كشف الدكتور محمد محسوب، وزير المجالس النيابة السابق، بعض الأسرار حول علاقته بالرئيس محمد مرسي، وما تبعها من الفترة التي حكم فيها الرئيس قبل الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وشهادته على هذه الفترة التي تم خيانته فيها من قبل السيسي وأعوانه. وجاءت أسرار الدكتور محسوب التي كشفها في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أمس الأحد، تحت عنوان: "الرئيس مرسي الثائر" وسرد فيها النقاط الآتية: (1) في أول أكتوبر 2011 التقيت بالدكتور محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، خلال جدل علني بيننا، تناقلته وكالات الأنباء، بشأن ما سُمي وقتها بوثيقة ال13 والتي كانت أشبه بمحضر اتفاق بين 13 حزبًا مع المجلس العسكري.. كان من بين هذه الأحزاب (قائمة أو تحت التأسيس).. الوفد والكرامة والناصريون والمصري الديمقراطي والمصريون الأحرار والدستور والعدل والنور وغد الثورة وغيرها. وتضمن الاتفاق 6 نقاط كلها وعود من المجلس العسكري دون أن تتضمن أي تعهد من جانبه بتسليم السلطة. وبالتأكيد كان الدكتور مرسي مثالاً لرئيس حزب ملتزم بأدبيات حزبه ومقاصده. (2) في 31 يوليو 2012 انضممت للحكومة حتى نهاية ديسمبر.. فالتقيت برجل مختلف.. رجل دولة يحاول أن يعبر عن شعب كامل.. مجتهدًا في تحقيق مطالب الثورة بإصلاح الدولة القديمة ليقلل كلفة التحول للديمقراطية.. فرغم أن أجهزة الدولة تمردت عليه، لكنه فضّل أن يكون رجل دولة يسعى لإصلاحها دون أن ينقض أسسها. اختلفت مع وجهة النظر تلك لكنها تبقى اجتهادًا، ويبقى رأيي اجتهادً يحتمل الخطأ والصواب. كان يصف اختلافي مع بعض آرائه بأنه خلاف بين جيلين، وكنت أرى الدولة تحرمه من أدوات الفعل لتفصل بينه وبين شعبه، وخصوصًا لتجتذب أطرافًا من الثورة إلى معارضته لتهيئة الأجواء لأمر ما. بعد استقالتي من الحكومة استمر لقاؤنا بالرئيس مرة كل أسبوع إلى أسبوعين تقريبًا، فكان أكثر من قابلتهم في حياتي تواضعًا وتقبلاً للنقد، ولن أنسى كلامًا صعبًا نقلناه له في لقاء خلال مارس 2013، فكان البطل عصام سُلطان أكثرنا حدَّة، ولا أنسى نظرة الأب الحنون في عين ذلك البطل محمد مرسي وأنا أحاول أن أشرح كلام عصام لأخفّف من حدّته، فيقول لي: "دعه يا محمد يكمل.."، ثم أنهى لقاءه بأنه يرغب أن يتحمَّل هو كل الألم، وألا يصل لأيٍّ منا أو من شعبنا أي قدر من المعاناة. مختلف عن رئيس الحزب الذي قابلته في أول أكتوبر 2011؛ الذي كان عنيفًا في الدفاع عن وجهة نظر حزبه، واليوم أراه ينتقل لخانة رئيس الجميع وخادم الكل.. شهادة تقدير عليّ أن أقرَّ بها. (3) في الأول من يوليو 2013 كان البيان التمهيدي للانقلاب، وكان الرئيس في وضع الإقامة الجبرية.. التقت به سرًّا الأحزاب الداعمة للمسار الديمقراطي في مكان ما بالتجمع الخامس.. تناقشنا حول مبادرة من 5 نقاط مررها للرئيس الدكتور الكتاتني فرَّج الله كربه. وجاء خطاب الرئيس يوم 2 يوليو ليعلن المبادرة، لكنه أعلنها ضمن خطاب مطوّل.. كثيرون تساءلوا عن سبب الإطالة، لكن الزمن أكدّ أنها كانت إطالة واجبة؛ فيبدو أنه أدرك أن أي مبادرة عدا تنازله للمنقلبين لشرعنة انقلابهم لن تكون مقبولة، فأراد أن يؤدي واجبه كثائر وأيضًا كرئيس.. فطرح المبادرة بعد أن تحدث مطولاً عن الشرعية وعن الثورة.. الشرعية ليس بالمعنى الذي يُروج له مزايدون، وإنما باعتبارها ثمرة ثورة وليست ملكًا لأحد.. والثورة لا باعتبارها سلاح هدم.. وإنما لكونها طريق إنقاذ واستنقاذ لوطن.. جاء موقفه من الانقلاب ليمحو كل خلافٍ في وجهة النظر بشأن إدارة دولة؛ لأنه انتقل لخانة الثورة بكل اقتدار.. فقد عبّر الرئيس عن موقف الثورة الناصع.. عبر عن ربيع يناير المشرق في مواجهة خريف يوليو بغباره وتقلباته.. (رغم وقوع يناير في الشتاء ويوليو في الصيف).. فكان خطاباه الأخيران- رغم طول الأول- بيانًا مفتوحًا يحدد مستقبل الثورة ويرسم طريق استعادتها.. ليبقى الأكثر تجسيدًا عن موقف ثورة شعب في مواجهة انقلاب دموي.. وليكون الفصل الأول في كتاب أدبيات الثورة في مرحلتها الثانية.. أكثر من المفرطين بتبريرات يحاولون صبغها بصبغة عقل.. وأكثر من المقصرين لأسباب يبررها الخوف.. وأكثر من المزايدين الذي يتحدثون باسم الرئيس لكنهم لا يعبرون عن منطلقات موقفه، لا بل يتصادمون مع ما أعلنه واستأمن عليه كل مصري وكل ثوري.. فهو استأمننا على الدولة وعلى الجيش وعلى الثورة.. ما زال البعض لا يدرك كيف يوفق بين ما يعتبره متناقضات.. فيدعو لتفكيك الدولة، معتبرًا أنها خصم للثورة.. ويدعو لكسر الجيش لأنه يراه قوة احتلال..!! لا يدرك أن الثورة كما عبّر عنها الرئيس مرسي هي لاستعادة الدولة لا لتفكيكها.. ولاسترداد جيشنا لا لكسره.. تمامًا كتحرير إرادة شعبنا من القمع لا لتمزيق أوصاله والتمييز بين فئاته.. لم يبلغ أولئك الذين يرون تناقضًا بين الثورة والدولة ما بلغه الرئيس المُختطف من وعي ورؤية لأهداف الثورة.. فهو حقن دماء شعبه وجيشه وفضّل أن يواجه إرهاب الانقلاب بثبات الثائر.. رفض أن يُفرط في شرعية ثورته.. فأعلن أن الهدف ألا تُسرق الثورة.. وأن الطريق هو اصطفاف أبنائها.. نبه إلى أن الثورة هي لاسترداد الدولة لا لتفكيكها.. أكد أن جيشنا هو ملكنا ولا يُعبر عنه مختطفوه.. أن الثورة ليست فصيلاً متمردًا، بل هي شعب يواجه عصابة تسرق وطنًا وتختطف إرادته وتتآمر على حرياته وحقوقه.. وسارقها واحد من اثنين: منقلب يغتالها.. أو ساذج ينقلها من خانة الثورة لخانة التمرد. ربما يمكن الاختلاف مع مرسي رئيس الحزب أو الرئيس مرسي في سدة الحكم.. لكن يصعب الاختلاف مع الرئيس الثائر وهو يُعبر عن ثبات الثورة في لحظة يقف فيها في قفص حديدي فيصغر أمامه الجالسون خلف المنضد الخشبي.. كما لا تسمح مواقفه المعلنة لأولئك الذين يزايدون على شرعيته لكنهم يفتئتون على فكرته.