اجتاحت عاصفة من السخرية مواقع التواصل الاجتماعي على وقع خطاب قائد الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، الذي طالب المصريين بالتبرع لمصر بجنيه من رصيد هواتف المحمول، ليأتي رد النشطاء بأن الانقلاب يحاول تبرير عجزه وفساده بإلقاء اللوم على المواطن. ولم تمضي ساعات حتى "صبح" السيسي على برلمان مخابراتي بامتياز، يصفق له ويلهث خلف عضمة يلقيها الجنرال، يأتي ذلك فى ظروف صعبة تمر بها مصر بعد انقلاب أجهد ميزانية الدولة، ومرشحون سعوا للوصول إلى "فتة" البرلمان بأى طريقة، لدرجة دفعتهم لشراء الأصوات والذمم، بعد أن أحجم الناخبون عن الذهاب إلى صناديق الانتخابات، وكانت تسعيرة شراء الأصوات هى الوسيلة الوحيدة.
سبوبة البرلمان
كثيرٌ من النواب تزداد ثرواتهم في الفترة التي يقضونها أعضاءً، من خلال المصالح والامتيازات التي يحصلون عليها كاملة رغم ما تمر بها البلاد من ظروف، عبر تأييد ودعم قرارات قائد الانقلاب بغض النظر عما يجلبه ذلك من كوارث.
ويحصل النائب من أموال برلمان "الدم"-في هذه الظروف الصعبة- على راتب شهري يبلغ 15 ألف جنيه، إضافة إلى البدلات الأخرى من الجلسات واللجان، ليصبح ما تتحمّله خزينة الشعب من رواتب فقط للأعضاء مبلغ 108 ملايين جنيه سنويًا رواتب ل 600 عضو، لتصل تكلفة ما يتقاضاه النواب فى الدورة البرلمانية الواحدة "5 سنوات" 540 مليون جنيه.
وتعتبر نفقات برلمان "الدم" على أعضائه الأغلى في تاريخ الدورات البرلمانية السابقة؛ حيث إن مجلس العسكر سيكلف الدولة زيادة تقدّر ب349 مليونًا و440 ألف جنيه عن مجلس 2012، خلال مدة الانعقاد المحددة دستوريًا ب 5 سنوات، وذلك بعد ما حدّد قانون برلمان "الدم"مكافأة شهرية لعضو المجلس تبلغ 15 ألف جنيه، فى حين كانت مكافأة العضو فى المجالس السابقة ألف جنيه وبإجمالى راتب 12 ألف جنيه شاملًا البدلات.
وبالمقارنة مع مجالس الشعب السابق في عهد الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، فإن الفارق بين إجمالي ما يتقاضاه العضو خلال مدة انعقاد المجلس التشريعى الحالى ومجلس 2012، تقدر بنحو 342 مليونًا و240 ألفًا، و388 مليونًا و320 ألفًا عن مجلس 2005.
والزيادة تأتى بسبب وصول عدد أعضاء برلمان "الدم" 2015 إلى 600 عضو فى أكبر تمثيل نيابى، (حيث بلغ عدد أعضاء "مجلس الشعب 2005" 454 عضوًا، بينما بلغ عدد أعضاء "مجلس الشعب 2010" 518 عضوًا، فى حين كان عدد أعضاء "مجلس الشعب 2012" بلغ 508 أعضاء فقط).
معفاة من الضرائب
إلى جانب زيادة مكافأة عضو برلمان "الدم" الشهرية، وكانت لا تتجاوز فى البرلمانات السابقة 12 ألف جنيه.. وتقدر زيادة المكافأة الشهرية وحدها والتى تندرج تحت بند "مكافأة أساسية للأعضاء عن إجمالى مدة انعقاد مجلس القادم بنحو 148 مليون جنيه و320 ألفًا عن "برلمان 2012".
أما البدلات فهى إما بدل حضور الجلسة العامة ويصل نصيبه فى الجلسة الواحدة وكانت تتراوح فى البرلمانات السابقة ما بين 150 و200 جنيه، أو بدل حضور اللجان الفرعية وكانت تصل إلى 80 جنيهًا للجنة الواحدة، وقد يشهد اليوم البرلمانى أكثر من جلسة عامة بحد أقصى 3 جلسات.
وحدّد القانون مكافأة لرئيس برلمان "الدم" مساوية لمجموع ما يتقاضاه رئيس وزراء الانقلاب، وكذلك حدّد القانون راتب وكيلى المجلس، حيث يتساوى مع راتب الوزراء، أى ما يعادل 32 ألف جنيه شهريًا. وحسب مشروع اللائحة الداخلية لمجلس النواب، التى ستُعرض على الجلسة العامة لمناقشتها، فإنها تضمن اللائحة الجديدة تقاضى عضو البرلمان مكافأة شهرية تقدر ب15 ألف جنيه، وتستحق من تاريخ حلف اليمين وتزيد بنسبة 10% سنويًا، معفاة من الضرائب.
حصانة من المسألة
وتنص اللائحة على أن يُستخرج لكل عضو بالمجلس اشتراك سفر بالدرجة الأولى الممتازة بالسكك الحديدية، أو إحدى وسائل المواصلات العامة، أو الطائرات من الجهة التى يختارها فى دائرته الانتخابية إلى القاهرة. وتعد (الحصانة البرلمانية) من الثروات الحقيقية التى يحصل عليها النائب طوال وجوده فى البرلمان، وتنص المادة 327 من لائحة النواب على أنه لا يجوز أثناء دور انعقاد مجلس النواب، فى غير حالة التلبس بالجريمة، أن تتخذ ضد أى عضو من أعضائه أى إجراءات جنائية فى مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس، وفى غير دور انعقاد المجلس يتعين لاتخاذ أى من هذه الإجراءات أخذ إذن مكتب المجلس، ويخطر المجلس عند أول انعقاد بما اتخذ من إجراء فى هذا الشأن.
كذلك يُعد إيفاد النواب للخارج فى مهمات خاصة من المكاسب التى يحصل عليها النواب ويحققون من خلالها مكاسب كبيرة.
ويعتبر عضو المجلس الذى يُوفد للخارج فى مهمة خاصة للمجلس فى إجازة طوال المدة المحددة لهذه المهمة، ولا يتوقف إيفاد المجلس لأحد أعضائه على موافقة الجهة الأصلية التى يعمل بها.
تقليب عيش!
الامتيازات المالية السابقة حدّدتها اللائحة الداخلية للبرلمان، إلا أن هناك امتيازات أخرى تعد هى الثروة الحقيقية لأعضاء مجلس النواب، منها تخصيص شخصين يختارهما النائب من أقاربه أو أتباعه للتواجد معه باستمرار فى برلمان "الدم" تحت بند "سائقين" ويستخرج لهم كارنيهات مرور من بوابات المجلس، وفى أغلب الأحيان يكون هؤلاء الأشخاص من أقارب النائب يدخلون المجلس لإنهاء مصالح شخصية لهم وللنائب، حيث ملتقى عصابة الانقلاب من وزراء وممثلين للعسكر.
ويلجأ النواب إلى حيل تسجيل هذه الأسماء المُرافقة لهم تحت بند "سائق"، رغم أن اللائحة الداخلية للمجلس حدّدت الأعضاء المستحقين لوجود مرافق معهم وهم من يعانون من إعاقة، إلا أن كافة النواب يستغلون هذه النقطة لإدخال أقاربهم بصفة رسمية إلى أروقة مبنى البرلمان.. ليصبح عدد من يحق لهم دخول البرلمان بعد الانتخابات 1800 شخص وليس 600 عضو فقط.
ولا تتوقف مصالح نواب برلمان "الدم" عند هذا الحد، بل إنها تمتد إلى مصالح تأشيرات دول الخليج والدول الأوروبية وما يتم فى إدارة العلاقات الخارجية بالمجلس، ويختص بعض الموظفين بالإدارة بإنهاء التأشيرات التى يرغب العضو فيها من السفارات التابعة لها، علاوة على إنهاء المصالح الحكومية وهذا ما جعل صراع النواب يشتد على رئاسة وعضوية اللجان المُتعلقة بوزارات خدمية، مثل لجان: الزراعة، والإسكان، والتنمية المحلية، والعلاقات الخارجية، والعلاقات العربية، والصناعة والطاقة، وغيرها من باقي اللجان التى يُحقّق النواب مصالح من خلالها.
ورغم كثرة الاقتباسات التي سخر منها النشطاء في كلمة السيسي الأخيرة، فإن عبارته "صبح على مصر بجنيه من تلفونك" كانت هي الأبرز، حيث تحولت لوسم يتصدر بقوة قائمة الوسوم الأكثر انتشارا في مصر. صبح على مصر وبعيداً عن جرائم برلمان "الدم" وامتصاصه أموال العشب، انتقد مغردون تحميل السيسي الشعبَ مسؤولية بناء مصر، بينما تمضي سياساته بتدمير اقتصاد البلد عبر "مشاريع الفنكوش" التي أثبتت فشلها وحملت خزينة الدولة عشرات المليارات. وقال السيسي في كلمته "إنتوا مين.. لو بتحبوا مصر اسمعوا كلامي أنا بس.. صبّحوا على مصر كل يوم بجنيه من الموبايل"، ليأتي رد النشطاء سريعا بعبارات ساخرة منها "نصف الشعب مستلف من شركة موبينيل 9 جنيه وخايف يشحن أحسن يطيروا عليه". وتمنى النشطاء أن يستيقظوا يوما وقد أفاضت عليهم مصر من خيرها الذي يسلبه الفاسدون، مذكرين بمظاهر البذخ والمواكب التي يظهر فيها السيسي عند تنقله، ومتسائلين عن اختفاء دعوات التقشف في مثل تلك المناسبات.
ويرى النشطاء أن السيسي يحاسب الشعب بينما المفترض أن الشعب هو من يحاسبه على تردي الأوضاع، مؤكدين أن النظام القائم فشل في تحقيق أدنى مستويات المعيشة للمواطنين، بل وزاد من سوء الأوضاع إلى حد ينذر بكارثة.
غير أن فريقا من مؤيدي السيسي تلقفوا تلك الدعوة، وأشادوا بها، مطالبين الشعب ليس فقط بالتبرع بجنيه وإنما بمبالغ أكبر حتى تخرج البلد من كبوتها، ويتغنون بحب مصر وقائد الانقلاب!.
ويرى المغردون أن السيسي بحملاته المتكررة لجمع التبرعات أصبح يمارس مهام ما سموه "مدير جمعية خيرية"، مما يفقده أهلية الاستمرار في مسرحية الانقلاب، مؤكدين أن أبسط واجبات رئيس العصابة هي إقامة مشاريع تنموية والنهوض بالاقتصاد بخطط حقيقية تعالج المشاكل القائمة وتوفر الرفاه للمواطن.