لا يختلف أي من المحللين والخبراء الاقتصاديين أن هدف الانقلاب المبدئي من وراء تعويم الجنيه- الإجراء الذي أرجأه عدة أسابيع- هو تطبيق شروط صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 6 مليارات دولار، لذلك لا شك أنه سيطبق الشرط الثاني مباشرة وهو رفع الدعم عن السلع. ولكن ما كشف عنه تقرير بنك الاستثمار "بلتون فايننشال"، في سبتمبر الماضي، هو توقعه أن يرتفع احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى ما بين 32.25 مليار دولار بحلول 6 نوفمبر، مع حصول مصر على ما بين مليار وملياري دولار من الصين، وملياري دولار أخرى من السعودية، إضافة إلى استلام الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، وحصيلة طرح سندات دولارية بما يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار في السوق الدولية. واستعرض "بلتون"، في تقريره قبل شهرين، سيناريوهات تخفيض سعر العملة المحلية، بل ووضع لذلك جدولا زمنيا متوقعا لتنفيذ عملية تعويم الجنيه، يتضمن سيناريوهين، الأول التعويم الكامل للجنيه، والثاني خفضه من خلال طرح عطاء استثنائي لبيع الدولار، وهو ما يعلن بالتزامن معه تحول مصر لنظام سعر صرف أكثر مرونة، على أن ينتقل "المركزي" للتعويم الكامل بعد ذلك في غضون أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر. ولصعوبة القرار على الانقلابيين، فقد تأخر الإعلان عن السيناريوهات المعدة، وكلاها في التطبيق متشابه، حيث تضمن الجدول الزمني المتوقع من "بلتون" موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على تقديم القرض لمصر بين 4 و9 أكتوبر، وهو الأمر الذي قال البنك إنه سيكون بمنزلة الصدمة الأولى للمضاربين في العملة. هجوم "السيادية" ومن الأشياء التي توقعها تقرير بلتون، وكانت ضمن الجدول الزمني، أن يشن البنك المركزي هجوما على السوق السوداء بين 9 أكتوبر و17 نوفمبر، من خلال التنسيق مع البنك الأهلي وبنك مصر، وهو ما تم من خلال الأجهزة السيادية التي جمعت الدولار من البنوك والصرافات– قدر ما تستطيع- في الأيام السابقة مباشرة لتخفيض الدولار. كما توقع التقرير أن يتم رفع أسعار الفائدة على شهادات الاستثمار فئة الثلاث سنوات ما بين نقطتين وثلاث نقاط مئوية، ليقفز فوق مستوى 15% سنويا، أو عقد اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية ورفع أسعار الفائدة بنفس النسبة. وثبت البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسات النقدية الأخير، الخميس قبل الماضي، عند 11.75% للإيداع و12.75% عند الإقراض، مخالفا توقعات بنوك الاستثمار برفعها ما بين نصف نقطة مئوية و3 نقاط. قرار عشوائي واعتبر بنك الاستثمار "بلتون فايننشال"، لقاء "السيسي" محافظ البنك المركزي بسلطة الانقلاب طارق عامر، في 10 سبتمبر الماضي، بمنزلة تأييد سياسي نهائي لقرار التعويم، متوقعا في مذكرة بحثية أن يصل سعر الدولار بعد التعويم إلى 11.5 أو 12.5 جنيها. وأشار "بلتون فايننشال" إلى تصريحات محافظ البنك المركزي السابقة، بأنه يمكنه تعويم الجنيه فقط عندما تصل احتياطيات النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار، وهو ما لم يفِ به. وكان البنك المركزي المصري قد أعلن، في بداية الشهر الماضي، عن أن احتياطي النقد الأجنبي ارتفع إلى 16.564 مليار دولار بنهاية أغسطس، مقابل 15.536 مليارا بنهاية يوليو، بزيادة نحو مليار دولار. عبيد التعويم في عام 2003، لجأ رئيس الوزراء المصري السابق د. عاطف عبيد إلى تطبيق هذا النوع من التعويم، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء بأكثر من 50%، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 3.70 حنيهات إلى نحو 5.40 جنيهات مرة واحدة، ما دفع الحكومة إلى التدخل في ذلك الوقت. وغالبا ما يتم الاعتماد على هذا النوع من التعويم في بعض البلدان الرأسمالية، ومجموعة من البلدان النامية التي تربط سعر صرف عملتها بالدولار أو الجنيه الإسترليني أو الفرنك الفرنسي أو بسلة من العملات، وهو الأسلوب المتبع حاليا من قبل البنك المركزي المصري.