شغلت الفتاة الفرنسية المسلمة «حياة بومدين» الرأى العام العالمي، وهى مطلوبة الآن من السلطات الفرنسية بعد جريمة شارل ايبدو وما تبعها من جرائم أخري، منها: عودة العنف الإعلامى الفرنسى ممثلا فى العدد الأخير لشارلى ايبدو، تلك الأسبوعية التى أصبحت ضحية بعد أن حوّلت معظم أهل الأرض وبالذات أتباع الكتب السماوية، وبخاصة معتنقى الدين الإسلامى، إلى ضحايا خلال فترة تجاوزت التسع سنوات. ومن خلال البحث عن «بومدين» من أصول جزائرية باعتبارها العقل المدبر، وإن كان الأمر لم يحسم بعد، يظهر لنا الغرب فى تعامله مع الإرهاب، من حيث هو نتاجه، متفاديا الاعتراف به، ومصرا على انكار الانتماء الثقافى والحضارى لأبناء بيئته، مصرا على التذكير بأصولهم حين يقومون بأعمال إجرامية معتمدة على خلفيات دينية. والحقيقة أن الناشطين فى مجال الإرهاب، هم واحد من ثلاثة، إما أبناء المهاجرين العرب والمسلمين، الذين ولدوا هناك وغدوا جزءا من المجتمعات الغربية، ولكن فى النهاية رفضوا تلك المجتمعات مثلما رفضهتم، وإما هم أبناء المجتمعات الغربية لكنهم تأثروا بموجة الإسلاميين المسلحين، وشعروا بأن الانضمام للجماعات الإرهابية يعطيهم تميّزًا ويخرجهم من حال التيه والضياع المصاحبين للمدن وللحضارة المادية، وإما هم قادة إسلاميون هاجروا من أوطانهم إلى الدول الغربية، وتحصلوا على حق اللجوء السياسي، واحتموا بها من المتابعة القانونية، بل هناك دول غربية طالبت بالعفو عنهم بغض النظر عن الجرائم التى ارتكبوها قبل هروبهم من أوطانهم. وبالعودة إلى الجريمة التى حصلت فى فرنسا، أو لنقل الجرائم خلال الأسبوعين الماضيين وهى جرائم غير مبررة وغير مقبولة فى المطلق سنجدها حالة خاصة تحاول السطات الفرنسية تعميمها، ونقلها من المحلى إلى الدولي، والمشاركون فى مسيرة باريس، هم فى حقيقة الأمر دعّموا الرئيس فرنسوا اولاند، بعد ترجع شعبيته حتى وصلت إلى 7% كما لم يحدث فى تاريخ فرنسا منذ قيام الجمهورية، أكثر مما وقفوا إلى جانب فرنسا الدولة والشعب وهناك من المشاركين مثل رئيس الحكومة الإسرائيلية، ورئيس السلطة الفلسطينية وغيرهما من حضر إلى فرنسا من أجل قضايا داخلية على علاقة لها بالإرهاب. ومع ذلك فإن ما حدث من فرنسا من تفاعل دولي، يظهر عدم احترامنا للإنسان عندنا حيا وميتا، حيث لا حزن مجتمعى عام على الضحايا، كما يبين هواننا على أنفسنا وعلى الناس، فالقتلى نتيجة العمليات الإرهابية فى الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن وليبيا عددهم اليومى بالمئات، لكن لا يذكرون إلا ضمن سرد غير دقيق للأرقام. وحين تسعى الأنظمة بطريقة جادة لمحاربة الإرهاب كما حدث فى الجزائر خلال العشرية السوداء، أو كما هو حادث الآن فى مصر، يتحول الغرب إلى مدافع عن تلك الجماعات، ما يعنى أن دولنا أقدر على الصمود فى وجه الإرهاب، ولو الولاياتالمتحدةالأمريكية عاشت مثل الجزائر حربا داخلية تجاوز قتلاها 200 ألف، أو واجهت ما تعيشه مصر منذ أربع سنوات وإلى غاية الآن، لكان وضعها أسوأ منا، ولانتهت إلى مجوعة دويلات متصارعة على غرار كان عليه الغرب كله فى أثناء الحروب الأهلية. نعرف جميعا، أن عدد ضحايانا نتيجة العمليات الإرهابية كبير، لكن تلك العمليات ليست من عمل أيدينا فقط، فالجماعات الإرهابية، وتحديدا القاعدة، حين انطلقت فى البداية كانت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، بل تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية، حيث بدأت حربها خارج الأرض العربية، وتحديدا فى أفغانستان، أى أنها وُجدت أساسا لمحاربة الاتحاد السوفيتى السابق، ثم اختلف المتحالفان بعد 11 من سبتمبر، وعشنا ويلات احتلال أفغانستان والعراق، وبعدهما سوريا، وعلى طريقهم يسير اليمن وليبيا. والمشهد الحالى على المستوى العالمي، يكشف عن تدافع البشر نحو غايات كبرى تكرس الوهم والزيف، وذلك حين تعتقد الجماعات الإرهابية أنها تخدم الدين، والدليل أن الإسلام انتشر فى سنوات الأزمات بعيدا عن الفعل الإجرامى لتلك التنظيمات، ويبرز المشهد العالمى أيضا فى جانبه الغربي، هروبا من تحمل المسئولية التاريخية، وعدم الاعتراف بتراكمات ميراث الاستعمار والتدخل فى الشئون المحلية، والتحكم فى السيادة الوطنية، إضافة إلى حمايته ودعمه واعترافه بالجماعات الإرهابية داخل أوطانها وخارجها، وبذلك يشد حبل المشهد من الطرفين فينقطع عند نقطة التلاقى بين التدافع بما يحمل من وهم وزيف، وتخلى الغرب عن مسئولياته التاريخية والراهنة. من هنا يمكن لنا القول: إن الحديث الدائر الآن على نطاق واسع، سياسيا وإعلاميا وأمنيا، والمتمثل في:» أن لاصوت يعلو فوق ذلك الطلب الدولي، والمُجْمع عليه كثير من الناس فى زماننا، ألا وهو» فى محاربة الإرهاب»، غير مؤسس فى عمومه، إذ كيف للدول الأوروبية مثلا أن تحارب داعش والنصرة .. الخ، ثم تسمح وأحيانا ترعى التحاق شباب أوروبى بها، وما حياة بومدين منا ببعيد؟، وكيف لها أن تدّعى مطاردة الإرهاب ثم تدعم جماعات المعارضة لاسقاط نظام بشار الأسد؟. إجابة السؤالين السابقين تعنى أمرا واحدا، هو أن فرنسا ستتدخل فى سوريا بقوة، بحجة البحث عن حياة بومدين، وتساعد المعارضة فى القضاء على نظام بشار الأسد، أى أن مأساة 11 من سبتمبر ستكرر اليوم ولكن برؤية وإخراج فرنسي، ومن تابع تصريحات المبعوث الأممى إلى سوريا،ستيفان ديميستورا، فى الرابع عشر من يناير الحالى فى جنيف،والتى قال فيها:» أحداث باريس هى إحدى نتائج الصراع فى سوريا»، يدرك ما ينتظرها من احتمال غزو فرنسي، بات وشيكا فى نظر بعض المراقبين، ومن يرى عكس ذلك فعليه أن يقرأ تاريخ الاستعمار الغربى للمنطقة، أو على الأقل يتذكّر ما حدث لدولنا منذ 2001. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه