شهدت العاصمة الليبية طرابلس خلال الأيام الماضية تطورات أمنية وعسكرية دراماتيكية، تخللتها اشتباكات دامية وحشود مسلحة، في مشهد يعكس حجم الصراع المحتدم بين الميليشيات المتنازعة على السلطة والنفوذ، رغم محاولات الحكومة إعادة فرض هيبتها وسط فوضى السلاح. بداية الانفجار.. ماذا أشعل شرارة الاشتباكات؟ انطلقت شرارة التوتر بعد اقتحام عناصر تابعة لجهاز "دعم الاستقرار" مقر شركة الاتصالات القابضة في منطقة النوفليين بطرابلس، حيث أطلقت النار داخل المبنى واعتقلت المدير صلاح الناجح ونائبه يوسف أبو زويدة، بسبب رفضهم توقيع عقود لشركات تابعة لرئيس الجهاز عبد الغني الككلي، المعروف ب"غنيوة".
هذا الحادث فجّر خلافاً حاداً بين الككلي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، خاصة مع انخراط قيادات عسكرية من مدينة مصراتة في مسار التصعيد ضد ميليشيا "غنيوة".
عملية عسكرية مفاجئة.. من أطاح ب"غنيوة"؟ رداً على ما وصفته ب"الخروج على القانون"، أطلقت حكومة الدبيبة عملية عسكرية مشتركة بين وزارتي الدفاع والداخلية، استهدفت "قوات الدعم والاستقرار" بقيادة الككلي. قوات من مصراتة تحركت نحو طرابلس، واندلعت اشتباكات عنيفة في أحياء متفرقة من العاصمة.
وفي تطور حاسم، استُدعي الككلي إلى اجتماع داخل "معسكر التكبالي" مع وزير الداخلية عماد الطرابلسي، وقائد اللواء 444 محمود حمزة، وقيادات من القوة المشتركة. لكن الاجتماع تحول إلى مواجهة مسلحة إثر تصاعد الخلاف وتبادل الاتهامات، ما أسفر عن مقتل الككلي وعدد من مرافقيه، وعناصر من الطرف الحكومي.
السيطرة على طرابلس.. هل نجح الدبيبة في فرض الأمن؟ عقب مقتل الككلي، اقتحمت قوات الحكومة معسكرات جهاز دعم الاستقرار، وسيطرت عليها دون مقاومة تذكر، بينما انسحب بعض عناصر الجهاز إلى قاعدة معيتيقة حيث تحصنوا مع "قوات الردع" بقيادة السلفي عبد الرؤوف كارة، فيما اتجه آخرون إلى منطقتي ورشفانة والزاوية.
لاحقاً، أمر الدبيبة قواته بشن هجوم مباشر على قوات الردع، ما فتح جبهة جديدة من المواجهات المحتملة داخل طرابلس.
الشارع يغلي.. لماذا خرج الليبيون ضد الدبيبة؟ بالتوازي مع العمليات العسكرية، شهدت طرابلس ومدن أخرى مظاهرات غاضبة طالبت برحيل عبد الحميد الدبيبة، ورفض حكم الميليشيات، والدعوة لانتخابات عامة تنهي المرحلة الانتقالية.
وفي ضربة سياسية لحكومة الدبيبة، قدم ثلاثة وزراء استقالاتهم تضامناً مع الحراك الشعبي، وهم: وزير الاقتصاد محمد الحويج، ووزير الحكم المحلي بدري الدين التومي، ووزير الإسكان أبو بكر الغاوي.
كما أعلنت 69 حزباً سياسياً عن تنظيم مظاهرات حاشدة في "جمعة الحسم" بميدان الشهداء في طرابلس، للمطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي.
هل تقترب نهاية حكومة الدبيبة أم ترسّخ قوتها؟ رغم اتساع رقعة الاحتجاجات، يرى مراقبون أن حكومة الدبيبة خرجت أقوى عسكرياً بعد تحييد جهاز دعم الاستقرار، أحد أبرز القوى الموازية التي كانت تعيق تمددها.
مصدر مطلع صرح في تصريحات صحفية أن الدبيبة يستغل الانتصارات الأمنية لتوسيع نفوذه في طرابلس، مشيراً إلى أن الحكومة لا تزال تحظى باعتراف الأممالمتحدة بموجب الاتفاق السياسي الموقع في جنيف عام 2020، ما يمنحها غطاءً دولياً يمكن أن يصمد أمام الاحتجاجات.
إلى أين تتجه ليبيا؟.. تساؤلات ما بعد الككلي مع تزايد العمليات العسكرية وتنامي السخط الشعبي، يبقى المشهد الليبي مفتوحاً على كل الاحتمالات. فبين مساعي الحكومة لفرض سيطرتها، ودعوات الحراك الشعبي لإسقاط الأجسام السياسية الحالية، تبرز مخاوف من دخول البلاد في موجة جديدة من الفوضى المسلحة والانقسام السياسي.