في كارثة تؤكد احتقار قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي للشعب المصري، وعدم اكتراثه به أو بردود فعله على مجمل الأوضاع الكارثية في البلاد؛ عقدت سلطات الانقلاب صفقة مشبوهة، مساء الأحد الماضي 19 مارس 2017، تقضي باستيراد الغاز لمدة 15 عاما من حقل تمار، الذي تسيطر عليه دولة الاحتلال الإسرائيلي. وحقل «تمار» فلسطيني بالأساس، سيطرت عليه إسرائيل ضمن احتلالها للأراضي العربية الفلسطينية؛ حيث تم اكتشافه سنة 2009 على سواحل المتوسط بالقرب من الحدود الفلسطينية السورية؛ الأمر الذي يعني أن الدول العربية التي تستورد الغاز منه تكافئ قوات الاحتلال على سطوها للأراضي العربية. تفاصيل الصفقة المشبوهة وذكرت وسائل إعلام محلية في مصر ووكالة أنباء "معا" الفلسطينية، أمس الإثنين، أن مجموعة "تمار" الإسرائيلية لحقول الغاز الطبيعي، أبرمت أكبر صفقة لتصدير الغاز الطبيعي لمصر لمدة 15 عاما، بقيمة 20 مليار دولار. وقال مصدر مصري للوكالة الفلسطينية، إن وفدا إسرائيليا من "تمار" يضم ستة خبراء إسرائيليين ومهندسا بريطانيا وصلوا القاهرة، في زيارة استغرقت عدة ساعات يوم الأحد الماضي، والتقى ممثلين عن إدارة شركة "دولفينز" المصرية، وبحث الجانبان تفاصيل تصدير الغاز؛ تنفيذا للاتفاق الموقّع في وقت سابق. وبحسب مراقبين، فإن هناك عدة تساؤلات مهمة وتحفظات كارثية على هذه الصفقة المشبوهة. زيارة سرية وشركة مشبوهة ومن التحفظات على الصفقة كذلك، أنها جاءت سرية، حيث وصل وفد شركة تمار الإسرائيلية سرا، يوم الأحد الماضي لعدة ساعات، ثم غادورا مسرعين. كذلك فإن حكومة الانقلاب تجنبت التعامل المباشر مع الجانب الإسرائيلي، ولكنها أبرمت الصفقة عبر شركة خاصة مشبوهة هي شركة "دولفينز"، والتي اتخذتها الحكومة ستارا لإبرام الصفقة؛ تجنبا للانتقادات الشعبية كما جرى مع الحكومة الأردنية مؤخرا، والتي شهدت احتجاجات شعبية ضد التوسع في عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وشراء الغاز مباشرة بين الحكومتين. ودأبت السلطات المصرية، على مدار العامين الماضيين، على عدم الظهور في مشهد صفقات استيراد الغاز من إسرائيل، لتتصدر الشركات المحلية والعالمية المشهد. كما تأتي زيارة الوفد الإسرائيلي لمصر قبل أيام من تصويت مجلس النواب على مشروع قانون جهاز تنظيم سوق الغاز، والذى يسمح للقطاع الخاص بشراء الغاز من الخارج وبيعه داخل مصر، على أن تحصل وزارة البترول على مقابل تمريره إلى المشترين في شبكة التوزيع الحكومية. وماذا عن حقل ظهر؟ ومن التحفظات كذلك التساؤل المهم عن كيفية إبرام حكومة الانقلاب صفقة بهذا الحجم حيث تبلغ 20 مليار دولار، وفي كل هذه السنوات "15" عاما، رغم أن هذه الحكومة نفسها أعلنت في عام 2015 عن اكتشاف حقل "ظهر" قبالة سواحلها الشمالية الشرقية وبالقرب من مدينة بورسعيد، وقالت الحكومة وقتها إن الحقل يعد واحدا من أكبر حقول إنتاج النفط في العالم، وأكد وزير البترول والثروة المعدنية، طارق الملا، يوم 19 فبراير الماضي، دخول المرحلة الأولى من الحقل الضخم حيز الإنتاج في أوائل شهر ديسمبر المقبل، بكميات تصل إلى مليار قدم مكعب من الغاز!. إذن، ما دام الغاز سيتدفق على مصر من مواقع إنتاج محلية وبهذه الكميات الضخمة، وما دام إنتاج حقل "ظهر"، الأكبر في العالم، سيغطي الاستهلاك المحلي، وسيتم تصدير كميات ضخمة منه للخارج، لماذا إذن تبرم مصر صفقة استيراد الغاز من دولة الاحتلال ولمدة طويلة تصل إلى 15 سنة؟ وما الذي يرغم الحكومة المصرية على استيراد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي تتوافر هذه السلعة لدى دول عربية كثيرة وبسعر أرخص، منها الجزائر وقطر والعراق وليبيا وغيرها؟. سعر حارق ورغم أن التقارير الإعلامية التي كشفت عن بعض تفاصيل الصفقة للرأي العام، إلا أنها لم تشر مطلقا إلى السعر الذي تم الاتفاق عليه بين الجانبين. ولكنَّ مسئولا بارزا في قطاع البترول بحكومة الانقلاب، كشف عن أن السعر يصل إلى 8 دولارات للمليون وحدة حرارية، واصفا إياه ب"الحارق" للاقتصاد المصري، بحسب صحيفة العربي الجديد. وواصلت أسعار الغاز الطبيعي الهبوط عالميا مع زيادة المعروض، لتتراجع وفق العقود المبرمة خلال الأيام الأخيرة إلى 2.93 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية (وحدة القياس العالمية)، ما يعني أن كل مليون وحدة حرارية تزيد 5 دولارات عن السعر العالمي، بما يمثل إهدارا جسيما وإجراما في حق ثروات البلاد والمال العام. وخسرت أسعار الغاز ما يصل إلى 25% في ال10 أسابيع الأخيرة، وفق بيانات الطاقة العالمية. توسع في استيراد الغاز ومن المثير للدهشة أيضا أنه رغم الإعلان عن بدء الإنتاج من حقل ظهر، ديسمبر المقبل، إلا أن حكومة الانقلاب لم تكتف فقط بإبرام صفقة استيراد الغاز من حقل تمار، بل أبرمت عدة صفقات لاستيراد الغاز من جهات أخرى، ما يثير علامات استفهام كثيرة. وبحسب متابعين، فإن صفقة "تمار" مع الشركة المصرية ليست هي الوحيدة لتصدير الغاز الإسرائيلي إلي مصر، وإنما سبق أن أبرمت شركتا "بريتش جاز" البريطانية ويونيون فينوسيا الإسبانية اتفاقات مع حقلي "تمار" و"لوثيان" لاستيراد الغاز لصالح مصر لمدة تصل إلى 15 عاماً، في صفقات تصل بالنسبة للشركة البريطانية وحدها إلى 30 مليار دولار. كما وقعت وحدة تجارة تابعة لشركة روسنفت، أكبر منتج للنفط في روسيا، اتفاقا لتوريد عشر شحنات من الغاز الطبيعي المسال للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) هذا العام 2017. وذكرت "روسنفت"، أنه من المتوقع أن تسلم روسنفت تريدنج أول شحنة غاز مسال في مايو، مشيرةً إلى أنّ "هذا الاتفاق سيساعد على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين روسنفت ومصر في مجال مهم لأمن الطاقة". دلالة التوقيت أما عن التوقيت، فيرى الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام، أن هناك عشرات الأسئلة التي تدور حول موعد زيارة الوفد الإسرائيلي للقاهرة، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، ولماذا التوقيع على صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر حاليا، رغم مرور نحو عامين على الاتفاق المبدئي الذي تم ابرامه بين شركة "دولفينر" ومجموعة "تمار"، بل إن البعض يطرح سؤالا عن مدى وجود علاقة بين توقيت إبرام الاتفاق والإعلان عن زيارة السيسي لواشنطن، بداية شهر أبريل المقبل، للقاء الرئيس الأمريكي ترامب، وسط تقارير تؤكد تشكيل خارطة جديدة للأوضاع في المنطقة العربية. وكانت الحكومة المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، قد وقعت اتفاقية عام 2005، تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لإسرائيل لمدة 20 عاما، بثمن يتراوح بين سبعين سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما وصل سعر التكلفة آنذاك إلى 2.65 دولار، وهو ما أضاع على البلاد مليارات الدولارات.