بعد أيام من استبعاد الدكتور محمد منير مجاهد ، مستشار هيئة الطاقة النووية، والمسؤول عن ملف المحطة النووية في الضبعة، من العمل، لأسباب أمنية، أعلنت وزارة الكهرباء وهيئة الطاقة النووية فسخ عقد عمل الدكتور إبراهيم العسيري وكيل وزارة الكهرباء والمتحدث باسم هيئة المحطات النووية، والاستغناء عنه. بينما اعتبر العسيري القرار بمثابة عقوبة له على تصريحات صحفية تناقلتها عنه وسائل إعلام مصرية في وقت سابق، تحدث خلالها عن عدم توقيع قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي أية اتفاقات نووية مع روسيا، خلال زيارته لموسكو الأسبوع الماضي، رغم تهليل الإعلام المصري للزيارة واعتبارها فتحًا نوويًّا لمصر، وان روسيا ستبدأ في إقامة محطة نووية بالضبعة لتوليد الكهرباء، خلال أيام قليلة. ونفى العسيري، كبير المفتشين السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في وقت سابق، توقيع أي عقد لإنشاء المحطة النووية في الضبعة، بالتعاون مع الجانب الروسي أثناء زيارة السيسي لموسكو الأسبوع الماضي. من ناحية أخرى، أصدرت وزارة الكهرباء بيانًا إعلاميًا مشتركًا مع هيئة الطاقة النووية، اليوم الأربعاء، قالت فيه إن "مجاهد" و"العسيري" لم يتم استبعادهما من العمل، وأن عقودهما الموقعة مع الوزارة والهيئة قد انتهت، ولم يتم التجديد لهما، وبالتالي لا توجد أي شبهة تعنت ضدهما، على حد وصف البيان. كان قرار إقالة محمد منير مجاهد، نائب رئيس هيئة المحطات النووية للدراسات والشؤون النووية، ومدير موقع "الضبعة"، قد أثار غضبًا سياسيًا واسعًا في الأوساط المصرية. واعتبر عدد من الأحزاب والسياسيين والشخصيات العلمية القرار ردة عن الثورة، يضع مصداقية النظام الحاكم على المحك. وأعلن أكثر من 8 أحزاب ومنظمات و57 شخصية عامة عن تضامنهم مع مجاهد، في طلبه إجراء تحقيق في واقعة استبعاده من العمل كمستشار للبرنامج النووي لدواعٍ أمنية. وكان مجاهد قد أرسل مذكرة إلى رئاسة الجمهورية وبعض الجهات الحكومية مستنكرا إقالته، وتم الرد عليه بأنه "تم استبعاده بناءً على أوامر جهات سيادية، لوجود تحفظات أمنية على شخصه". وطالب البيان الموقّع من الأحزاب السياسية والشخصيات العامة، بإعادة الاعتبار للعالم مجاهد، مشددين على ضرورة التحقيق مع رئيس هيئة المحطات النووية، الذي أصدر قرار الإبعاد. كما استنكر التراجع الكبير الذي تشهده مصر في مجالات الحريات العامة ومقتضيات الشفافية واحترام الدستور، بما ينذر بعواقب وخيمة يتحمل تبعاتها النظام بأكمله. ارتباك نووي وتطبيل إعلامي يذكر أن ملف الطاقة النووية يشهد ارتباكا وتخبطا غير مسبوق لأسباب سياسية وإدارية؛ حيث يحتفي الإعلام الرسمي للدولة وإعلام رجال الأعمال باتفاق نووي مع روسيا لبناء مفاعلات نووية لأغراض توليد الطاقة الكهربائية في الضبعة بالصحراء الغربية. وقالت جريدة اليوم السابع في مانشيتها الرئيسي: إن "مصر دخلت العصر النووي"، أما جريدة الأهرام الرسمية قالت إن السيسى وقع عقد محطة الطاقة النووية في موسكو، أما جريدة الوطن المقربة من النظام، فقد أكدت في صدر صفحتها الأولى أن السيسي أدخل مصر العصر النووي من أوسع أبوابه. بينما خصصت فيه برامج التوك شو، ساعات طويلة للحديث حول الاتفاق التاريخي بين مصر وروسيا، وبناء المفاعل النووي المصري في الضبعة. وعلى عكس ذلك، أعلن وزير الكهرباء الانقلابي محمد شاكر، من العاصمة الروسية موسكو،آنذاك، أنه لا داعي للاستعجال حيال الأمر، فالموضوع ما زال في طور الدراسة. بل ظلت تصريحات المسؤولين المصريين متضاربة طوال أيام زيارة السيسي لروسيا. وزير الكهرباء، المسؤول الحكومي الرسمي عن ملف الضبعة النووي، لم يكن له أي تصريح واضح حول المحطة ، في الوقت الذي أكد فيه أن الوقت ما زال مبكرًا على رسم ملامح نهائية للمحطة النووية في الضبعة. أما الدكتور إبراهيم العسيري المتحدث باسم هيئة الطاقة النووية، آنذاك فأكد بشكل صريح وواضح لعدد من وسائل الإعلام، أن الشركة الروسية "روزاتوم" التي تقدمت أوائل العام الماضي لبناء مفاعل نووي مصري لأغراض توليد الكهرباء، سيتم دراسة موقفها بجانب عدة شركات أخرى، من الصين وكوريا الجنوبية، وفرنسا. وأن مشروع الضبعة لن ينتج أية ميجا وات من الكهرباء قبل الفترة من 4 إلى 7 سنوات. يذكر أن البرنامج النووي بدأ في ستينيات القرن العشرين في مصر؛ حيث تمتلك مصر مفاعلين نووين: الأول لأغراض بحثية في أنشاص، بقوة توليد 2ميجاوات، بُني عام 1961، والثاني بنته الأرجنتين عام 1997، بقوة 22 ميجاوات. وشهد العام 2010، استقالة صلاح المرشدي مدير مفاعل أنشاص الأول وعادل عليان مدير الصيانة، وفي استقالة الأول، التي نشرتها صحيفة "المصري اليوم" وقتها، أشار إلى "الأوضاع المتدهورة" التي عليها المفاعل الأول، بالإضافة إلى وجود "منظومة فساد" في المفاعل الأرجنتيني الثاني. وفي العام 2012، تعرض موقع محطة الطاقة النووية المُعتزم إنشاؤها في الضبعة، لسرقة مصادر مُشعة من خزانة بالموقع أثناء مظاهرة احتجاجية على إنشاء المحطة النووية بهذا الموقع، أكد وقتها حسن يونس وزير الكهرباء أن المواد المسروقة منخفضة الإشعاع ولا تُشكل خطورة على البيئة. وبعد فترة وجيزة نشب حريق خارج مفاعل أنشاص وتم احتواؤه قبل أن يمتد إلى المفاعل نفسه. وخلفت الحادثتان وراءهما تساؤلات عن إجراءات الأمان والصيانة بالمفاعلات النووية. فيما يشير خبراء أن حكومة الانقلاب تولي اهتمامًا قويًا بالطاقة البديلة حاليًا، وأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، هما النوعان المفضلان للدولة، نظرًا لرخص تكلفتهما المالية والسياسية. وعلى ما يبدو أن الإرادة السياسية تراجعت مع اعتلاء السيسي سدة الحكم بالانقلاب على مرسي، في مواجهة اللاءات الأمريكية والإسرائيلية، التي أسفرت عن وجهها الحقيقي بتصريحات أمس، بأنه على السيسي الكف عن أي حديث عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، في إشارة غير مباشرة للأحاديث الإعلامية المصرية عن مشروعات الضبعة النووية ، التي تحولت لبيض الصعو، نسمع عنها ولا نراها، بحسب المثل الخليجي!!.