مع تولي المجلس العسكري السابق السلطة بعد تنحي الرئيس السابق حسني مُبارك في 11 فبراير 2011، طالب الثوار طوال الوقت بضرورة تسليم السلطة لمجلس رئاسي مدني، في هذا التوقيت، كان قيادات الإخوان والسلفيين يهتفون «يا مشير يامشير.. النهارده انت الأمير»، وكان الشيخ محمد حسين يعقوب يحذر من على جبل عرفات أن أحدًا لن يأمن في بيته إذا تم كسر الجيش المصري، وكان صفوت حجازي يُهدد –كعادته- في الإسكندرية بأن من سيرش المجلس العسكري بالمياه سيرشونه بالدم. على مدار الفترة الانتقالية، عارضنا المجلس العسكري السابق، باعتباره حاكمًا لمصر،ارتكب عدد من الأخطاء والخطايا، التي تضمنت سقوط شهداء وسحل ثوار وسط تبرير إخواني، وتسليم البلد لجماعة إرهابية، عندما خضع لابتزازها وشكل لجنة لتعديل الدستور، الذي قامت الثورة عليه، ثم إجرائه الانتخابات قبل التوافق على دستور يمثل الجمعية العمومية لشعب مصر، حتى وصل الإخوان للسلطة بعد ذلك فانقلبوا على قيادات المشير، الذي نصبوه أميرًا بالأمس في ميدان التحرير الذي كان يهتف ضده. على مدار عام كامل من حكم محمد مرسي العياط، حاول الرجل الذي كان مرشحًا احتياطيًا لخيرت الشاطر قبل أن يكون رئيسًا للجمهورية، كسب الأجهزة الأمنية إلى جانبه وجانب جماعته، واختراقها في بعض الأحيان، فلم يكن يترك مناسبة إلا ويُمجد فيها جهاز الشرطة ويؤكد أنه أمره بالتصدي بعنف للمتظاهرين الذين كان يصفهم بالبلطجية، كما عمل على بناء ترسانة من الأسلحة للداخلية لاستخدامها ضد من يتظاهرون ضده، حتى وصل به الأمر إلى الإشادة بدور الشرطة في 25 يناير!. أما جهاز المخابرات العامة، والذي أقال رئيسه مراد موافي، في أعقاب مذبحة رفح،التي راح ضحيتها 17 جنديًا مصريًا، بعد كشف الأخير نقله لمرسي معلومات بوقوع الهجوم قبله بأيام، فقد أصر مرسي، في سابقة هي الأولى من نوعها، أن يُقسم رئيسها أمام شاشات التليفزيون ب«الولاء للرئيس» على المصحف، إلا أن الرئيس وجماعته كان لهم على ما يبدو تطلعات أكثر من ذلك، فأطلقوا بالونة اختبار تُفيد بإصدار مرسي قرارًا بتعيين محمد البلتاجي رئيسًا جديدًا لجهاز المخابرات العامة،ولما كانت النتيجة سلبية، فقد أطلق بعض من أنصار الجماعة وحلفائها اتهامات للجهاز بتشغيل بلطجية!. وفي الوقت الذي كان مرسي وجماعته يؤكدون فيه بسبب وبدون سبب على كونه «أول رئيس مدني منتخب»، لم يهتم مرسي بأوائل خريجي الكليات المدنية، في حين لم يترك مناسبة للجيش إلا وحضرها، سواء حفلات تخرج الكليات العسكرية أو غيرها، كان الرجل يحاول طوال الوقت أن يرسل رسالة للجميع مفادها أنه «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، كان يحاول التأكيد على كونه على رأس هذه المؤسسة أكثر حتى من محاولته التأكيد على كونه رئيسًا لشعب مصر، فالرجل لم يكن يهمه إلا أمرين: ولاء الجيش والشرطة والمخابرات له، وحفاظه على ولائه لمرشده وجماعته، أما شعب مصر فكان خارج حساباته تمامًا. نجحت الجماعة وذراعها الرئاسية في قصر الاتحادية في اختراق محدود لوزارة الداخلية، إلا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في اختراق الجيش، وهو ما أكد عليه الفريق السيسي في خطاب «مهلة الأسبوع» الشهير، حين أكد وكرر أنه لن ينجح أحد في اختراق المؤسسة العسكرية، أو العلاقة بينها وبين الشعب. هكذا كان يدور الصراع، تنظيم دولي يسعى لأخونة جيش مصر لجعله مجرد ميلشيا للجماعة أينما وُجدت،وجيش يرفض إلا أن يكون جيشًا لمصر وشعبها. إن القارئ لأدبيات الجماعة يدرك تمام الإدراك أن خللًا في مفهوم الوطنية يعاني منه كل من انتمى إليها، فالمرشد المؤسس حسن البنا يرى أنه «لا وطنية في الإسلام»، وصاحب عباءة كل الأفكار التكفيرية، سيد قطب، رأى في الوطن «حفنة تراب عفن»، والمرشد السابق، مهدي عاكف، لم يتورع أن يُحقر علانية من شأن الوطن قائلًا «طظ في مصر»، ومن هنا يأتي التوجه الإخواني العابر للحدود، الذي لا ينتمي للوطن بقدر ما ينتمي لدولة الجماعة، التي يجب أن تكون إخوانية تمامًا بكل أجهزتها، بما فيها الجيش، وهي معركة الجماعة التي خاضها مرسي على مدار عام كامل لم يخُض فيه أي معركة لشعب مصر. وطوال معركتها في سبيل «أخونة الدولة» سعت الجماعة لهدم مؤسسات الدولة من أجل بنائها مرة أخرى، ليس على أساس وطني وإنما على أساس إخواني، حتى حولت الجماعة مصر لدولة فاشلة، بها مؤسسات لكنها غير فاعلة، بها قانون ليس له قيمة، بها محكمة دستورية تُحاصر، بها رئيس يحنث القسم ولا يحترم القانون ولا الدستور ولا الوطن ولا سلامة أراضيه ولا أمن مواطنيه، وبقي الجيش هو المؤسسة التي فشل الإخوان في اختراقها أو إحداث انشقاقات بها. إن المتابع للتصريحات الدولية بخصوص ما يحدث في مصر، وخاصة الأمريكية والإسرائيلية، والمدرك لموقع مصر جيدًا، يُدرك أن ما يحدث في مصر مرتبط بكل ما يحدث في المنطقة، وأن ما حدث في 30 يونيو كان ضربة قاصمة لمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي تتبناه واشنطن وتل أبيب، والذي يتضمن إعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي، وهو ما كانت جماعة الإخوان تُشارك فيه بكل قوتها. إضافة إلى تحطيم الجيوش المركزية في المنطقة، ليبقى وحده الجيش الإسرائيلي فيها، وهو ما لعب فيه التنظيم الدولي للجماعة دورًا كبيرًا أيضًا، حيث وافق الحزب الإسلامي في العراق (الذراع السياسية للجماعة بالعراق) الذي كان عضوًا في مجلس الحكم الانتقالي الذي أسسه الاحتلال الأمريكي، على حل الجيش العراقي، ثم كان الدور الذي لعبته جماعة الإخوان والجماعات الجهادية المتحالفة معها، والتي سافرت من كل بقاع الأرض لتدمير الجيش السوري، ثم كان الدور الذي تحاول جماعة الإخوان أن تلعبه مع الجيش المصري الآن، من محاولات شيطنة وشائعات عن انقسامات، تمهيدًا لظهور ما يسمى «الجيش المصري الحر» لتكرار النموذج السوري. على مدار الشهور التي سبقت سقوط مرسي، كان شعارنا ضد كل من يحاول أن يكسب الجيش لصالح معسكره أو يُشيطنه، أن الجيش لا يُستدعى ولا يُستعدى، أما الآن، وقد أصبح الأمر مرتبط بوجود جيش مصر أو تدميره، فإن دعم الجيش المصري، ليس انحيازًا سياسيًا، وإنما موقف وطني في مواجهة كافة محاولات تدميره وتفكيكه، سواء من القوى الخارجية، أو الداخلية العميلة لها، التي لا تؤمن بالوطن من الأساس،والتي تستدعي القوى الأجنبية علانية للتدخل ضد جيش مصر. إن انحياز جيش مصر في 30 يونيو للشعب المصري وإرادته الشعبية هو تعبير قوي عن عقيدته الراسخة بأنه جيش الشعب وليس جيش الحاكم، وهي المهمة المقدسة للجيش، الشعب يأمر والجيش يمتثل، ومن يترك مكتبه المكيف وحسابه على تويتر لدقائق وينزل أي شارع مصري أو وسيلة مواصلات فقيرة، سيسمع بأذنيه مطالب شعب مصر بضرورة التصدي للعمليات الإرهابية التي يدفع هو وحده ثمنها، وهكذا يأمر الشعب جيشه مرة أخرى، ويمتثل الجيش، طالبًا أن يكون هذا التكليف والأمر علنيًا يوم 26 يوليو، لسد الطريق على من يستقوون بالخارج ضد شعب مصر وجيشها. عندما كان الخلاف سياسيًا بيننا وبين مجلس عسكري، ارتضى أن يكون حاكمًا ويلعب دورًا سياسيًا، هتفنا ضده وطالبنا بسقوطه، للأخطاء التي ارتكبها أثناء إدارته المرحلةالانتقالية، إلا أننا لم نهتف على الإطلاق ضد جيشنا، كنا نفرق بين من ارتضوا لعب دور سياسي، والجيش الحامي، ومازلنا نفرق بين الأمرين حتى الآن، خاصة أن الخلاف الآن أصبح حول قضية الوطن، فإما أن نحافظ عليه وعلى هويته بتحالف الشعب والجيش، أو نتركه فريسة لجماعة إرهابية لا تؤمن به ولا بحدوده ولا بترابه بمشاركتها شيطنة الجيش في مقابل استدعاء عصابات حماس وجيوش الناتو لإعادتها إلى السلطة.