قبل ساعات من انعقاد الجمعية العمومية الطارئة التي دعت لها نقابة الأطباء المصرية، الجمعة القادمة، أعلن رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب أشرف حاتم، أمس الثلاثاء، حذف المادة 29 من مشروع قانون المسؤولية الطبية المقدم من الحكومة، والتي تقضي بجواز حبس مقدم الخدمة الطبية احتياطياً في الجرائم التي تقع منه أثناء تقديم الخدمة أو بسببها، باعتبار المادة محل اعتراض من جميع النقابات المهنية، وعلى رأسها نقابة الأطباء. وكان مجلس نقابة الأطباء قد دعا إلى عمومية طارئة الجمعة المقبلة لإعلان رفض القانون بصيغته الحالية، وبحث التحركات والإجراءات اللازمة للتصدي للمشروع الذي يتضمن مواد تقنن حبس الأطباء في القضايا المهنية. وصرح حاتم، في اجتماع للجنة، بأن قرار الحذف جاء بعد توافق رئيس مجلس النواب حنفي جبالي ووزير الصحة خالد عبد الغفار، وموافقة الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن الحائز على الأغلبية في المجلس. وأشار إلى توجيه رئيس المجلس للجنة الصحة بالعمل على تلبية مطالب النقابات الطبية المتخصصة أثناء مناقشة القانون، بهدف تحقيق التوازن بين توفير الحماية القانونية للمريض وضمان بيئة عمل آمنة للأطقم الطبية تمكنهم من أداء رسالتهم. وأضاف حاتم أن "الخطأ الطبي الجسيم له تعريف واضح في القانون، وعقوبات تصل إلى الحبس والغرامة"، مستطرداً بأن القانون ينص على الموافقة المستنيرة للمريض أو أهله بالمضاعفات المحتملة. من جهته، قال نقيب الأطباء أسامة عبد الحي إن النقابة "تتمسك بتغييرات جوهرية في مواد القانون، خاصة المتعلقة بالأخطاء الطبية وعقوبتها"، مشدداً على "أهمية التمييز بين الخطأ الوارد حدوثه والخطأ الجسيم، إذ إن الأول يكون مساره مدنياً، والثاني جنائياً". وتابع أن "القانون في الولاياتالمتحدة أورد تعريفات محددة للخطأ المتعمد أو الجسيم كأن يعمل الطبيب في غير تخصصه، أو لا يتبع الإجراءات فتكون هناك شبهة تعمد"، موضحاً أن "الخطأ الوارد حدوثه يكون فنياً ويستوجب تعويضاً مالياً لجبر الضرر، لا توقيع عقوبة الحبس للأطباء". وجدّد عبد الحي تمسك النقابة بمجموعة من المطالب الأساسية، ومنها رفض حبس الأطباء في القضايا المهنية، وإقرار وقوع المسؤولية المدنية على الطبيب حال التسبب في ضرر للمريض نتيجة خطأ، على أن تكون العقوبة لجبر الضرر وليس الحبس، ووقوع المسؤولية الجنائية على الطبيب فقط حال مخالفته قوانين الدولة، أو عمله في غير تخصصه، أو قيامه بإجراء طبي ممنوع قانوناً. وتقدمت النقابة منذ سنوات بمشروع قانون يفرق بين المضاعفات والأخطاء والجرائم الطبية، أسوة بتشريعات مماثلة في الدول الأخرى، مبينة أن المضاعفات "لا توقع بشأنها عقوبة، والأخطاء يتم جبرها بتعويض من صندوق يشارك فيه جميع الأطباء". أما الجرائم الطبية، أو ما يسمى بالإهمال الجسيم، فلها تعريف حصري، مثل العمل من دون ترخيص، أو القيام بإجراء مخالف للقوانين، أو العمل تحت تأثير مخدر، وتخضع لأحكام قانون العقوبات، بما في ذلك الحبس. أسباب التراجع الحكومي ويأتي التراجع الحكومي أمام غضب الأطباء، في محاولة يراها مراقبون أنها لتبريد الساحة المصرية من أي توترات أو احتجاجات، في فترة يعاني فيها السيسي ونظامه من قلق كبير وواسع بعد سقوط نظام بشار الأسد في صورة سريعة أقلقت الكثير من الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية بالمنطقة العربية، في مقدمتها مصر. ووفق مراقبين، فإن الأجهزة الأمنية ترصد بدقة حركة الشارع المصري، وتفاقم درجة الغليان السياسي في الشارع إثر الكثير من الأزمات، كغلاء الأسعار وتدني قيمة الأجور والرواتب، وتصاعد أسعار الكهرباء والغاز والبنزين والمواصلات، ونقص الأدوية وغلاء ثمنها، وهو ما يجعل الشارع المصري مهيأ للاستجابة لأي احتجاجات تقود الشارع نحو تظاهرات شعبية تطيح بالنظام. وهو ما يسعى السيسي ونظامه لامتصاصه عبر إجراءات تلطيفية لا تنهي المشاكل بل تبردها، ثم تعيدها تارة أخرى وفق الاستراتيجية الحكومية التي تريد القمع والتضييق على الحريات وقضم حقوق المصريين، ووأد أية محاولات للتغيير.