لليوم الثاني، محامو مصر يواصلون الإضراب أمام محاكم الجنايات    فرق طبية للحالات الطارئة.. انتظام امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة الإسكندرية -صور    الكاتب الصحفي كامل كامل: تقسيم الدوائر الانتخابية يضمن العدالة السياسية للناخب والمرشح    الإحصاء: 2.1 مليار دولار صادرات مصر لأعلى خمس دول خلال فبراير 2024    محافظ الفيوم يوجه بتوفير مساعدات مالية ومعاشات للحالات الأولى بالرعاية بلقاء خدمة المواطنين    المركزي يتوقع تباطؤ متوسط التضخم العام بين 14% و15% في 2025    من هو كامل الطيب إدريس رئيس وزراء السودان الجديد؟    الخارجية البريطانية تستدعي السفير الإيراني في لندن بسبب الإيرانيين الثلاثة الذين اعتقلتهم السلطات بتهم تتعلق بالأمن القومي    أمر ملكي بإعادة تشكيل مجلس الخدمة العسكرية في السعودية    بعد "السولية".. عرض قطري لضم نجم آخر من الأهلي    "على خطى زيزو".. الزمالك يتحرك ضد عبدالله السعيد بعد تمرده    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    سيدة عربية تنهي حياتها قفزا من الطابق الرابع ببولاق الدكرور    إخلاء سبيل مشجع نادي مالية كفر الزيات بضمان مالي ألف جنيه    بسبب مشاجرة أطفال.. الإعدام ل3 متهمين والسجن لرابع في جريمة ثأر بأسيوط    رئيس الوزراء يتابع مشروعات صندوق التنمية الحضرية وخطط تطوير القاهرة التاريخية    وزير الصحة يتسلم من منظمة الصحة العالمية شهادة قضاء مصر على انتقال جميع طفليات الملاريا البشرية دخل حدود البلاد    الفجر بالإسكندرية 4.19.. جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غداً الثلاثاء 20 مايو 2025    وزير الإسكان يشارك في افتتاح معرض ومؤتمر عُمان العقاري وأسبوع التصميم والبناء العشرين    حبس طرفى مشاجرة عنيفة بمنطقة المطرية    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    المجلس الأوروبي: عقوبات جديدة ضد روسيا إذا لم توقف العدوان على أوكرانيا    داكوتا جونسون تتألق في جلسة تصوير Splitsville بمهرجان كان (صور)    «لا نقاب في الحرم المكي».. عضو مركز الأزهر توضح ضوابط لبس المرأة في الحج    إيلي كوهين اللغز في الحياة والممات.. ومعركة الأرشيف والرفات    قصور الثقافة تنظم جولة للأطفال بمتحف البريد ضمن احتفالات اليوم العالمي للمتاحف    روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"    وقفة عيد الأضحى.. فضائلها وأعمالها المحببة وحكمة صيامها    بينهم أم ونجلها.. إصابة 3 أشخاص في تصادم ملاكي وتوك توك بطوخ    توسعات استيطانية بالضفة والقدس.. الاحتلال يواصل الاعتقالات وهدم المنازل وإجبار الفلسطينيين على النزوح    رئيس الوزراء الهندي يشن هجوما لاذعا ضد باكستان    وزير التعليم العالي: 30% من حجم النشر الدولي في مصر تأخذه «ناس تانية» وتحوله لصناعة    تنطلق يوليو المقبل.. بدء التسجيل في دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما    إلهام شاهين عن المشروع X: فيلم أكشن عالمي بجد    رئيس الطائفة الإنجيلية: الاحتفال بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية يعكس روح الوحدة والتقارب بين الكنائس الشرقية    وزيرة البيئة تشارك في فعاليات المعرض العربي للاستدامة    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    مجلس الوزراء: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية بين الدواجن.. والتحصينات متوفرة دون عجز    قوافل طبية متكاملة لخدمة 500 مواطن بكفر الدوار في البحيرة    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    "تبادل الاحترام وتغطية الشعار".. كوكا يكشف سر مشاركته في الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي    بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسباب وجذور العداء للإسلام في فرنسا

يعدّ حادث فرنسا الأليم الذي أودى بحياة شاب مسلم في العشرينيات من عمره، إثر تعرّضه لطعنات غادرة من الجاني، تجليًا عمليًا لخطاب الكراهية والتحريض في المستويات السياسية والإعلامية والثّقافية، ضد الإسلام والمسلمين والهجرة والمهاجرين.

ولم يكن استحضار الإسلام والمسلمين الفرنسيين بشكل عرضي في التداول السياسي والعمومي، بل تمّ بشكل منتظم ضمن إستراتيجيات فرنسا كدولة مثقلة بحدة النموذج العلماني والخوف من الرموز الدينية الإسلامية، وكذا بين الفاعلين في المجالين؛ السياسي، والإعلامي، في قضايا الهجرة والمهاجرين مع اتساع قاعدة اليمين الشعبوي.
توصيف الجريمة: تطرّف أم إرهاب وأثرها السياسي في فرنسا

أحدثت الجريمة العنصرية المرتكبة بحق الشاب المالي "أبو بكر سيسي" في مسجد خديجة ببلدة "لاغرند كومب" يوم الجمعة 25 أبريل/ نيسان 2025، ردود فعل متنوعة في الأوساط السياسية والمجتمعية الفرنسية، كما تجلت في تصريحات متنوعة تدين الحادث ابتداء من الرئيس الفرنسي إلى وزير الداخلية، وباقي النخبة السياسية.

لكن تلك التصريحات على الرغم من أهميتها، قد لا تتناسب مع طبيعة الجريمة المرتكبة، كما أن توصيفها في سياق معزول عن الدوافع والجذور التي أضحت تشكل ظاهرة الكراهية أو العداء للإسلام والمسلمين، يجعل بعضًا من تلك المواقف، أشبه باستجابة لحظية لفظاعة الحدث، من أجل تخفيف أثره العميق في النسيج الاجتماعي للمهاجرين والمسلمين في فرنسا وأوروبا.

ومن ثم فإن التوصيف الذي ينبغي تأكيده دون مواربة في تصنيف الجرائم ذات الخلفية العنصرية المتطرفة، وترتيب الأثر القانوني عليه، بحاجة لأن يكون نفسه التوصيف الذي توسم به أفعال بخلفيات إسلامية متشددة، فالتطرف في الموقف من الآخر، حينما ينتقل من كونه موقفًا فكريًا أو أيديولوجيًا أو عقائديًا، إلى ممارسة عملية تلغي حق الآخر المختلف من الوجود، يسمى "إرهابًا".

إن "التطرف" قناعة فكرية دوغمائية، بحاجة إلى التفكيك بالوسائل والمداخل الفكرية والثقافية وبالوسائط الإعلامية والثقافية؛ لإشاعة روح التسامح والتعددية في منحى التصورات والأفكار، أما "الإرهاب" فهو التنزيل العملي لتلك الأفكار المتطرفة، وهو يحتاج إلى مداخل قانونية رادعة ومناخ سياسي ينزع فتيل التوتر والخوف الذي ينغرس في النسيج الاجتماعي.

وفي حال التقليل من مثل هذه الجرائم ذات الخلفية العنصرية، أو فصلها عن خطاب الكراهية الذي بدأت تتسع قاعدته، فإن مثل هذه الأحداث ستنتشر، بفعل البيئة الحاضنة لها مع النزعات الشعبوية التي تستثمر سياسيًا وإعلاميًا في العداء والتخويف من الإسلام والمسلمين تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، وفي ظل غياب الأسس القانونية الرادعة التي تحمي التعددية والتنوع في المجتمع، وهذا لا يخصّ فرنسا وحدها، بل عددًا من الدول الأوروبية التي نمت فيها الكراهيّة بشكل مقلق ومخيف.

وفي رصد الحالة الفرنسية بهذا الصدد، يعد الصوت الصادر عن لفيف اليسار بزعامة ميلونشون لحركة فرنسا الأبية، بمثابة الدرع الواقي للنسيج المسلم في فرنسا والمعبر عن تطلعاته ومخاوفه، مما يعكس الأفق السياسي والثقافي الرحب الذي ينشده ميلونشون في فرنسا بخصوص الحقوق والحريات وتعرية الانتهاكات، ونقد تجلياتها داخل فرنسا أو خارجها ببعد إنساني أصيل، بعيدًا عن رياح التعصب والكراهية العمياء.

بل إن خطابه وفعله السياسي في المشهد الفرنسي والأوروبي برمته، يستبطن وعيًا سياسيًا يحصّن التعددية والتنوع ويحمي المجتمع الفرنسي من الآثار السلبية لهجرة النخبة السياسية من قيم الأنوار إلى تبني أطروحات اليمين الشعبوي اللاعقلانية والتي تهدد النسيج المجتمعي.

يقدم ميلونشون بذلك خدمة كبرى للتوازن في المشهد الفرنسي فيما له علاقة بالإسلام والمسلمين، بعد تراجع التيار الدوغولي ذي الصبغة العقلانية.

ولعلّ التظاهرة التي دعت لها فرنسا الأبية، ورد الفعل السلبي لوزير الداخلية الفرنسية بخصوصها بدعوى الاستغلال السياسي للحدث، يكشفان حجم التوتر السياسي الحادّ من جهة، ومن جهة ثانية أهمية وجود تكتل سياسي يستشعر الخطر الذي يحمله تبسيط ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو ما تجلَّى في نقد الإعلام الفرنسي لوزير الداخلية للتأخر في إلقاء القبض على الجاني الذي سلم نفسه، ثم في التأخر في زيارة مكان الحادث، أي المسجد الذي طعن فيها الشاب المالي بدوافع عنصرية.

إن لهيب الشعبوية من جهة، وجعل الإسلام والمسلمين موضوعًا رئيسيًا في الوسط الثقافي والإعلامي والسياسي، من الطبيعي أن يثمرا معًا أحداثًا عنصرية تحتاج إلى مداخل سياسية وقانونية وقائية للحد منها، ومنع استفحالها، ومن ثمة انتزاع حالة الخوف والفوبيا التي تتعمق يومًا بعد يوم.

مثل هذه الأحداث، لا تخصّ فرنسا وحدها، إنما تتّسع في عددٍ من الدول الأوروبية، كما تؤكد الأرقام والمعطيات الرسمية للدول، وتتغذّى على عدد من الدوافع، كما أن لها جذورًا عميقة تحتاج إلى المعالجة الجذرية، وتهمنا هنا الحالة الفرنسية بالخصوص، لطبيعة الجدل الكثيف الذي يعرفه الموضوع.
العلمانية الفرنسية أو مبادئ الجمهورية وقلق الهوية

يحملُ النموذج الفرنسيّ توترًا حادًا في موضوع الهُوية، ويمكن القول بإجمال، إنّ طبيعة الموقف الحادّ الذي اتخذته العلمانية من الدين والرموز الدينية، قد وجد نفسه أمام ديناميات جديدة للهُوية لأجيال من الفرنسيين الذين لهم خلفيات مهاجرة، يشكّلون كتلة حرجة في المجتمع الفرنسي.
هذا المكون الفرنسي تعليمًا وتربية وثقافة، يستبطن بعدًا آخر أو جديدًا في هُويته وتكوينه الشخصي والثقافي، يرتبط بالإسلام والرموز الدينية والثقافية الإسلامية، فهُويته ليست جامدة على النموذج الفرنسي، كما هو في مخيال لفيف من الطبقة السياسية التي تستهويها المنطلقات الحادة والمتعصبة لليمين الشعبوي، أو لدى لفيف من المثقفين الذين ينظرون بازدراء للأديان، وخاصة الإسلام وتراثه ورموزه، وإنما تشكلت هويته في معين متعدد، داخل المجتمع الفرنسي أولًا، ويحمل معه في الآن ذاته شعور الاستبعاد الاجتماعي والثقافي والحرمان الاقتصادي، وأغلبهم قدِم أجدادهم أو آباؤهم من دول عانت من استعمار فرنسي ترثُ الأجيال حكايته وآلامه. وكان من الضروري هنا أن يقع التناقض والصدام على أرضيتين مختلفتين أو متمايزتين.

امتد هذا الموضوع إلى مقاربة الإسلام سياسيًا وإعلاميًا وثقافيًا بحالة من التصلب، مما أشاع حالة الخوف أو الفوبيا لدى لفيف واسع من الفرنسيين، أسفرت عن إذكاء موقف مضاد للإسلام باعتباره مناقضًا لقيم الجمهورية، مما سمح بنمو الخطاب العنصري باطراد، والعنصرية أو التطرف، كما أشرنا سابقًا، هو شعور نفسي ونزعة أيديولوجية أو قومية لا عقلانية تسفر حتمًا عن اعتبار الآخر مغايرًا بشكل تام، وذلك مقدمة نظرية لإلغاء الآخر من الوجود، أي اللجوء إلى العنف ضده، والعنف المغلف بأيديولوجيا متطرفة بعيدة عن القانون وخارج إطار الدولة، يهدد السلم المجتمعي ويعتبر "إرهابًا" كيفما كانت مرجعيته ومنطلقاته الدينية والأيديولوجية والقومية.

عوض أن ينشغل العقل الفرنسي بالإسلام والرموز الثقافية والدينية الإسلامية بأدوات ومقاربات مجتزأة، ترسخ الكراهية، كان يتوجب عليه إعمال النقد في مسارات أخرى متنوعة.
العودة إلى ممارسة نقد ذاتي عميق للنموذج العلماني الفرنسي

صياغة أطر نظرية تجعل هذا النموذج متصالحًا مع الدين لا متصادمًا معه، فالإسلام والرموز الثقافية والدينية والإسلامية تملك القدرة والإمكانية للتعايش التام مع العلمانية، لطبيعة المرونة والقدرة على التكيّف في بيئات ومع أنماط ثقافية متعددة، بل إن نوعًا من الفصل المرن كامن في المنظور الإسلامي نفسه، فهو ليس منظورًا متصلبًا أو جامدًا، وإنما يبدع في أنماط التدين حسب الخصوصيات والمقومات الثقافية لكل مجتمع ينوجد فيه.

وتوجد حالات العلمانية المتصالحة مع الدين التي لم تعش حالة فوبيا وقلق فرنسا من الإسلام، وهي النماذج التي عرف فيها مسار العلمنة والدين ديناميات متداخلة ومتشابكة، غير متصادمة أو متنافرة، بحيث تنتج صدامًا في هوية الأفراد والمجتمع معًا.

مقاربة مشكلة الهوية لدى المكون المسلم من عودة أصولهم إلى خلفيات مهاجرة، ينبغي أن تتم باعتبارها مشكلة سياسية وثقافية تخص فرنسا، فحالة القلق هي نتاج للاستبعاد الاجتماعي، من السكن في أماكن مخصوصة إلى العمل ثم الازدراء الثقافي وغير ذلك.

فسياسات التهميش والإبعاد، أو عدم الاعتراف في عقود مضت، ثم لاحقًا ممارسة حدة في النقد سياسيًا وثقافيًا أشاعت حالة من الخوف كذلك، وهو تجلٍّ من تجليات توتر الهوية من جانب، ومن جانب آخر، تغذية للعنصرية وللأطر المنغلقة والمتطرفة في كل الاتجاهات.

وهذا في الواقع يعكس حالة من الجمود وغياب النقد المفتوح والمتعدد في كل الاتجاهات، من خلال هذا المسار وحده يمكن للكراهية أن تفكك بشكل تلقائي.
النزعة الشعبوية والتشهير بروح النقد والحكمة أو ما سمي اليسار الإسلامي

الشعبوية خطر محدق بالاجتماع الفرنسي والأوروبي برمّته، وقد بلغت ذروتها كما سبق أن أشرنا – سلفًا وفي مقالات أخرى- إلى التنافس بين القوى والطبقة السياسية في توظيف مقولات شعبوية، وشعارات انتخابية تستثمر بشكل مستمر في المختلف أو المهاجر، ومن هو من أصول مهاجرة.


لقد حقّق ذلك الاستثمار كسبًا انتخابيًا مرحليًا للبعض في فرنسا، لكنه أشاع روح الخوف ونزعة الإقصاء، وبصيغة أخرى، هو خسارة على المدى البعيد للمجتمع والدولة معًا، وهذا لا يخص فرنسا وحدها، بل كل أوروبا التي تتسع فيها قاعدة اليمين الشعبوي وعودة الهويات والنزعات القومية، وأغلب الأحداث التي تقع في معظم الدول، لها علاقة بهذا النموذج من الوعي العدمي الذي ينتشر كاللهيب ويهدد بالإضرار بالنسيج المجتمعي برمته.

خارج هذا النزوع الشعبوي الذي يغذي العواطف بلغة وخطاب لا عقلانيين، شهدت فرنسا حدة في الصدام مع طبقة من المثقفين والأكاديميين، ممن كان لهم رأي مغاير ونقدي لخيارات الدولة والساسة في الجدل الذي رافق موضوع تبيئة الإسلام والرموز الدينية والثقافية الإسلامية لتتلاءم مع قيم الجمهورية.

وقد وجدت هذه الفئة التي تنظر بروح وعقل الأنوار النقدي، نفسها في مواجهة أدوات الإكراه الناعم بإلصاق تسمية "اليسار الإسلامي" بها، وأغلب هذه الطبقة من الأكاديميين، من حقول معرفية وعلمية متنوعة في فرنسا، لكن سيكولوجيا الجمهور والنزعة الشعبوية التي امتدت السنوات الماضية إلى شريحة واسعة من الساسة وصناع القرار في فرنسا، قد أوصلت الانقسام بشأن الإسلام والرموز الدينية الإسلامية إلى الحقل الأكاديمي، مما يفسر حالة الانحباس التي هيمنت على العقل السياسي الفرنسي في معالجة هذا الموضوع.

ختامًا: إن الدخول في صدام أو معركة صفرية مع الرموز والخطاب الديني الإسلامي، وتوهّم مشكلة بينه وبين الأصول الثقافية التي تقوم عليها فرنسا، قد عمقا الكراهية في المجتمع الفرنسي، وخدما بشكل موضوعي اليمين الشعبوي والأفكار العنصرية التي تنمو على إيقاع خطابه الحاد في حق الإسلام والمسلمين، والهجرة والمهاجرين.

ما حدث في مسجد خديجة لا يمكن اعتباره مجرد حادث عرضي أو حالة معزولة؛ بل هو انعكاس صريح وخطير لتصاعد خطاب الكراهية والتحريض في فرنسا تجاه الإسلام والمسلمين. فقد أودى هذا الاعتداء الوحشي بحياة شاب مسلم في العشرينيات من عمره، بعد أن تلقّى عشرات الطعنات داخل مكان يُفترض أن يكون آمنًا ومقدّسًا.

وهذا في واقع الأمر تبسيط مخل يقدم معاول هدم للتعددية المجتمعية والثقافية، وينذر بأخطار أخرى إذا لم تدفع الجريمة العنصرية الراهنة، إلى مراجعة نقدية حادة للإسلاموفوبيا ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، ووضْع أسس قانونية رادعة للحد من الظاهرة، من أجل مستقبل السلم المجتمعي في فرنسا وكامل أوروبا التي تتقاسم المشكل ذاته. فالكراهية مشتل وتربة خصبة للعنف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.