في الوقت الذي يؤكد فيه دستور الانقلاب لعام 2014 أن المشاركة السياسية حق أصيل لا يجوز تقييده إلا بحكم قضائي، يكشف الواقع عن فجوة عميقة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي، حيث يُحرم آلاف المواطنين من حقهم في التصويت أو الترشح رغم انتهاء العقوبة أو حصولهم على أحكام برد الاعتبار . يُشار إلى أن رد الاعتبار هو زوال آثار الحكم الصادر بالإدانة بقوة القانون، وهو نظام يمنح المحكوم عليه بالعقوبة فرصة لإزالة الأثر في المستقبل، للحكم الذي صدر ضده، فيسترد بذلك اعتباره الذي تأثر بالحكم المذكور، ومن ثم يسترد كافة حقوقه السياسية والمدنية التي منعت عنه مؤقتًا خلال إدانته. وفي الوقت الذي ينص فيه قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014 على حرمان المحكوم عليهم في قضايا الجنايات أو الجرائم المخلة بالشرف من حق الانتخاب والترشح إلى أن يُرد إليهم اعتبارهم غير أن الواقع يكشف عن امتداد آثار الأحكام في القضايا ذات الطابع السياسي إلى ما بعد انتهاء مدة العقوبة، إذ يواجه المفرج عنهم من السجناء السياسيين قيودًا غير معلنة تحول دون إدراج أسمائهم في الجداول الانتخابية أو مشاركتهم في أي استحقاق سياسي، رغم استيفائهم شروط استعادة الحقوق المدنية. وبينما يؤكد دستور الانقلاب في مادته ( 87) أن المشاركة في الحياة السياسية حق أصيل لا يجوز تقييده إلا بنص قانوني، إلا أن الممارسة الفعلية تكشف عن فجوة واضحة بين النصوص الدستورية والتطبيق العملي، خاصة فيما يتعلق بحق المعتقلين والسجناء السياسيين في مباشرة حقوقهم بعد الإفراج عنهم.
ردّ اعتبار
المحامي الحقوقي ممدوح جمال حصل على حكمٍ بردّ الاعتبار القضائي في 20 أبريل 2023، وهو الحكم الذي يُفترض أن يعيد إليه اعتباره كمواطن، ويمنحه كامل الحقوق التي فقدها بسبب إدانته السابقة.. لكنّه فوجئ بعدم تحديث بياناته في الهيئة الوطنية للانتخابات رغم محاولاته المتكررة لتقديم طلب قيد اسمه في الجداول الانتخابية، ما جعله، حتى اليوم، محرومًا من ممارسة حقوقه الدستورية والقانونية في الترشح والانتخاب، في مشهد يلخّص أزمة مستمرة يعيشها آلاف المصريين ممن زالت عنهم أسباب الحرمان السياسي دون أن تُعاد إليهم حقوقهم. فى هذا السياق قال جمال فى تصريحات صحفية : صُدمت بعدم تحديث قاعدة البيانات الخاصة بالهيئة الوطنية للانتخابات، رغم محاولاتي المتكررة لتقديم طلب قيد اسمي في الجداول الانتخابية، ما يجعلني محروما حتى الآن من ممارسة حقوقي القانونية والدستورية سواء في الترشح أو الانتخاب. وأشار إلى أنه خاض تجربة السجن قبل عدة سنوات في القضية المعروفة إعلاميًا ب"أحداث مجلس الشورى". إذ أُلقي القبض عليه عام 2013، وكان حينها في الثامنة عشرة من عمره، ضمن مجموعة كبيرة من المتظاهرين نظموا وقفة احتجاجية أمام مجلس الشورى تحت شعار "لا للمحاكمات العسكرية"، اعتراضًا على إحدى مواد مشروع الدستور التي كانت تُتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وكانت لجنة الخمسين المكلفة بإعداد دستور الانقلاب عقب أحداث 30 يونيو 2013 قد وضعتها. وصدر ضد جمال حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بتهم "التجمهر، والتظاهر دون تصريح، وإعاقة المرور" في أول تطبيق فعلي لقانون التظاهر الصادر في العام نفسه.
دعوى قضائية
وأكد جمال أنه رغم حصوله على عفو في سبتمبر 2015، ظل محرومًا من ممارسة حقه السياسي، ما دفعه إلى رفع دعوى قضائية والحصول على حكم قضائي برد الاعتبار عام 2023، إلا أنه فوجئ أن هذا غير كافٍ لعودة اسمه إلى قاعدة بيانات الناخبين، كمواطن له كافة الحقوق السياسية والمدنية. وأضاف: وفقًا للقانون فإن رد الاعتبار يتم تطبيقه بعد تسليم الحكم إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، لكن الهيئة رفضت تسليمي أي مستند أو رقم يفيد باستلام الطلب، ما اضطرني إلى رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري لإثبات حقي، لكن ممثل الجهة الإدارية طعن على الدعوى بحجة أننى لم أسلك الطريق الصحيح، إذ يفترض، وفقًا لتفسيرها، تقديم الطلب إلى لجنة يشكلها رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل إقامة مقدم الطلب . وتابع جمال : بناءً على هذا التفسير، قررت تقديم الطلب إلى رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل الإقامة، فتوجهت أولًا إلى محكمة جنوبالقاهرة، ثم إلى محكمة جنوبالجيزة. لكن المفاجأة كانت أن موظفي السكرتارية لم يكونوا على دراية بالإجراءات الخاصة بهذا النوع من الطلبات، وكأنهم يتعاملون مع الأمر لأول مرة، مؤكدا أنه لم يجد أي مسئول يمكنه استلام الأوراق أو يشرح له الخطوات المطلوبة، ولم يُسمح له بإثبات تقديم الطلب رسميًا . وشدد على أن الأزمة لا تكمن فقط في التعقيدات الإدارية، بل في غياب اللجنة المنصوص على تشكيلها بموجب المادتين (19) و(20) من قانون مباشرة الحقوق السياسية، وهي اللجنة المختصة بمراجعة القيد في الجداول الانتخابية والنظر في طلبات الحذف أو رد الاعتبار.
الهيئة الوطنية للانتخابات
وقال جمال : بحثنا طويلًا ولم نجد أي قرار صادر من الهيئة الوطنية للانتخابات بتشكيل هذه اللجنة، رغم أن القانون يُلزمها بذلك. وهذا يعني أن المواطنين الذين انتهت أسباب حرمانهم من مباشرة حقوقهم السياسية، سواء بانقضاء العقوبة أو بحكم رد الاعتبار، لا يجدون حتى الآن جهة رسمية يمكنهم التوجه إليها لاستعادة تلك الحقوق، لافتًا إلى أنه بجانب قضيته الشخصية، حصل بصفته محاميًا على حكمين قضائيين آخرين برد الاعتبار لموكلين واجهوا أوضاعًا مشابهة، إلا أن الحكمين لم يُنفذا حتى الآن أيضًا.
أحداث المقطم
أما أحمد سمير، المعروف باسم أبو سمرة، فرغم اختلاف وقائع قضيته عن قضية ممدوح جمال، إلا أن أزمته في استعادة حقوقه السياسية بعد خروجه من السجن تتقاطع مع عدد من الحالات المشابهة، من بينها حالة جمال نفسه، حيث يواجه كلاهما النتيجة ذاتها: غياب التنفيذ الفعلي للأحكام القضائية التي ترد إليهما اعتبارهِما وتعيد إليهما حقهما في المشاركة السياسية. قال سمير فى تصريحات صحفية إنه تعرض للاعتقال أكثر من مرة، كان أولها في مارس 2013، على خلفية ما عُرف ب"أحداث المقطم" ثم في يونيو 2014، في القضية المعروفة إعلاميًا باسم "أحداث قصر الاتحادية"، التي ضمّت عددًا من النشطاء البارزين، خلال تظاهرة سلمية نُظّمت في اليوم العالمي للتضامن مع المعتقلين، للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين بعد أسبوع واحد من هيمنة السيسي على الحكم. وأضاف : أُلقي القبض علينا في محيط منطقة مصر الجديدة التي يوجد فيها قصر الاتحادية، كنا 24 شخصًا بينهم سبع فتيات حكم علينا بالسجن ثلاث سنوات وثلاث سنوات مراقبة وعشرة آلاف جنيه غرامة، وبعد الاستئناف خُففت العقوبة من محكمة جنح مصر الجديدة إلى سنتين سجنا وسنتين مراقبة، ثم خرجنا بعفو في 23 سبتمبر 2015، ضمن قرار شمل أيضًا المحكومين في قضية مجلس الشورى.
داخلية الانقلاب
وتابع سمير: في 2022 أقمت دعوى قضائية بمحو السجل الجنائي للقضيتين ورد الاعتبار وحصلت على حكم قضائي لصالحي، لكن رغم ذلك رفضت وزارة داخلية الانقلاب تنفيذ القرار أو حذف القضايا من قاعدة البيانات. وأشار إلى أن هذا الرفض حال دون تنفيذ أي خطوة لاحقة ودون تنفيذ حكم رد الاعتبار لاستعادة حق الترشح والانتخاب .