"الأوباش المسلمون" عنوان كبير تصدر الصفحة الرئيسية من صحيفة "ليبارو" الإيطالية، اليوم السبت، بعد ساعات قليلة على عملية إنهاء احتجاز الرهائن الفرنسيين في ملعب "باتاكلان"، حتى خرجت باكورة الصحف الغربية تلصق التهمة بالمسلمين. عنوان "ليبارو" استفز مشاعر جميع المسلمين في أنحاء العالم، في أعقاب الهجمات التي وقعت في العاصمة الفرنسية باريس، والتي أودت بحياة أكثر من 150 شخصا، في وقت يخشى فيه كثير من المسلمين سواء الفرنسيين، او حتى المقيمين في فرنسا وطالبي اللجوء، من مصير لا يختلف كثيراً عما حدث للمسلمين في أعقاب أحداث ال 11 من سبتمبر في أمريكا. وفي وقت سابق فجّرت أحداث فرنسا التي جرت على خلفية ملاحقة الشرطة لمسلمين شابين، ما أدى إلى موتهما صعقاً بالكهرباء، لدى هربهما ودخولهما في مكان للجهد العالي غير آمن، بحسب المصادر الفرنسية، أو تحت تأثير التعذيب الكهربي بحسب مصادر عربية، وإلقاء قنبلة على مسجد بلال من قبل الشرطة الفرنسية، غضباً هائلاً في أوساط المهاجرين المنحدرين في معظمهم من منطقة الشمال الإفريقي وغالبهم من المسلمين، والذين يقطنون ضواحي باريس. امتدت حوادث العنف لتشمل بلدات إقليمية كبيرة مثل بوردو وستراسبورج وبو ورين وتولوز وليل إضافة إلى ضواحي باريس التي اشتعلت فيها الشرارة الأولى للأحداث ، وبلغت الحصيلة الأولية لأعمال العنف إحراق نحو 3500 سيارة والإضرار بالعشرات من المحال التجارية وغيرها، وبدا رد الفعل أكبر كثيراً من الفعل، بما يشي بأن ثمة احتقان كبير يعتمل في نفوس المهاجرين، أخرجته هذه الأحداث ليظهر انقساماً جزئياً داخل المجتمع الفرنسي، بين سكانه الأصليين والمهاجرين المسلمين. الأوباش المسلمون بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وتفجير برجي التجارة في نيويورك، بدأت موجة من معاداة للمهاجرين، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتؤسس لما يعرف حالياً بال"إسلاموفوبيا"، التي كانت موجودة في فرنسا تحت الرماد، وأظهرتها حوادث عدة كان آخرها الهجوم على مجلة "شارلي إبدو"، واليوم هجمات باريس وملعب "باتاكلان". كان لأحداث 11 سبتمبر أثر كبير على تشكيل صورة العرب لدى الغرب، فقد تجاوزت هذه الصورة من مرحلة التشويه التي كانت سائدة قبل سبتمبر إلى احتمالات الإقصاء، حيث انطلق فكر الصراع وظهرت أفكار قديمة جاءت من عصور سحيقة بهدف خلق صدام وهمي مع الإسلام على اعتبار أن الإسلام مصدرا للإرهاب. الآن يتردد سؤال حول إمكانية أن يتحول يوم 14 نوفمبر 2015 ليوم فاصل في تاريخ فرنسا بعد الهجمات الأعنف منذ القرن الماضي التي تضرب عاصمة باريس، أصابع الاتهام تتوجه بشكل آلي إلى إسلاميين وتحديداً "تنظيم القاعدة"، أو "تنظيم داعش" فخر الصناعة المخابراتية الغربية! لكن الثابت الآن أن إجراءات الهجرة والدخول إلى فرنسا للعرب تحديدا ستكون أكثر صعوبة وقسوة وربما نرى تمييزا يضاهي التمييز الذي عانى منه المسلمون والعرب في أمريكا بعد 11 سبتمبر. وحول رد الفعل المتوقع للحكومة الفرنسية والفرنسيين عموماً، يقول الخبير في الشئون الغربية "خالد يوسف"، رئيس قسم الشؤون الخارجية بمجلة "الموقف العربي": "حتى لا يكون الكلام مساهمة في تضليل الوعي العربي والإسلامي، لا بد من توضيح حقيقة تاريخية مفادها أن ما طرحته الثورة الفرنسية من شعارات الحرية والإخاء والمساواة، كان يخاطب فرنسا في لحظة تاريخية محددة يقف الإقطاع فيها عقبة في طريق التطور الرأسمالي الصناعي الضروري لطموحات فرنسا الإمبراطورية الاستعمارية ولهذا فلم تنعكس هذه الشعارات على سياسة فرنسا الاستعمارية سواء في البلدان العربية أو الإفريقية أو الأسيوية، بل إن الاستعمار الفرنسي كان من أشد أنواع الاستعمار بطشا وقسوة، ومثلى الجزائر وفيتنام ما يزالان شهودا على ذلك، فإذا أضفت التاريخ الأسود للاحتلال الفرنسي في تجارة العبيد، يمكنك أن تقول بمنتهى الثقة أن الإنسان الذي يطرحون شعاراتهم له هو الفرنسي، والرجل الأبيض على أقصى تقدير، وليس هذا وقفا على فرنسا، بل هو سمة مميزة للحضارة المادية الغربية بكافة مدارسها وتمثلاتها، وتأتى الأحداث الأخيرة لتثبت للغافلين والمتغافلين والمتغربين، وأنصار اللجوء إلى الأجنبي وموالاته، أنه لم يعد هناك مساحة للتنطع على أرصفة حضارات لا تعتبرهم بشرا، حتى ولو حملوا جنسيات بلدانها". المسلمون في فرنسا في أعقاب أحداث الهجوم على مجلة "شارل إبدو" عانى المسلمون في فرنسا من التمييز والاتهام المزعوم بأنهم إرهابيون وأن دينهم الإسلام يحرض على العنف والإرهاب، وعمد بعض المسئولين الفرنسيين إلى الإساءة للإسلام، تبع كل هذا وقوع الرئيس "فرنسوا هولاند" نفسه في جُرم الإساءة إلى الإسلام بالحديث عمّا وصفه بخطر الفاشية الإسلامية! وكانت النتيجة المنطقية لكل هذه الدعاية، زيادة المشاعر السلبية عن الإسلام والمسلمين، والتي أدّت إلى زيادة في حالات انتهاكات الحقوق المدنية للمسلمين الفرنسيين، إلى جانب ازدياد الجرائم الموجهة للجاليات العربية الإسلامية، والتمييز ضدهم. كما تعرض المسلمون في المطارات ونِقاط الحدود الفرنسية إلى عمليات تفتيش واستجواب على أساس تصنيفهم العرقي، وبالطبع، تعرضت مؤسساتهم الخيرية لغارات من مكتب المباحث الفرنسية، بحجّة تمويلهم لمساعدات إنسانية في غزة وفي لبنان، مما جعل المسلمين الفرنسيين يتردّدون في التبرع للأعمال الخيرية، خشية اتهامهم بتمويل الإرهاب! وحول ما يتعرض له المسلمون في فرنسا جراء اتهامهم بالإرهاب، يقول محمد المختار الشنقيطي، مسئول العلاقات الخارجية بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، :"يتوقف التأثير على طريقة تعاطي المسلمين الفرنسيين مع الأمر، ومع قضية التحيز ضدهم بشكل عام. فالمسلمون الفرنسيون لا بد أن يدركوا أن عصر الحرية المجانية في الغرب قد ولى، فلم يعد كافيا الانزواء عن التيار الاجتماعي ونسيان الشأن العام، وترك الآخرين يناضلون من أجل الحريات العامة نيابة عنهم، ثم ينعمون هم بثمرات نضال أولئك وتضحياتهم. فالوجود الإسلامي في الغرب يتسع، وردة الفعل السلبية تجاهه تتصاعد، تغذيها مواريث الماضي المترسبة في أعماق النفوس، وانتهازية تجار الحروب ومثيري الفتن وصراع الحضارات في كل عصر. وهذا التحدي يستلزم من المسلمين الغربيين بشكل عام – والفرنسيين بشكل خاص- استجابة على مستواه، تتمثل في الانخراط في العمل السياسي، وإسماع صوتهم، والنضال من أجل الحريات العامة والحقوق المدنية، وتحدي كل القوانين والمواقف المتحيزة ضدهم. فإذا أفرز المسلمون في فرنسا قيادة واعية بتحديات الواقع، مدركة لمسؤولياتها، متحررة من مركب النقص القديم، متمرسة بوسائل العمل المدني، فإن هذه الأحداث ستكون فاتحة خير وصحوة في الجالية المسلمة وفي المجتمع الفرنسي نفسه، حول إشكالات وتراكمات من العنصرية والتحيز آن أوان حلها.. وإن لم تنجح الأقلية المسلمة في ذلك، وظلت قيادتها قاصرة على إصدار "الفتاوى" حول وقف الاحتجاجات، دون تقديم بديل ودون دفع مطالب الشباب المسلمين بقوة إلى المسرح السياسي.. فربما تنفلت الأمور – لا قدر الله- وتتحول إلى فوضى وأعمال عنف غير منضبطة بحكمة السياسة وسيادة القانون، تستغلها الجهات التي يسوؤها أن ترى الإسلام ينمو ويزدهر في سلام بقلب أوربا، وتتحول إلى تضييق ومحاصرة للوجود الإسلامي النامي في أوربا وفي الغرب كله. وعسى أن تكون تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ليوني جوسبين في صحيفة "لموند" الفرنسية اليوم حول ضرورة "الابتعاد عن المواجهة" واعتماد "سياسات اجتماعية شاملة" لحل الأزمة، بداية صحوة الضمير الفرنسي حول محنة المسلمين والمهاجرين قبل فوات الأوان". وحول اتهام السلطات الفرنسية بأنها "اليد الخفية" وراء عدة حوادث، تهدف إلى لجم وتقليص بعض حريات المسلمين في فرنسا، أو تقليص نشاطاتهم وفقاً لمبدأ "الإسلام الفرنسي"، يقول الأستاذ طلعت رميح رئيس تحرير سلسة استراتيجيات، :"هذا هو بيت القصيد فيما يجرى،وارى انه قد حان الوقت لإدراك عدة أمور :أولها أن أجهزة الدول باتت تدير المجتمعات بأساليب كانت سابقا حكرا على العمل الشعبي،حيث يجرى تأجيج المشاعر تجاه بعض القضايا وإيصال الأمور إلى حالة واسعة من العنف الذي يمكن السيطرة عليه،لتحقيق أهداف داخل المجتمع وبالمناسبة فان هذا هو جهور نظرية الفوضى الخلاقة التي تعتمدها الولاياتالمتحدة" . متابعاً:" ثانيها أن ندرك كيف أن من يمتلك خطة إستراتيجية فان بإمكانه أن يدفع الآخر إلى تحقيق أهدافه وهو لا يدرى،كما هو الحال في التكتيك العسكري المشهور من حصار الخصم وفتح طريق واحد أمامه للحركة أو الانسحاب يكون هو الاتجاه الذي يزيد مآزقه ولا يفك حصاره ويجعله في حالة صراع بين الهلاك أو الاستسلام". مضيفاً: "وثالثها، أننا يجب أن ندرك مدى الانزعاج الذي يعيشه الغرب من نمو الوجود الإسلامي في داخل مجتمعاته وانه مستعد لارتكاب أفعال وجرائم تفوق كل تصور حيث تتناقص أعداد المواطنين الغربيين بما يجعل النمو الإسلامي أمرا مؤثرا على المجتمعات الغربية المغرقة في العنصرية،وبما يهدد "النقاء العرقي " الذي يحرصون عليه" .