وأكد خبراء الاقتصاد أن مثل هذه المبادرات يمكن أن تكون بمثابة طوق نجاة لإنقاذ الاقتصاد المحلى من الغرق فى الديون الخارجية، فضلا عن دعم المراكز المالية للبنوك المحلية، وتعزيز أدوات الاستثمار بضخ سيولة جديدة فى شكل تحويلات ومدخرات. "الحرية والعدالة" استطلعت آراء خبراء البنوك حول آلية طرح هذه المبادرة وتنفيذها على أرض الواقع، ليشيروا إلى ضرورة أن تولى مؤسسة الرئاسة رعاية خلال جولاتها الخارجية بالترويج لهذه النوعية من المبادرات، كما حدث فى الصين مؤخرا، حينما دعا الرئيس محمد مرسى الجالية المقيمة بالصين لضخ استثمارات جديدة ومساندة الاقتصاد المصرى حتى ينهض تماشيا مع خطط جذب الاستثمارات الجديدة التى أعلنت عنها مؤسسة الرئاسة. وشددوا على أنه يمكن استثمار تحويلات المصريين فى الخارج فى تعزيز المبادرة وإنجاحها، خاصة أنها تستهدف إقالة الاقتصاد المصرى من عثرته. وقال أحمد عبد الفتاح الخبير المصرفى: إن المصريين بالخارج بمثابة كنز إستراتيجى يمكن الاستفادة من تحويلاتهم، مضيفا أن زيادة معدل التحويلات من العاملين بدول الخليج والدول الأوروبية سيدعم الاحتياطى النقدى الذى يعانى من الاضطراب بسبب عجز الميزان التجارى، وتراجع إيرادات العديد من النشاطات الأساسية مثل السياحة. وتوقع عبد الفتاح أن تشهد معدلات التحويل ارتفاعا مستمرا، خاصة أن الدولة بدأت تنظر إلى المصريين فى الخارج، وقامت بطرح أراضٍ لهم وشهادات ادخار بالعملة الصعبة. وأضاف أن زيادة التحويلات سينعكس تأثيره على قيمة الجنيه المصرى المتوقع انخفاضه بدرجة كبيرة نتيجة الضغط المستمر عليه؛ بسبب زيادة الطلب على العملة الصعبة، وانخفاض معدل السيولة النقدية. وتابع: إن الجنيه المصرى سيتعافى مرة أخرى أمام العملات، خصوصا بعد تراجع معدلات الضغط عليه، بعدما تتوفر السيولة الأجنبية بسعر مناسب للجنيه المصرى. وأرجع عبد الفتاح ارتفاع العائد من التحويلات إلى زيادة مرتبات العاملين بالخارج؛ حيث أعلنت أكثر من دولة عن ارتقاع أجور العمال والموظفين بنسبة 100%، موضحا أنه من الطبيعى أن تشهد أجور المتعاقدين ارتفاعا بنسبة ساهمت فى ارتفاع قيمة عوائدها. من جانبه، قال أحمد سليم -الخبير المصرفى-: إن تحويلات المصريين فى الخارج تعتبر من أهم مصادر تدفق العملات الأجنبية، وهذا ما يظهر خلال شهور الصيف؛ بسبب عودة العاملين بالخارج لقضاء إجازاتهم وشراء العقارات فضلا عن السلع المعمرة. وأكد سليم أن هذا كله سيصب فى مصلحة الاحتياطى النقدى والاقتصاد المصرى فى المستقبل القريب. واقترح عددا من الخطوات والآليات لربط المصريين بالخارج بوطنهم وزيادة انتمائهم إليه؛ مثل: طرح البنوك لمزيد من الأوعية والشهادات الادخارية بفئات العملات المختلفة التى تتواءم مع قدرات وتنوع الفئات العاملة بالخارج، فالعاملون على سبيل المثال بدول الخليج يختلفون عن الآخرين العاملين بالدول الأوروبية، وكذلك الأمر بالنسبة للعاملين بدول شمال إفريقيا. تعزيز المراكز المالية للبنوك وأكد سليم أن المبادرة ستعزز من المراكز المالية للبنوك المحلية ورفع ملاءتها المالية، لا سيما فى ظل دخول أموال كبيرة فى شكل ودائع يمكن استثمارها فى العديد من المشاريع التنموية. وأشار إلى أن طرح الأراضى للمصريين العاملين بالخارج كان بمثابة خطوة على هذا الطريق فى جلب تدفقات نقدية وسيولة للاقتصاد المحلى، مشددا على ضرورة أن يكون هناك اهتمام من مؤسسة الرئاسة بالترويج لهذه المبادرات خارجيا. وأضاف أن زيادة حجم الإيرادات من العملات الأجنبية من خلال العاملين بالخارج سيساهم فى خفض عجز الموازنة العامة للدولة من جانب، وجذب الاستثمارات لإنشاء مشروعات جديدة، وتوفير فرص عمل للقضاء على البطالة. ولفت إلى ضرورة تبنى الحكومة خطة استثمارية تحتوى على الفرص المتاحة؛ لجذب وربط المصريين بالخارج، وبصفة خاصة فى المشروعات الصناعية. وأكد أن هذا الاتجاه سيدفع رجال الأعمال المصريين وغيرهم من العاملين بالخارج إلى ضخ ما لديهم من مدخرات للاستثمار فى مصر فى ظل الأزمات الاقتصادية التى تعانى منها دول الاتحاد الأوروبى والولاياتالمتحدة والتحفظ فى الاستثمار بها حاليا. أوعية ادخارية متنوعة وفى السياق نفسه، أكد حمدى عبد العظيم -الخبير الاقتصادى- أن نجاح أية مبادرات لجذب مدخرات وودائع العاملين بالخارج، تشترط العمل على إطلاق منتجات تجزئة مصرفية وأوعية ادخارية جديدة تتواءم مع قدراتهم. وطالب عبد العظيم بضرورة أن تتمتع هذه المنتجات المصرفية بخصائص جديدة لجذب الودائع، مع تفادى الأخطاء التى كشفت عنها الشهادات والأوعية التى تم إطلاقها مؤخرا، وربطها بمعدلات زمنية تتناسب مع طريقة تقاضى المصريين بالخارج لرواتبهم. وأشار إلى أهمية مراعاة الخطط الرامية إلى جذب ودائع المصريين بالخارج أن هناك قنوات غير رسمية لتحويل جزء كبير منها، عبر إرسال مبالغ نقدية مع الأصدقاء خلال نزولهم فى إجازات أو خلال اصطحاب الكثيرين لجانب من التحويلات خلال عودتهم، وهى المبالغ التى لا تتضمنها البيانات الرسمية للتحويلات. وأضاف أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج تعد من أهم الموارد الأكثر إفادة للمصريين من بين موارد النقد الأجنبى؛ حيث إن موارد النقد الأجنبى تحتاج إلى تكلفة للحصول عليها، بينما تحويلات المصريين العاملين بالخارج لا تكلف الاقتصاد المحلى شيئا. وأكد ضرورة النظر إلى تجارب الدول المصدرة للعمالة، مثل الهند والفلبين التى تؤسس مشروعات قومية يتم استثمار أموال أبنائها العاملين بالخارج بدلا من تركها عرضة للضياع فى الصرف على الجوانب الاستهلاكية مثلما يحدث فى مصر. وطالب عبد العظيم بالاستفادة بما قامت به الجاليات المصرية بالخارج عقب الثورة، بالدعوة إلى دعم الاقتصاد، وزيادة الودائع بالبنوك المحلية بالنقد لمنع تآكل احتياطات النقد الأجنبى. وشدد على أن إيداعاتهم بالبنوك المحلية يمكن أن تحسن موقف الاحتياطيات، لا سيما مع وجود عجز بالموازنة وصعوبات فى الاقتراض من الداخل والخارج. وأشار إلى أن المصريين بالخارج أعربوا عن استعدادهم لشراء صكوك التمويل المصرية لسد عجز الموازنة، وشراء أراض بما يحقق موارد للحكومة خاصة مع تراجع السياحة. وأوضح أن الدراسات تؤكد أن 74% من المصريين المهاجرين موجودون بالخارج بهدف العمل، وذلك فى الدول العربية مثل: ليبيا، والسعودية، والأردن، والكويت، بينما هاجر 26% بشكل دائم إلى دول أخرى ك: الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكندا، وإنجلترا، وإيطاليا. وأضاف أن نمو التحويلات سيسهم أيضا فى تحريك الأسواق المحلية فى ظل حالة الركود التى تعانى منها حاليا، باعتبار أنها تساهم بشكل فاعل فى دوران حركة رأس المال. تحسين الملاءة المالية للدولة وفى هذا السياق، أكد الدكتور جميل جورجى -خبير الاقتصاد- أن الوقت الحالى يعد الأمثل للاتجاه إلى مثل هذه المبادرات، خاصة فى ظل الظروف التى يمر بها الاقتصاد المحلى، التى تتطلب تكاتف الجميع حتى نتمكن من دعمه. وأشار جورجى إلى أن المصريين المقيمين بالخارج يمثلون كتلة كبيرة، والأموال الخاصة بهم التى يتم تحويلها كانت تمثل أهمية كبرى فى تحسين الملاءة المالية للدولة، وأن الحكومة كانت تعتمد عليها بشكل كبير. وأوضح أن هناك العديد من المصريين المقيمين فى الخارج الذين يمتلكون مشروعات استثمارية فى البلاد التى يعيشون فيها، مشيرا إلى أن تلك المشروعات يمكن استغلالها من خلال إقامة منافذ لها أو خطوط إنتاج تابعة لها فى مصر بما يفتح المجال أمام المنتج الخاص به ولتحريك الأسواق من جانب آخر. وأضاف أن تحويلات المصريين الدولارية تعد من الموارد المهمة، وأحد المصادر الأساسية للنقد الأجنبى، وتساهم فى توفير سيولة أجنبية فى الاقتصاد المصرى، كما أن هذه التحويلات تساهم فى تقليل العجز فى الميزان التجارى. وتابع أنه يمكن للجهاز المصرفى من خلال تشكيلة المنتجات الموجودة لديه جذب المزيد من هذه التحويلات وتوجيهها فى مشروعات رأسمالية صناعية، موضحا أن هناك اتجاها آخر يكمن فى إمكانية المشاركة فى المشروعات التنموية والاستثمارية لتوفير المزيد من فرص العمل وتحسين المناخ الاستثمارى. مشاركة بلا شروط ومن جانبه، طالب د. مختار الشريف -الخبير الاقتصادى- بضرورة عدم وضع أى شروط مالية لمشاركة المصريين فى الخارج فى أى مباردة، مشيرا إلى ضرورة ألا يتم اشتراط أن يكون الحد الدنى للمساهمة ألف دولار، وإنما بأى مبالغ ولو حتى بدولار واحد. وقال الشريف: إن عدد المصريين فى الخارج لا يقل عن 6 ملايين مواطن فى مختلف دول الخليج والدول الأوروبية؛ لذلك يجب استغلال هذه الكتلة الكبيرة القادرة على تحقيق الأهداف الاقتصادية التى نرجوها. وأوضح أن الجهاز المصرفى يعتمد فى سياسته الاستثمارية على تقليل نسبة المخاطرة إلى أقل نسبة ممكنة، وأن الوضع الاقتصادى فى مصر مر بالعديد من الاضطرابات خلال الفترة الماضية، مما يؤكد حاجته إلى المصريين بالخارج، ومن ناحية أخرى فإن الاقتصاد المصرى لديه فرص واعدة وجيدة للمصريين وللمستثمرين بصفة عامة. ليست منحا أو مساعدات وأشار الشريف إلى أن هذه المبادرة تحتاج إلى عمل حملات توعية للمصريين بالخارج، بأن أموالهم لن يتم المساس بها، وأنها ستكون فى هيئة ودائع وليست منحا أو مساعدات منهم، إلى جانب فتح قنوات اتصال بين الحكومة والمواطنين لتسهيل مهمة تطبيق المبادرة. وأكد أن تحويلات المصريين من الخارج تحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث فيما يتعلق بطبيعة المصريين فى الخارج من ناحية المهن والعمل ومصادر الموارد النقدية.