«أرى الشهادة قرب ميدان التحرير».. وكأنه صدق ما عاهد الله عليه وخلصت نيته فجاءت مكافأته فى الدنيا ورأى منزلته على أعتاب ميدان الثورة، إنه الشيخ الثائر عماد عفت الذى أمن بالثورة منذ يومها الأول وترسخ تاريخ الأزهر النضالى فى قلبه فتجسد فى عباءه وعمامته ونزل "التحرير" مع رفقاء الميدان من أجل الإطاحة بالطاغية مبارك ومن بعد "22 مبارك" آخرين فى المجلس العسمرى. 16 ديسمبر، تمر الذكرى الثالثة على استشهاد الشيخ الباسم عماد عفت فى أحداث مجلس الوزراء، والتي أرتقى إلى الجنة –ونحسبه من أهلها- فى زفة ضمت قرابة 40 شهيدا؛ على خلفية الزحف العسكرى الغاشم ضد الثوار والمعتصمين -فى التظاهرات المطالبة بتسليم المجلس العسكري للسلطة- قتلا وتعرية وسحلا واعتقالا. ولا يمكنك أن تخطئ الشيخ عماد إذا ما وقعت عينك عليه فى الميدان بوجهه الباسم وكلماته المتفائلة وروحه الواثبة، خاصة وأنه كان شريكا فى كافة الفعاليات الثورية، يسبق الجميع إلى ثغر مواجهة العسكر ويلتف حوله الجموع فى ثوبه الأزهري من أجل شحن بطاريات الثورة وتزكية روح النضال. الشيخ عماد الدين أحمد عفت هو أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الذى اختار على علمه أن ينزل الميدان ثائرا وسط الجموع دون أن يبحث عن منصة يعتليها أو كاميرات يلازمها، وقرر أن يكون فى الصفوف الأمامية بحثا عن شهادة فى سبيل الله من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، وليس بحثا عن شهرة أو أن يعتبره البعض خطيب الثورة أو شيخ المنصة. والشيخ عفت من مواليد الجيزة، في 15 أغسطس 1959، حصل علي ليسانس اللغة العربية من كلية الآداب جامعة عين شمس عام 1991، وليسانس الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف عام 1997. وحرص عفت على استكمال رحلته العلمية، فحصل عن دبلومة الفقه الإسلامي العام من كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر عام 1999، ودبلومة الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة. ومع تفشى دولة الفساد تلقى الشيخ عماد دعوات الزحف فى الميادين المصرية لانتزاع الحرية التى قيدها المخلوع واسترداد الكرامة التى دهسها مبارك وعصابته، بالبشرى وشمر عن ساعديه ونزل بإيمان راسخ مرددا إلى جوار الشباب النقى "الشعب يريد إسقاط النظام". واستكمل مسيرة الثورة مشاركا فى فعالياتها المتلاحقة، واستند إلى ما تعلمه فى الأزهر من أجل الفتوى بتحريم التصويت لفلول الحزب "الوطني" المنحل وجميع أعضائه السابقين في مجلس الشعب، مشددا على أن إعادتهم إلى المشهد يعد تدميرا لمستقبل مصر ونشر الرشاوى والمحسوبيات من جديد وإهدار دماء الشهداء. ومع تنامى الشعور لدى الشباب بممطالة العسكر وتمرير العنف، نزل الشعب من جديد لإنقاذ الثورة من عصابة مبارك ومناهضة عودة زبانية مبارك من الجنزورى وأشباهه، ومطالبة مجلس طنطاوى وعنان والسيسي بتسليم السلطة، إلا أن العسكر كشف عن وجهه الحقيقى فقتل الرجال ولاحق النساء تعرية وسحلا، ليتلقى الشيخ عماد رصاصة قاتلة ويرحل معها فى صمت.
وعن قصة استشهاده روت زوجته نشوى عبد التواب أن زوجها الشهيد، كان واقفًا خلال تظاهرات مجلس الوزراء فى الصفوف الأولى، وشاهده الكثيرون، مشيرةً إلى أنه كان هناك المئات بينهم ضباط ومجندون شاهدون على ما جرى، لكنهم أبوا أن يشهدوا فى التحقيقات، ولم يقل أحد منهم قولة الحق، أو يصف كيف استشهد الشيخ عماد حينها بالميدان.
واستشهد عفت في أحداث مجلس الوزراء، بعد إصابته بطلق ناري، وشُيعت جنازته في يوم السبت 17 ديسمبر 2011 من الجامع الأزهر في القاهرة، بحضور رفقاء الميدان ولفيف من النشطاء والأزاهرة وتلاميذه الطلاب فى مشهد مهيب لازالت تحتفظ به الذاكرة حتى بعد مرور ثلاث سنوات على رحيله.