استغل قائد الانقلاب الدموي عبد الفتاح السيىسي العلماء والشيوخ والمكانة التي يتبوؤها في نفوس الناس في تحقيق أهدافها في القمع والاستبداد، من خلال وسائل الإعلام. فكانوا أول مَنْ أيدوا الانقلاب العسكري، بل هم مَن أسهموا في حدوثه، فمنهم من أفتى بإهدار دماء الأبرياء وقتل المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ومنهم من قام بتأليه بعض الحكام، وإنزال بعض الوزراء منزلة الأنبياء والمرسلين. تكمن خطورة هؤلاء العلماء الذين يُطلق عليهم "علماء السلطان" أو "شيوخ السلطة" في أنهم يبثون سمومهم ويشعلون الفتن ويزهقون الأرواح بكلمات تخرج من أفواههم، هدفهم الأسمى إرضاء السلطة الحاكمة ليتقربوا إليها ويغتنموا من المناصب ما يشاءون، وربما يرفعوا هؤلاء الحكام إلي مصاف الأنبياء، ولا مانع لديهم من إخراج معارضي السلطة من الملة إنْ هي اعترضت أو تمردت. يستعمل هؤلاء الشيوخ العلم الشرعى لديهم بشكل أو بآخر لخدمة مصالح السلطة حتى وإن كان هذا لا يتماشى مع أخلاقيات ذلك العلم أو مع النصوص الشرعية، ويقومون بليّ أعناق النصوص لتناسب مصالح حكامهم ومَنْ فوقهم. أصدرت جبهة علماء ضد الانقلاب بيانًا في وقت سابق (منذ حوالي عام تقريبا) تؤكد فيه للشعب المصري أنه لا يجوز شرعًا الأخذ عن أولئك العلماء ومقاطعتهم، وعدم استفتاؤهم في أي أمر يتعلق بالشريعة حتى يتوبوا إلى الله، ويعلنوا الحق أمام الجميع؛ لأنهم أسقطوا عن أنفسهم وصف العلماء والدعاة، وكانوا كأعوان فرعون من السحرة، من الذين زينوا الباطل باسم الدين، وصوروا للجمهور الواقعَ على غير حقيقته، زاعمين أن ما قام به الانقلاب من الكبائر العظمى عمل مشروع بل واجب. أوردت الجبهة قائمة سوداء للعلماء الذين أسهموا بشكلٍ كبير في صناعة الانقلاب ومؤازرته. هذه القائمة ضمت 15 عالما وداعية؛ وهم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الدكتور علي جمعة مفتي مصر السابق، الدكتور مختار جمعة وزير أوقاف الانقلاب، والدكتورأحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور عبد الله النجار أستاذ القانون بجامعة الأزهر، الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذا لفقه المقارن بجامعة الأزهر ،الدكتور شوقي علام مفتي مصر الحالي، أسامة القوصي داعية، مظهر شاهين خطيب مسجد عمر مكرم، الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر،الطبيب ياسر برهامي ودعاة حزب النور، محمد سعيد رسلان الداعية المتسلف، الدكتور عمرو خالد واعظ، خالد الجندي واعظ. ونستعرض في هذا التقرير مواقف "علماء السلطة" والتفاني في تصريحاتهم لإرضاء السلطة: سر على بركة الله خرج علينا الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، أمس الأول بتصريحاته التى يقدم فيها الشكر للسيسى قائلًا: "نتوجه بالشكر إلى قائد المسيرة رئيس الجمهورية، على ما أتحف به الطرق الصوفية والسادة العلماء، بتكريم شيخ مشايخ الطرق الصوفية ونقيب الأشراف". وتابع "شكر الله لك يا سيادة الرئيس، رسالة نبعثها إليك من هنا من جوار حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونقول له سر على بركة الله وخذ بما أمرك به الله، واعلم أن من كان مع الله أيده الله، فاللهم أيدنا بمدد من عندك، وأيد مصرنا يا عزيز يا غفار واجلعها آمنة مطمئنة". اضرب في المليان أما مفتى الديار المصرية السابق الدكتور علي جمعة، فقد تمادى في تأييده لسلطة الانقلاب بل حرض على قتل مؤيدي الشرعية، حيث تداول نشطاء مقاطع فيديو لكلمة ألقاها بحضور قائد الانقلاب العسكري، ووزير داخليته محمد إبراهيم، دعا فيها لإطلاق النار على المتظاهرين المؤيدين للرئيس محمد مرسي، الذي قال إنّ شرعيته سقطت لأنّه يعتبر -حسب قوله- إمامًا محجورًا عليه بسبب اعتقاله. وخاطب الحاضرين -الذين كان من بينهم عدد من قيادات الشرطة والجيش- بالقول إنّ الرؤى قد تواترت بأنّهم مؤيّدون من قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وطالبهم باستخدام القوة وبعدم التضحية بجنودهم من أجل من سمّاهم الخوارج، قائلا: "لقد تواترت الرؤى بتأييدكم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبل أولياء الله عندما رأيت صور مسجد الفتح بالأمس فالزبالة والنجاسة والرعب الذي كانوا فيه وكأنّ الله أنزلها في أولئك. هناك مسجد حرًقه رسول الله لماذا لأنّه لا يريد هذه اللواعة ولا هذا المكر ولا هذا الإثم في الظاهر والفساد في الباطن، ولذلك سمي الخوارج بكلاب النار مع صلاتهم وصيامهم وقرآنهم". وقال جمعة "اضرب في المليان، وإياك أن تضحّي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء الخوارج، فطوبى لمن قتلهم وقتلوه، فمن قتلهم كان أولى بالله منهم، بل إننّا يجب أن نطهّر مدينتنا ومصرنا من هذه الأوباش، فإنّهم لا يستحقّون مصريتنا ونحن نصاب بالعار منهم، ويجب أن نتبرّأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب". وأضاف "ناس نتنة ريحتهم وحشة في الظاهر والباطن، والنبي صلى الله عليه وسلم حذّرنا من هذا.. يقولون الشرعية فأيّ شرعية والإمام المحجور في الفقه الإسلامي ذهبت شرعيته، فهذا الإمام محجور عليه يعني معتقل، والمصيبة أنّ أمره قد ذهب إلى القضاء فسقطت شرعيته إن كانت قد بقيت له شبهة شرعية، وهو لم تبق له شبهة شرعية". استخدام القوة بالنسبة للداعية عمرو خالد فقد أعلن تأييدة بقوة للانقلاب العسكري، وهذا ما أظهره فيديو تداوله النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهو يدعم فيه الجنود لاستخدام القوة، ويوضح لهم دورهم في الجيش المصري؛ حيث كان يقول إن طاعة الأوامر العسكرية هي لله وليس للقائد. وفي المسرحية الهزلية المسماه بالانتخابات الرئاسية أعلن عمرو خالد عن تأييده ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية مبررًا ذلك محاولة دعم الاستقرار بالبلاد بجانب إنهاء حالة الاحتقان بالبلاد، وانتشرت صوره في أثناء الإدلاء بصوته في الاستفتاء على دستور الانقلاب الذى صوت عليه بنعم. رسولان وفى فُجر لم نرَ قبله وصف سعد الدين الهلالي -أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- عبد الفتاح السيسي، واللواء محمد إبراهيم وزير داخليته، بالرسل الذين بعثهم الله كما بعث غيرهم، "موسى وهارون" عليهما السلام، لحماية الدين. وقال الهلالي -في كلمة ألقاها باحتفالية تكريم أسر شهداء الشرطة-: "ابتعث الله رجلين، كما ابتعث وأرسل من قبل موسى وهارون، وأرسل رجلين ما كان لأحد من المصريين أن يتخيل أن هؤلاء من رسل الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو، خرج السيسي ومحمد إبراهيم". الطيب موقف شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب معروف منذ بداية الانقلاب، فقد ظهر بجوار السيسي وقت إعلان الانقلاب العسكري، وإلى الآن يسخر منصبه في مداهنة الانقلاب ومحاربة كافة المعارضين. ليس غريبًا أن تخرج جامعة الأزهر ببيان تؤكد فيه أنها ستجدد خطابها الديني وفقا لتوجيهات السيسي. الطعن في الجيش لم يكن الدكتور أحمد كريمة -أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر- بمنأى عما يقوم به "علماء السلطة"، فقد قال عقب الانقلاب العسكري أن أي طعن في الجيش المصري طعن في النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه هو الذى ذكاهم بنفسه، وقال إنهم خير أجناد الأرض، ولم يذكر أي جيش آخر. ودافع كريمة عن القوات المسلحة قائًلا، "الجيش المصرى لم يعتد على المسجد ولا المصلين، وأقول لهم اتقوا الله فى سمعة بلدكم وجيشكم، ولم تلتقط صورة واحدة لأى اشتباكات مع الحرس الجمهورى. وتابع: "ما فعلته القوات المسلحة في 30 يونيو يضاف إلى سجلها الناصع على مدى تاريخها، وعلق فضيلة الشيخ أحمد كريمة على كلمة شيخ الأزهر بمناسبة دعوة عبد الفتاح السيسى للتفويض قائلا: إن تأييد شيخ الأزهر لهذه الدعوة قرار سليم، وما قاله كلام علمي، يجب أن يحترم، وهو ثمن موقف القوات المسلحة التى دافعت عن الشعب المصري. دين السيسي إذا كان هذا هو حال العلماء فليس غريبا أن يخرج السيسي في خطابه الخميس الماضي بمناسبة المولد النبوي وأمام شيوخ الأزهر أن يقول "لا يمكن أن يكون هذا الفكر الديني المقدس المتضمن نصوصًا وأفكارًا تم تقديسها من مئات السنين. وأصبح الخروج عليها صعبًا. لدرجة أنها تعادي الدنيا كلها"، مشيرًا إلى الحاجة لوجود ما وصفها ب"ثورة دينية"، مبررًا هجومه على النصوص الدينية بقوله: "إن الأمة تمزق وتدمر وتضيع بأيدينا"، ومن المتوقع أن يصفق له هؤلاء الشيوخ.