وزير التعليم العالي يؤكد أهمية تنوع الأنشطة الطلابية لذوي الإعاقة بالجامعات    محافظة الدقهلية تواصل فعاليات دمج أطفال دور الرعاية بالمجتمع (صور)    أسعار البيض اليوم الجمعة بالأسواق (موقع رسمي)    قمة مصرية روسية اليوم بموسكو لتعزيز العلاقات في مختلف المجالات    لأول مرة.. بابا الفاتيكان أمريكيا| وترامب يعلق    خلافات عميقة وتهميش متبادل.. العلاقة بين ترامب ونتنياهو إلى أين؟    ريال مدريد يستعد لإعلان تنصيب ألونسو خلفًا ل أنشيلوتي    إحباط محاولة غسل 50 مليون جنيه من تهريب المخدرات وضبط عنصرين أجنبيين بمدينة نصر    5 حالات اختناق بمنزل وحادث اعتداء على سوداني بالجيزة    ضبط عناصر إجرامية بحوزتهم مخدرات بقيمة 3.5 مليون جنيه    عرض فيلم "Only the River Flows " بمكتبة مصر الجديدة العامة    بوتين: روسيا ستبقى قوة عالمية غير قابلة للهزيمة    وفد «محلية النواب» يتفقد الخدمات الصحية لمستشفى الناس بشبرا الخيمة (صور)    احتفالات روسيا بالذكرى ال 80 للنصر العظيم..حقائق وأرقام    مصلحة الضرائب: 1.5 مليار وثيقة إلكترونية على منظومة الفاتورة الإلكترونية حتى الآن    فاركو يواجه بتروجت لتحسين الوضع في الدوري    ماركا: تشابي ألونسو سيكون المدرب الجديد لريال مدريد    إنفانتينو يستعد لزيارة السعودية خلال جولة ترامب    وزير الري: سرعة اتخاذ قرارات طلبات تراخيص الشواطئ تيسيرا ودعما للمستثمرين    وزير الإسكان: بدء تنفيذ مشروع «ديارنا» السكني بمدينة القاهرة الجديدة    جدول امتحانات خامسة ابتدائي الترم الثاني 2025 بالقليوبية «المواد المضافة للمجموع»    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني للطلبة المصريين في الخارج غدا    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    وزير المالية: الاقتصاد المصري يتحرك بخطى جيدة ويوفر فرصًا استثمارية كبيرة    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    الجيش الأوكراني: تصدينا خلال ال24 ساعة الماضية لهجمات روسية بمسيرات وصواريخ    اقتحام مستشفى حُميّات أسوان بسلاح أبيض يكشف انهيار المنظومة الصحية في زمن السيسي    الهيئة العامة للرعاية الصحية تُقرر فتح باب التقدم للقيد بسجل الموردين والمقاولين والاستشاريين    «دمياط للصحة النفسية» تطلق مرحلة تطوير استثنائية    افتتاح وحدة عناية مركزة متطورة بمستشفى دمياط العام    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9- 5- 2025 والقنوات الناقلة    أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أحمد داش: الجيل الجديد بياخد فرص حقيقية.. وده تطور طبيعي في الفن    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    الأهلي يتفق مع جوميز مقابل 150 ألف دولار.. صحيفة سعودية تكشف    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    طلب مدرب ساوثهامبتون قبل نهاية الموسم الإنجليزي    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخيم جباليا وبلدته وقصص البطولة وثورته

لا أستطيع إلا أن أكتب بكل الفخر والاعتزاز والتقدير والاحترام، رافعاً رأسي متشامخاً كشعبي، مزهواً مختالاً بوطني ومدنه ومخيماته وبلداته، معتزاً متشرفاً بشعبي العظيم وأهلي الكماة وناسي الأباة، عن مخيم جباليا الثائر البطل وبلدته العريقة، وسكانه الأصلاء وأهله الأماجد، ومواطنيه الكرام ولاجئيه الأشراف، والنازحين إليه من الوطن والعائدين إليه من الشتات، وعن بلداتهم الأصلية وقراهم المدمرة، وعن أحلامهم بالعودة إليها وأمانيهم باستعادتها والعيش والموت فيها.
وأن أكتب عن أبطاله ورموزه، ومشاهيره وأعلامه، وعائلاته وحمائله، وبطونه وعشائره، وعن أزقته وشوارعه، ومعالمه وحواضره، ومساجده وجوامعه، وتاريخه وأمجاده، وعن صولاته وجولاته، ومعاركه وملاحمه، وعن انتفاضته وحجارته، وشهدائه ورجاله، وصبيته وأطفاله، ونسائه وأمهاته، وعن قصص البطولة وحكايا الثورة، وعن كل ما يتعلق به ويتحدث عنه، ويخلد اسمه ويرسم صورته، وينصف أهله ويقدر سكانه، ويقدم صورته للعالم كله كأعظم مخيمٍ قاوم وقاتل، وصمد وثبت، وواجه وتحدى.
إنه مخيمي الذي فيه ولدت وترعرعت، وفي شوراعه نشأت ودرجت، وفي مدارسه تعلمت ودرست، وفيه عشت وأهلي، وسكنت واخوتي، وتزوجت منه ورزقت فيه ببناتي، وما زلت إليه رغم النفي والإبعاد أنتمي وأنتسب، وأحب وأعشق، وأحن وأشتاق.
فأنا ابن مخيم جباليا، مخيم الصمود والثورة، مخيم البطولة والتحدي، والمقاومة والنضال، المخيم الذي يخشاه العدو ويهابه، ويحسب ألف مرةٍ قبل أن يطرق أبوابه أو يفكر بالدخول إلى أعتابه، وقد عانى منه قديماً وذاق المُرَّ في شوارعه وأزقته صنوفاً، وقتل فيه جنوده وفر منه ضباطه، وعجز عن السيطرة عليه ليلاً سنين طويلة، وبقي يدخله نهاراً على حذر، إذ أن القتل كان يلاحق جنوده في كل مكانٍ، وينال منهم الفدائيون قديماً والمقاومون حديثاً بكل سهولةٍ ويسرٍ.
مخيم جباليا الذي دخله جيش العدو في الأيام الأولى لعدوانه على غزة، ودمر منازله ومساكنه، وأسواقه ومساجده، ومحاله ومخازنه، وقتل الآلاف من سكانه، وشرد عشرات الآلاف منهم إلى لا مكانَ آمنٍ، ولا إلى مناطق إيواءٍ محميةٍ، وقضى على كل مقومات الحياة فيه، إذ قطع عنه امدادات المياه وعطل المجاري، وحرم أهله من مياه الشرب والخبز، ومن السكر والدقيق وكل شيءٍ آخر، وغدت شوارعه المدمرة مبانيها والمبقورة بطونها، والمجرفة كلياً، مليئة بأكوام القمامة، وتغص بالمجاري والمياه العادمة، إذ لا قدرة على تصريفها أو التخلص منها ومعالجتها، لكن أهل جباليا أدركوا أنهم في تحدٍ فصمدوا، وفي مواجهةٍ فثبتوا، فلم يغادره إلا القليل، وبقي صامداً فيه الكثيرون من أهله.
ظن جيش العدو المدجج بكل أنواع السلاح، والمعزز بالدبابات والطائرات، أنه دمر المقاومة في شمال القطاع، وأضر ببنيتها التحتية، وقضى على قدراتها الذاتية، واكتشف أنفاقها ودمرها، وصفى رجالها وشتت قواتها، واستنفذ سلاحها وجفف منابعها، وأنه لم يعد في جباليا البلدة والمخيم مقاومةً تخيف، ولا قدرةً تردع، ولا سلاحاً يوجع، ولا تنظيماً يستعيد قواه ويعيد ترتيب صفوفه، ولن يواجه جيشه فيه أخطاراً حقيقية تهدد حياتهم، وتحبط خططهم، وتفشل مشاريعهم، وتجبرهم على أن يعيدوا جنودهم رفاةً في توابيت، أو جرحى على حمالات المسعفين في السيارات والطائرات.
لكن جباليا هبت من جديدٍ وكأنها في أول المعركة، وانتفضت وكأنها كانت على موعدٍ، تنتظر عدوها وتتربص به، وتستعد له وتتوق لمواجهته، وقد أعدت عدتها وجهزت نفسها، واستعدت لحربٍ جديدةٍ قد تكون أنكى من الأولى وأشد، وأكثر فتكاً بعدوها وتهديداً له، وهو الذي ظن أنه أمن شرها، واطمأن إلى ضعفها، وركن إلى عجزها.
لكنه فوجئ وصدم عندما رأى أنها له بالمرصاد، وقد أثبتت على الأرض وفي الميدان أنها جاهزةٌ برجالها، وأن بنادقها عامرة، وسلاحها وافرٌ، وقرارها حاضرٌ، وفخاخها متقنة، ومصائدها معدة، وحقولها الملغمة كثيرة، وأن قدرتها على لملمة صفوفها وترميم جراحها وإعادة تنظيم نفسها كبيرة، ما أهَلَّها لأن تنال منه وتوجعه، وتوقعه في حبائلها وتخسره، وتدخلها مصائدها وتكبده.
إنها جباليا التي فجرت انتفاضة الحجارة، وأشعلت فتيل الثورة، وحملت شعلتها إلى كل أرجاء فلسطين، وكان منها العقل عماد، والمبحوح محمودٌ، وأبو طاقية خالد، والسيسي حاتم، وإليها لجأ العياش يحيى وفيها أقام، ومنها كان الشهداء الستة، وأبطال الجبهة الشعبية الأوائل، وقوات جيش التحرير الأماجد، ومغاوير فتح وغيرهم من رموز الثورة ورواد المقاومة، الذين جعلوا مخيم جباليا كابوساً لا يطيقه الإسرائيليون، ورعباً لا يتعايش معه شارون وقد كان قائداً للمنطقة الجنوبية، ومصيراً يخشاه جنود النخبة وقادة الفرق الخاصة، الذين كانوا جميعاً يجبنون عن الدخول إليه، والمغامرة في حياتهم في أزقته، بحثاً عن الفدائيين، أو ملاحقةً للمقاومين.
سلام الله عليك أيها المخيم الأعلى الأشم، الأجل الأكرم، وسلام الله على أبنائك وشهدائك ومن ضحى في سبيلك، حفظك الله وأهلك، ورفع قدرك وسما بسكانك، وأيدك بنصره وأمدك بجندٍ من عنده، وسدد رمي رجالك وحمى أبطالك، وجعلك شوكةً في حلق أعدائك، وصخرةً تتحطم عليها معاولهم، وعوض أهلك خيراً ممن فقدوا، ورزقهم من بعدهم نصراً، وأكرمهم بتحرير بلادهم، والعودة إلى ديارهم، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وما ذلك عليه سبحانه وتعالى بعزيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.