبحوا (كروتا) محروقة، لم تعد تصلح لإشباع المواطن المصري دينيًا وفكرًيا، فالتبعية مفضوحة حتى لمؤيدي السيسي أنفسهم، وبناء عليه فإنه يحتاج إلى شخصية غير رسمية، ولها حضور وثقل جماهيري، وهو ما يراه في "الجفري" نجم الفضائيات وصاحب الأسلوب العاطفي الناعم.
لماذا التصوف؟!
لا يمكن النظر إلى المشهد بمعزل عن الفكر الصوفي المقترب إلى حد التشيع الذي يعتنقه الجفري، والذي يرتكز على التزكية دون المشاركة في صناعة الحدث السياسي، حتى إن بعضهم يرى في المشاركة السياسة رجسًا، وبعضهم يجد في مقاومة الحكام الظالمين أو حتى الغزاة نوعًا من الاعتراض على قدر الله.
مواقف الجفري السابقة تجاه الثورة المصرية وتوابعها وتداعياتها تنسجم مع الإرادة السيساوية، فلا ينسى الشعب المصري يوم أن كان في ميدان التحرير في بدايات ثورة 25 يناير، أن الجفري وصف الثوار في التحرير بأنهم "فئة غوغائية".
ومن جهة أخرى فقد أفتى الجفري في العام التالي لانقلاب 3 يوليو، بعدم جواز الخروج على الحاكم، داعيًا معارضي الانقلاب وأنصار الشرعية إلى العودة إلى منازلهم، ليسمح له بعد ذلك بإلقاء محاضراته التوعوية في ثكنات الجيش المصري.
اختيار الجفري ينسجم مع السياسة الأمريكيةوالغربية التي تتجه لدعم الصوفية لمواجهة الإسلام السياسي، وهي نقطة بالغة الأهمية؛ حيث إن تقارير المؤسسات الاستشراقية البحثية الأمريكية، كمؤسسة راند ومعهد نيكسون، وغيرهما، وكذا تقارير الكونجرس الأمريكي وتوصياته، تؤكد دعم الصوفية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، لتكون بديلاً عن التيار الإسلامي.
جدير بالذكر أن الجفري، مؤسس ورائد مؤسسة طابة التي تحتضنها الإمارات، وهي مؤسسة ذات توجه صوفي، وتعد أحد النماذج الحية المعبرة عن الصورة الغربية للفكر الإسلامي، وتتوافق مع الليبرالية الغربية، وتركز في أهدافها على استيعاب التنوع الثقافي والديني والحضاري والإنساني، ونزع خصوصية الإسلام. بمعنى أوضح: تهدف لدمج القيم الغربية بالإسلام، ونشر الفكر الحداثي باعتباره الإطار العصري لتفسير الإسلام.
فهذا التوجه إذًا لمؤسس طابة، هو عين المراد لدى السيسي، لضمان الذوبان في القيم الحضارية الغربية، ليريح العالم من العناء والكدر الذي تسبب فيه المسلمون.
الجفري ذو مسلك تطبيعي مع إسرائيل - شأنه كشأن مفتي مصر السابق وكاهن الانقلاب علي جمعة- ضرب بعرض الحائط فتاوى وتوصيات وتأكيدات العلماء على عدم زيارة القدس في ظل الاحتلال.
ومن المعلوم أن هذه الزيارات التي يقوم بها العلماء والدعاة والنخب والرموز تضفي الشرعية على حكومة الاحتلال وهو ما قابله المقدسيون بالرفض والاستنكار.
وهذه القابلية لدى الرجل للتطبيع، تنسجم مع العلاقات الحميمة التي توطدت بين السيسي وحكومة الاحتلال؛ إذ إنه يُعتبر في الأوساط الإسرائيلية بطلا قوميا لليهود، حيث قام بقمع التيار الإسلامي الذي تعتبره إسرائيل الخطر الأعظم.