في الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب السادس من أكتوبر تستعد مصر للعبور الثالث فى سيناء فيما يتشبث المصريون "بقيمة الأرض والرجال" الذين قدموا أروع نماذج التضحية والفداء فى الطريق إلى حرب رمضان، وتحرير التراب الوطنى المصرى مثل الفريق سعد الدين الشاذلى. فإلى جانب اسم الرئيس الراحل أنور السادات، أثار قرار الرئيس محمد مرسى بمنح اسم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان إبان حرب أكتوبر قلادة النيل، وهى أعلى وسام مصري، ارتياحا محسوسا فى الشارع المصرى وتعليقاته عن رد الاعتبار لأحد رجالات مصر العظام، وقيمة وقامة عالية فى الطريق إلى حرب رمضان. ويعد الفريق الشاذلى أحد أبرز القادة الذين شاركوا فى إعداد "المقاتل المصرى الجديد الذى كان المفاجأة الحقيقية لحرب السادس من أكتوبر، والذى مزج ما بين الروح الإيمانية وأدوات العلم والتقنية" فيما تبقى الحاجة أكيدة لدراسات متعمقة ونزيهة تكشف للحقيقة وحدها عن طبيعة العلاقة بينه وبين الرئيس الراحل أنور السادات إبان هذه الحرب. يقول الدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين: إن تكريم الرئيس محمد مرسى الرئيس للراحلين أنور السادات والفريق سعد الدين الشاذلى أزاح كثيرا من الظلم الذى تعرضا له، وخاصة الفريق الشاذلى "الذى أزيح من منصبه بشكل غير لائق" وبما يشكل جحودا لدوره فى النصر. ولعل نشر الوثائق الرسمية المصرية عن وقائع حرب السادس من أكتوبر تكشف عن مزيد من الحقائق وبطولات المقاتلين لتحرير الأرض، وخاصة ما يعرف "بالبطولات المنسية" مثل تلك التى كشف عنها اللواء البحرى المتقاعد ماجد مصطفى فى مقابلة تلفزيونية عندما أشار "للشهيد الجيزاوى" والذى اكتفى بذكر لقبه فحسب. وحسب ما ذكره فى هذه المقابلة مع قناة "صدى البلد" الفضائية فإن "الشهيد الجيزاوى" كان أحد عناصر الصاعقة البحرية، ورفض الانسحاب أثناء "ثغرة الدفرسوار" وقتل تسعة جنود إسرائيليين باستخدام الخنجر، وبمعدل جندى واحد يوميا، وظل وحده مختبئا فى احد كهوف جبل عتاقة، وبعد أن تمكن الإسرائيليون من الوصول إليه وقتله بالرشاشات "أدوا له التحية العسكرية"، وحرصوا على الاحتفاظ بمتعلقاته كتذكار لمقاتل تاريخى. ولعل هذا المقاتل يعبر عن الجندى المجهول فى حرب أكتوبر التى جسدت على نحو ما قضية "الأرض" بين عبقرية المكان وعبقرية الإنسان" بقدر ما تستدعى أسماء مثقفين مصريين كبار، وقد تثير أيضا تساؤلات قلقة حول "مدى حضور معنى حرب تحرير الأرض فى وجدان الأجيال الشابة وأهمية سيناء لكل مصرى". وكان الرئيس محمد مرسى قد أعلن فى لقاء موسع أمس مع شيوخ قبائل سيناء أن سيناء تتأهب للعبور الثالث بالتنمية الشاملة، موضحا أن حرب السادس من أكتوبر شكلت العبور الأول تجاه سيناء، وأعقبها العبور الثانى باندلاع ثورة يناير 2011، فيما سوف تشكل التنمية الشاملة العبور الثالث المرتقب لعلاج جميع السلبيات التى عانى منها أبناء سيناء لفترة طويلة مضت. وفى سياق مشاركته لأبناء سيناء احتفالاتهم بالذكرى ال39 لانتصارات أكتوبر- نوه مرسى بأن الحملة الراهنة التى تنفذها القوات المسلحة والشرطة تعتمد على التعاون الوثيق مع أبناء سيناء، مؤكدا أن الحملة ستستمر إلى حين القضاء على بؤر الخارجين على القانون "وهى حملة تنفذ بدقة متناهية لتحاشى إلحاق أدنى ظلم بأهالى سيناء". وبصورة تكاد تصل للإجماع اتفق الحضور فى اللقاء الجماهيرى الذى عقده الرئيس محمد مرسى أمس بمدينة العريش على أن استتباب الأمن يشكل البداية الحقيقية لأى تنمية فى سيناء. وفى منجزه الثقافى الشامخ: "شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان" تتجلى سيناء بحضورها عبر المكان والزمان والإنسان- فيما يقول: "الحاضر الغائب جمال حمدان": "أن تكون مصريا فهذا يعنى فى الواقع شيئين فى وقت واحد الأرض والشعب". وقال الدكتور ياسر علي فى مقال نشرته اليوم جريدة الأهرام: "إن إعادة الاعتبار لتفاصيل الأرض وقيمة التراب الوطنى كانت جزءا من منظومة نهضة أكتوبر "ثم جاء التعامل الدقيق مع الزمن وحسابه بكل أبعاده وقيمته ليكون جزءا من المعركة وحاضرا فيها بكل دقة وقوة. ولاحظ ياسر علي أن انتصار أكتوبر كملحمة نهضوية شارك فيها الشعب المصرى جيشه العظيم إدارة هذه المعركة قد ترك بصمة كبيرة ليس فقط فى الجانب العسكرى وإنما "البصمة الأهم هى إثبات قدرة هذا الشعب على التغلب على أصعب الظروف وأشدها تعقيدا". وخلص إلى أن الشعب المصرى بعد ثورته العظيمة قادر على رسم صورة جديدة لمصر القادرة على تخطى التحديات، وتغليب لغة العمل والبناء، "وإدراك قيمة الأرض قيمة العقل القادر على الإبداع والتضحية". وعن الصحراء يقول المفكر الإستراتيجى المصرى الفذ جمال حمدان: "ما من شك أن الصحراء قد أهملت وطال إهمالها ومن الصعب أن نزعم أن الإنسان المصرى هذا الإنسان النهرى النيلى كان إنسانا صحراويا بالدرجة الكافية أو الواجبة". ويضيف: "حتى قريب اقتصر استثمار الوادى للصحراء تقليديا على الاستغلال لا التعمير..على التعدين لا التوطين.. ولكن هذه السياسة السلبية ولا نقول الاستلابية لم تعد يقينا لتكفى أو تصلح" منوها بأنه إذا كانت "الصحراء الغربية هبة الواحات فإن الصحراء الشرقية هبة المعادن". وينبه جمال حمدان إلى أن "غزو الصحراء ليس نزهة جغرافية أو حضارية وإنما هو صراع كفاحى ضد الطبيعة، لكن المزيد من الدراسة العلمية والتخطيط الرشيد بعيدا عن اليأس المثبط وعن الإسراف فى التفاؤل المجنح كذلك جدير بأن يفتح عصرا جديدا مجيدا وعالما جديدا شجاعا فى الصحراء". وسيناء التى تثير اليوم نقاشات متعددة- تقدم إجابة مركزية للمعضلة التى لخصها جمال حمدان فى تجاوز عامل التزايد السكانى لإمكانات الأرض فى الوادى حتى "وصل الطفح السكانى إلى مداه". ويخلص جمال حمدان فى ملحمته العلمية الكبرى التى تجاوز مجموع صفحاتها أربعة آلاف صفحة من القطع الكبير إلى أن "المستقبل للصحراء، ولكن الكلمة الأخيرة للمستقبل فى مصر التى تشكل أقدم وأعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم وهى غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة". ودعا الرئيس محمد مرسى، أمس، أبناء سيناء لتشكيل لجنة موسعة لبلورة مطالبهم ومقترحاتهم الخاصة بتملك الأراضى، تمهيدا لاستصدار القانون الخاص بذلك، فيما كانت زيارته أمس للعريش هى ثالث زيارة يقوم بها لشمال سيناء فى غضون الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته. ولاحظ معلقون فى وسائل الإعلام أن "تنمية سيناء ورفع مظالم تعرض لها أهلها فى مراحل سابقة هو المطلب الرئيسى لسكان هذه المنطقة، بقدر ينطوى على حل لكل المشكلات الأخرى". وكان "ممثل مجاهدى سيناء" الشيخ عواد حسان قد رأى أن تنمية سيناء قضية أمن قومى لمصر كلها، مؤكدا على أن هذه المنطقة "تحتاج أيضا لزرعها بالبشر؛ لأن هذا هو السبيل الرئيسى لحمايتها من الأعداء الطامعين". ولعل العقل الثقافى المصرى ينتبه لما ذكرته صحيفة الأهرام أمس فى موضوع بعنوان: "ذكرى أكتوبر غابت عن جيل فيسبوك وتويتر" من أن جيل اليوم فيما يبدو نسى حرب أكتوبر فلم تتلامس مع اهتماماته التى تعكسها شبكات التواصل الاجتماعى الإنترنتية، معربة عن شعور بالمفاجأة لأن أحدا من أولئك الشباب لم يهتم بالحديث عن ذكرى أهم الحروب فى التاريخ المصرى الحديث. فالسؤال ما زال يتردد بقوة وإلحاح: أين جديد الأعمال فى الثقافة المصرية بما يضارع الإنتاج الفذ للمفكر الإستراتيجى والعالم الجغرافى جمال حمدان، وأين الأعمال الإبداعية عن الأرض التى يمكن أن تضارع "أرض عبد الرحمن الشرقاوى" ناهيك عن وضع السينما الآن، وهى التى سبق وأن ترجمت بلغة الفن السابع إبداع الشرقاوى فى الفيلم الشهير "الأرض" بتوقيع مثقف مصرى آخر هو المخرج الراحل يوسف شاهين؟!. وتوصف "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوى، والتى تحولت إلى فيلم سينمائى عام 1970م بأنها من أروع الأعمال الإبداعية التى تكشف عن مدى قوة الارتباط غير العادى بين الإنسان المصرى والأرض، وهو الارتباط الذى يكاد يصل لحد التوحد فى شخصية "الفلاح المصرى محمد أبو سويلم".