كان اعتراف الإعلامي عمرو أديب، أمس الثلاثاء، بجريمة الانقلاب المستمرة في الاختطاف والتغييب القسري في صفوف أنصار الشرعية، بمثابة "الحق الذي شهد به الأعداء"، فبعد أن فاحت رائحة الجريمة وعمت أرجاء المعمورة، سمح العسكر لأذرعهم الانقلابية بالحديث عنها علناً، محملين المسئولية كاملة لوزارة الداخلية وكأنها ورق "تواليت" في مراحيض السيسي. وبإجماع المراقبين فإن الأسوأ في مجال حقوق الإنسان هو ما يحدث في مصر الآن، انتهاكات تجري بشكل غير مسبوق في حق رافضي الانقلاب، فالقتل والاعتقالات والتعذيب والسجن بلا تهمة، أصبحت أخبارًا عادية، بالإضافة إلى أحكام قضائية عبثية تثير السخرية والقرف!.
ردي يا حكومة
"أديب" تلقى الإشارة فبدأ يغرد ويدندن حول انتهاكات الداخلية، في ممارسة تدليسية مفضوحة لغسل يد العسكر من الجريمة، وطالب الحكومة بالرد على شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي تديره الحكومة أيضاً، محدداً في برنامجه أن عدد المختطفين قسريًا بلغ 101 مواطنا فقط، وهو رقم متواضع إذا ما قورن بتلك الحالات المبلغ عنها والمسكوت في حقها، وقال أديب لحكومة الانقلاب: "الاختفاء القسري من أعلى درجات إرهاب الدولة، هو أعلى درجات انتهاك حقوق الإنسان، وهو شيء غير مقبول وجريمة لا يمكن تجاوزها، وهذا الملف يتم استخدامه ضد النظام المصري في الخارج".
وتابع: "من 7 شهور وكلمة الاختفاء القسري تزيد، ومنذ ذلك الحين وتبنى القضية الدكتور محمد البرادعي، ولكن مؤخرًا القومي لحقوق الإنسان قال إنه عنده شكاوى باختفاءات قسرية ل101 مواطن، وفي تقرير تاني بيقول إنهم 163 شخص، ودي تقارير رسمية مصرية".
طابور خامس
حاول "أديب" نفي التهمة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يقوم بدور "المحلل" لجرائم الانقلاب وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، فقال: "المجلس القومي لحقوق الإنسان مش طابور خامس زي ما بيتقال على البرادعي، وبذلك يتأكد أن ما قاله البرادعي له ظلال من الحقيقة، حقوق الإنسان الآن أصبحت أسوأ من عهد مبارك، تلك الجملة أصبح يصرح بها جميع الحقوقيين في مصر".
وبعيداً عن اعترافات "أديب" التي تؤكد أن الانقلاب على رأسه "بطحة"، تفشت ظاهرة "الاختفاء القسري"، بغباء منقطع النظير منذ انقلاب 3 يوليو، وأصبح مستساغاً إلقاء القبض على كل من يرفض الانقلاب بلا تهمة، بينما تعمل ماكينة "القضاء الشامخ" وتتلقى التوجيهات بالتليفون، وتصدر أحكامًا جنونية بالإعدام على المئات من رافضي حكم العسكر، في تصرف يشبه أعمال "المافيا" والعصابات ، ويطرح السؤال نفسه على مسامع الانقلاب "لماذا تفعلون كل تلك الجرائم وفى أيديكم كل مؤسسات الدولة ؟!".
وربما تأتي إجابة السؤال بأن الله القدير أراد فضح جنرالات الانقلاب بهذه الجريمة البشعة (الاختفاء القسري)، وما يتبعها من اعتقال وتعذيب، وتنتهي عادة بظهروا المختفي بعد عدة أشهر في أحد السجون، بعد أن يكون الضحية قد تعرض لتحقيقات عبثية.
ويؤكد مراقبون أن حال من يقف أمام منصات قضاء الانقلاب ويعرف أهله مكانه، أهون ممن خطفتهم أجهزة أمن الانقلاب، بلا سبب معروف، ولا تهمة محددة، إلا اللهم رفضهم للانقلاب العسكري، واستمرار أهلهم في البحث عنهم في كل مكان بلا مجيب، ولا أمل، فأجهزة أمن الانقلاب تكذب على المواطنين بطريقة سادية، وتتركهم "يدخون السبع دوخات"!.
يعذبون عائلات
ومن أهم مقاصد وأهداف الاختفاء القسري التي يجنيها الانقلاب، تعذيب عائلة الضحية بأكملها، حدث ذلك مع المحامى "أشرف شحاتة"، الذي خطفته أجهزة الأمن في يناير 2014، ومازالت زوجته "مها المكاوى" وأولادهما الثلاثة يبحثون عنه، ويجرون وراء أي خيط يصل بهم إلى رب هذه الأسرة المكلومة، فالرجل لم يرتكب أي شىء في نظر أهله، إلا أن الانقلاب لا يكترث لمواجع المصريين!.
أما المواطن "محمد على شاهين" فقد تم اختطافه من حي المقطم الذي يسكن فيه ، يوم 31/8/2015 ، وظل أهله يبحثون عنه في كل مكان، بلا أي أمل في الوصول إليه ، ولا أي معلومة واحدة تقولها أجهزة الانقلاب، وقد تحدث عنه أحد الحقوقيين في مداخله تليفونية مع برنامج " مانشيت " على قناة " أون تي في"، وكما قال له المعد، فإن مساعد وزير الداخلية سيرد على مداخلته، التي اتهم فيها شرطة الانقلاب بخطف "شاهين"، لكن لم يرد سوى الصمت!.
وبعد يومين خرج مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان ليمارس رذيلة الكذب على الهواء، ويقول :" لا توجد فى مصر أى حالة اختفاء قسرى! فى حين أن " المجلس القومى لحقوق الإنسان"، هذا المجلس الحكومى الذى يستخدم كواجهة مفضوحة لإخفاء انتهاكات حقوق الإنسان، قد وثق عددا من حالات الاختفاء القسرى، اعترف بها إعلام الانقلاب أخيرًا.
كله بما يرضى الله!
وفى إجابته عن سؤال حول "الاختفاء القسرى" فى مصر ، قال رئيس العصابة عبد الفتاح السيسي: " النهارده الإجراء اللي بيتعمل كله قانوني بواسطة أجهزة الدولة بعد الحصول على إذن من القضاء".
وأضاف: " لازم نخلي بالنا إن فيه ناس بتهرب وتروح تنضم لداعش في سوريا وتخرج عبر الحدود ولو إحنا شفناها هنرجعها تاني، وفيه ناس بتخرج للانضمام عبر ليبيا وسوريا، ده أمر مش قادرين نحكمه".
بينما ترد عائلات المختطفين على رئيس عصابة العسكر، بأن أبنائهم المختطفين لم ينضموا ل"داعش" كما يدعي ، ولم يخرجوا عبر الحدود ، ولكنهم كانوا محبوسين لنحو أشهر فى "لاظوغلي" أو احد مقرات الأمن الأخرى في المحافظات، قبل ظهور بعضهم وارسالهم إلى أحد السجون، في انتظار تلفيق تهمة مناسبة لهم!.
هذا هو نظام "السيسي" العسكري وهذا حال مصر على يديه، ذلك الجنرال الدموي الذي أصابه التشنج العصبي، بعدما تصور أن أحد أذرعه الإعلامية ينتقده ، فإذا به يقول بالنص : " ما يصحش كده . . والله هذا الأمر لا يليق يا جماعة . . ما يصحش نعمل كده فى بعض"!.
وهاهم ضحايا الاختفاء القسري وعوائلهم يردون له نفس العبارة ، وزيادة عليها بأن كل هذه المظالم المتفشية فى طول البلاد وعرضها، ستسقط الانقلاب مهما حاول أن يصنع من فناكيش وهمية، أو يتجمل بظهور عمرو أديب متحدثا عن جريمة يرتكبها العسكر، فلا حياة لنظام حكم ينتهك كرامة المصريين بكل هذا الإجرام.