1000منطقة عشوائية على مستوى الجمهورية منها 27 غير آمنة • السكان يعانون الإحباط وفقدان الأمل فى الإصلاح.. ويعتبرون الشرطة عدوهم الأول • ملاحقة البلطجية داخل العشوائيات "مهمة صعبة".. وأوكارهم تتزايد • خبراء: القمع الأمنى "فاشل".. والبديل إستراتيجية طويلة المدى تشارك فيها "الإسكان والتنمية المحلية والمرافق والداخلية " أصابع الاتهام تشير إليها عند الحديث عن ظاهرة البلطجة، ورغم تعدد الجهات الحكومية التى يدخل ضمن مسئولياتها تطوير العشوائيات، وتعاقب الحكومات صاحبة الخطط طويلة وقصيرة الأجل لحل المشكلة، إلا أن القضية لم تشهد أى حلول ملموسة إلى الآن، بل زادت أوضاعها سوءا كما زاد أعداد تلك المناطق بشكل ملموس بعد الثورة. وقد كشف تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والتقرير السنوى للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، عن أن مصر تأتى تحت مظلة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة؛ حيث يوجد بها أكثر من 1000 منطقة عشوائية، على مستوى الجمهورية، منها 185 منطقة عشوائية حول القاهرة، يقطنها نحو 3 ملايين مواطن، منها 27 منطقة فى أماكن خطرة تنذر بكارثة، مثل كارثة الدويقة 2008، فيما تشير مضابط مجلس الشعب إلى أن 5% فقط من هذه العشوائيات هو ما تمّ تهذيبه! الأمر أصبح ينذر بخطر حقيقى على الأمن العام للبلاد؛ نظرا لكون هذه العشوائيات تمثل بيئة خصبة تنمو فيها أوكار الجريمة من بلطجة وإرهاب واتجار وتهريب للأسلحة والمخدرات، فضلا على كونها أداة لتفريخ البلطجية والخارجين على القانون، الذين لعبوا دور البطولة فى الفترة الماضية من سرقة بالإكراه وبلطجة وترويع للآمنين. بؤر إجرامية فى البداية، تصف الدكتورة حنان أبو سكين -أستاذ مساعد العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وأحد المشاركين فى سلسلة الأبحاث التى أعدها المركز عن العشوائيات- قضيةَ العشوائيات بأنها الأكثر تهديدا لأمن المجتمع واستقراره، ليس فقط الأمن بمعناه الضيق، وهو أمن الأفراد والمنشآت، وإنما الأمن بمعناه العام، وهو الأمن القومى للبلاد، نظرا لكونها مناطق موبوءة وبؤرا إجرامية ومرتعا خصْبا لتجارة وتهريب السلاح والمخدرات، فضلا على أن أغلب قاطنيها يفتقدون الشعور بالولاء والانتماء للوطن، نظرا لما عانوا منه ولا يزالون من شعور بالظلم والتهميش، ومن ثم تكون قابليتهم لارتكاب الجريمة كبيرة، وهو ما يجعلهم مصدرا للخطر. وأكدت أبو سكين أن من أهم سماتهم إعلاء المصلحة الخاصة فوق أى مصلحة أخرى حتى لو كانت مصلحة الوطن؛ حيث إن فساد النظام البائد كان أحد أهم الأسباب التى كرّست لديهم هذه القيم السلبية، فبجانب تهميشه لهم كان أيضا يقوم باستغلالهم ككتل تصويتية من خلال شراء الأصوات فى مواسم الانتخابات؛ حيث يكون لكل منطقة تسعيرتها الخاصة، وهو ما تعودوا عليه وأصبحوا لا يقبلون التصويت بلا مقابل. يشترك فى ذلك الأمر الرجال والنساء؛ نظرا لحالة العوز والفقر التى يعانى منها السواد الأعظم منهم، كما أن لديهم شعورا عاما بالإحباط؛ حيث لا يأملون أن يتغير واقعهم، ويعتبرون ذلك دربا من الخيال، وهو ما جعل العشوائية بالنسبة لهم مسكنا وسلوكا، فكثير منهم لا يهتم باستخراج شهادات ميلاد أو بطاقات لأبنائه؛ خشية أن يلتحقوا بالخدمة العسكرية؛ حيث يعتبرون إسقاطهم من حسابات الدولة هو أمر يصب فى مصلحتهم ويحميهم من قمع الشرطة، والخطير أن لديهم ثقافة عدائية ضد رجال الشرطة بالتحديد إلى درجة أنهم يعتبرون أن الاعتداء على رجل الشرطة أو حتى قتله مصدرا للفخر لهم، ويصفون من يقوم بهذا السلوك ب"الجدعنة"!. جزر منعزلة وأضافت أبو سكين أن هناك أمورا كثيرة تعيق جهود التخلص من العشوائيات، أبرزها السكان أنفسهم؛ حيث إن عددا ليس بالقليل منهم -على الرغم من معاناتهم من الوجود فى هذه الأماكن- ليس لديهم الرغبة فى النزوح منها؛ وذلك لأنهم حين يعقدون مقارنة بين المنطقة العشوائية التى يسكنون فيه والأخرى التى سينتقلون إليها، فيجدون أن العشوائيات أفضل من حيث ملاءمتها لإمكاناتهم المادية، ففيها لا يدفعون إيجارا أو خدمات؛ حيث إن جميع الخدمات (مياه وكهرباء) عبارة عن "وصلات غير شرعية" لا تكلفهم شيئا، فضلا على أن كثيرا منهم لديهم ورش بجوار العشش التى يسكنون فيها، ومن ثم كل هذه الأمور تجعلهم لا يرغبون فى الخروج من العشوائيات تساندهم فى ذلك فئة أخرى من سكان العشوائيات، وهم فئة المجرمين والبلطجية، الذين اتخذوا من هذه المناطق وكرا لهم ليبتعدوا عن عيون رجال الأمن، وهم من يشكلون الخطر الأكبر. وأكدت أن رفض سكان العشوائيات يمثل أهم عوائق حل المشكلة، خاصة أنه كلما تم إخراجهم يعودون مرة أخرى، ومما يزيد الأمور تعقيدا هو أن هناك أفرادا من المجتمع غير الأمناء ليسوا من سكان العشوائيات، ولكنهم بمجرد أن يتطرق إلى أذهانهم إلى أن هناك إزالة لإحدى المناطق العشوائية، وإعطاء السكان بها شققا بديلة يسارعون إلى تلك المناطق، ويدعون أنهم من سكانها؛ لينالوا حظا من هذه المساكن على الرغم من عدم استحقاقهم لها، وهو ما يزيد العبء على الدولة؛ حيث إن غياب أى جهة تنظيمية لهذه الأماكن وتحديد سكانها يفتح الباب على مصراعيه أمام أعمال الاحتيال. وشددت أبو سكين على ضرورة أن تتصدر قضية العشوائيات فى المرحلة المقبلة قائمة اهتمام القيادة السياسية؛ لما لها من علاقة مباشرة بتحقيق الأمن العام، خاصة البؤر الحرجة، التى تتواجد فى أماكن خطرة كالجبال وغيرها؛ لأن استمرار وجودها ينذر بكارثة ككارثة الدويقة، ويضاف إلى ذلك أن أخطر المجرمين والخارجين على القانون يسكنون هذه الأماكن، التى يصعب فيها حتى ملاحقتهم أمنيا؛ نظرا للطبيعة الجغرافية المعقدة فى هذه المنطقة، التى لا يعرف ألغازها إلا المجرمون القاطنون فيها، وهو ما يجعل عمل رجال الأمن فى هذه الأماكن مغامرة غير محسوبة العواقب، ومن ثم الأمر يحتاج إلى خطوات محسوبة ومحسومة فى المرحلة القادمة. عمل استثمارى من جهته، أكد محمد زارع -رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى- أن أهم أسباب التوسع فى ظاهرة العشوائيات فى مصر هو غياب دور الدولة فى رعاية الفقراء، ليس فقط فى عهد النظام السابق، وإنما منذ السبعينيات، ومن ثم زادت معاناة هؤلاء الفقراء، وزاد حالهم ضيقا وبؤسا، مما اضطرهم للقبول بالعيش فى أماكن بلا خدمات، مشيرا إلى أنه من باب الظلم وصم كل من يعيش فى العشوائيات بالمجرمين والبلطجية. وأوضح زارع أن العدد الأكبر منهم فقراء، دفعتهم حالة العوز والفقر إلى سكن هذه المناطق، ولكن الخطر الحقيقى يتمثل فى أن كثيرا من الخارجين على القانون يجدون فى هذه المناطق مميزات لا تتوفر فى غيرها؛ حيث يمارسون نشاطهم الإجرامى من تهريب وتجارة سلاح ومخدرات بحرية أكثر من ممارستها فى أى منطقة أخرى بعيدا عن قبضة رجال الأمن؛ حيث يجد رجال الأمن صعوبة كبيرة فى ملاحقة المجرمين فى هذه المناطق؛ نظرا لصعوبة تسللها وعدم القدرة على تحديد معالمها، كما أن كثيرا من سكان العشوائيات لا يوجد لديهم أوراق إثبات شخصية مما يصعب المهمة فى القبض عليهم. وتابع قائلا: إذا كنا بصدد فتح صفحة جديدة فلا بد أن يتغير فى البداية هذا الفكر القمعى فى علاج هذه المشكلة من خلال توفير أماكن بديلة، مؤكدا أن هذا الأمر إذا كان يبدو للجهات المنوط بها تنفيذه بأنه مكلف، ويتطلب ميزانية كبيرة، فلا بد من التأكيد على أنه فى المقابل من الممكن أن يكون عملا استثماريا من الممكن أن يعود بالنفع على الاقتصاد القومى، شريطة أن تكون هناك خطة حقيقية ذات أبعاد مختلفة لرصد هذه الأماكن، ووضع التصورات المختلفة لتحويلها إلى مشروعات استثمارية؛ حيث أصبحت فى الآونة الأخيرة لا توجد منطقة لا تخلو من العشوائيات حتى فى المناطق الراقية، مثل المعادى، وفيها ثمن المتر غال ومرتفع، ومن ثم استعادة هذه المناطق يمثل فائدة كبيرة للدولة ليس فقط من الناحية الاقتصادية وإنما أيضا من الناحية الأمنية. أطفال الشوارع ناصر عباس -أمين سر لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس الشعب السابق- قال: إن أول الخطوات العملية للتخلص من ظاهرة المناطق العشوائية، هو أن يتجاوز المسئولون التصريحات النظرية والخطط طويلة الأمد التى لم ينفذ منها شىء على أرض الواقع إلى خطوات أكثر عملية يكون لها ثمار على أرض الواقع. وأوضح عباس أن مشكلة العشوائيات، كما تحتاج إلى وقت لحلها، فإنها تحتاج أيضا إلى إستراتيجية حقيقية وجهود مخلصة تشترك فيها كافة الجهات المعنية، مثل وزارة الإسكان والتنمية المحلية والمرافق، كما تجدر الإشارة إلى أهمية دور المبادرات الأهلية من جانب منظمات المجتمع المدنى فى مجال تطوير المناطق العشوائية، ويضاف إلى ذلك ضرورة وجود تشريعات قوية من شأنها التصدى الرادع للظاهرة.