يواجه أطفال غزة واقعا مريرا خلال القصف الإجرامي الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني على كل شيء في القطاع الذي كان محاصرا لنحو 20 عاما وتحول الآن إلى مقبرة جماعية. ومن الواضح أن قتل وإصابة أطفال غزة متعمدا، حيث قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جييريسوس لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أمس الجمعة إن طفلا يقتل في المتوسط كل 10 دقائق في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل، محذرا من أنه لا يوجد مكان آمن ولا أحد آمن في غزة.
وأضاف جييريسوس أن نصف مستشفيات غزة البالغ عددها 36 وثلثي مراكز الرعاية الصحية الأولية لا تعمل، وأن التي لا تزال عاملة تستوعب ما يفوق طاقتها بكثير، واصفا نظام الرعاية الصحية بأنه على شفا الانهيار.
وقال إن ممرات المستشفيات مكتظة بالجرحى والمرضى والمحتضرين، وإن المشارح ممتلئة، والعمليات الجراحية تُجرى بدون تخدير، وعشرات الآلاف من النازحين يحتمون بالمستشفيات.
ومنذ 7 أكتوبر الماضي شنت إسرائيل أكثر من 250 هجوما على منشآت الرعاية الصحية في غزة والضفة الغربية، وتزعم أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تخفي أسلحة في أنفاق تحت المستشفيات، وهو ما تنفيه الحركة.
من جهتها، حذرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن حياة مليون طفل في غزة باتت معلقة بخيط رفيع مع انهيار الخدمات الصحية للأطفال تقريبا في أنحاء القطاع.
وأضافت المنظمة أن الانهيار شبه الكامل للخدمات الطبية وخدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء قطاع غزة -ولا سيما المناطق الشمالية- يهدد حياة كل طفل في القطاع.
وأوضحت أنه خلال ال24 ساعة الماضية توقفت الرعاية الطبية في مستشفى الرنتيسي والنصر للأطفال تقريبا، حيث لم يكن هناك سوى مولد صغير يزود وحدات العناية المركزة والعناية المركزة لحديثي الولادة بالطاقة.
وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن هناك ما يقارب مليون طفل يعيشون في قطاع غزة، مما يعني أن نصف السكان تقريبا من الأطفال.
وتفيد التقارير بوقوع هجمات عدائية مكثفة بالقرب من مستشفى الرنتيسي، حيث يخضع أطفال لغسيل الكلى وبعضهم في العناية المركزة، في حين يفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارا على مستشفى النصر للأطفال الذي تعرض لأضرار مرة أخرى أول أمس الخميس في هجوم، بما في ذلك معدات منقذة للحياة.
وقد توقف بالفعل مستشفى آخر للأطفال في الشمال عن العمل بسبب الأضرار ونقص الوقود، كما أن مستشفى ولادة تخصصيا في حاجة ماسة إلى الوقود لمواصلة عمله.
وقالت المديرة الإقليمية لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خضر إن الأطفال يتعرضون للحرمان من حقهم في الحياة والصحة، وحماية المستشفيات وإيصال الإمدادات الطبية المنقذة للحياة واجبان بحسب قوانين الحرب، وكلاهما مطلوبان الآن.
ودعت المنظمة إلى وقف الهجمات على مرافق الرعاية الصحية فورا، وحثت على توصيل الوقود والإمدادات الطبية بشكل عاجل إلى المستشفيات في جميع أنحاء غزة.
ومنذ 36 يوما يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي محرقة دامية على غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني -بينهم 4506 أطفال و3027 سيدة و678 مسنا- وإصابة أكثر من 27 ألفا بجراح، بحسب مصادر رسمية.
نصف مليون طفل شهيد وحريح من جانبه قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن تقديراته تظهر بأن عدد الأطفال الفلسطينيين ضحايا حرب إسرائيل المتواصلة على قطاع غزة بلغ نصف مليون طفل ما بين قتيل وجريح ومن دمرت أو تضررت منازلهم.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان له، أن 6100 طفل استشهدوا أو فقدت آثارهم تحت أنقاض المباني التي دمرتها هجمات إسرائيل الجوية والمدفعية المكثفة على قطاع غزة وقد تضاءلت فرص نجاتهم بشدة بعد تعذر انتشالهم منذ أيام.
وأفاد المرصد الحقوقي بأن أكثر من 15500 طفل أصيبوا بجروح مختلفة، توصف حالة عشرات منهم بالحرجة فيما تعرض عشرات آخرين لحالات بتر لأطرافهم فضلا عن تعرض مئات لحروق شديدة في مناطق متفرقة من أجسادهم.
وأبرز أن تقديراته بأن ما يقارب من 17 إلى 18 ألف طفل فلسطيني في قطاع غزة باتوا أيتاما جراء استشهاد أحد أو كلا والديهم، بينما أكثر من 450 ألف منهم دمرت أو تضررت منازلهم ما يجعلهم من دون مأوى.
ونبه إلى أن مئات ألاف الأطفال بات مستقبلهم مجهولا مع انقطاعهم المستمر عن التعليم في كل المراحل الدراسية وتدمير وتضرر أكثر من 214 مدرسة في مختلف أنحاء قطاع غزة بفعل الهجمات الإسرائيلية.
وشدد الأورومتوسطي على أن أطفال غزة يجدون أنفسهم ضحايا هجمات عشوائية تشنها إسرائيل بلا هوداه للشهر الثاني على التوالي بهدف القتل العمد وسط حرب مرعبة والكثير منهم بلا مأوى ويفتقرون إلى الغذاء ومياه الشرب المأمونة، أو أجبروا على الفرار جنوب قطاع غزة تحت النار، مما زاد من حدة الصدمات التي يتعرضون لها.
وأشار إلى أن الصحة النفسية لأطفال غزة دون سن 18 عاما، والذين يشكلون 4.7% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، في أزمة منذ سنوات طويلة، و4 من كل 5 أطفال كانوا يقولون قبل الحرب الحالية إنهم يعانون من الاكتئاب أو الحزن أو الخوف وهو تدهور حاد مقارنة بدراسات سابقة.
ونبه الأورومتوسطي إلى حدة الصدمات التي يعانيها الأطفال في غزة إثر إجبار عشرات آلاف منهم إلى النزوح دون وجهة إلى وسط وجنوب القطاع، حيث قتل بعضهم خلال عبورهم طريق الممر الذي حدده الجيش الإسرائيلي فيما يصل من يتمكن من النجاة مرهقون وعطشى وبحالة فزع ورعب شديدين.
وأشار إلى أن التقديرات تظهر أن أكثر من 1.5 مليون شخص في غزة قد أصبحوا نازحين داخلياً يقيمون مع أطفالهم في مراكز غير مخصصة أو مناسبة للإيواء وسط اكتظاظ هائل.
وبين أنه في المتوسط، يتشارك 170 إلى 200 شخص على الأقل في مرحاض واحد وهناك وحدة استحمام واحدة لكل 700 شخص.
وأكد أن الظروف الصحية المتدهورة، تؤدي إلى جانب الافتقار إلى الخصوصية والمساحة، إلى مخاطر على الصحة والسلامة.
وأشار إلى أن آلاف الأطفال عانوا من خطر الانتشار السريع للأمراض المعدية والالتهابات البكتيرية بسبب نقص المياه الصالحة للشرب وما يرتبط بذلك من استهلاك المياه الملوثة فضلا عن انعدام الأمن الغذائي.
وأضاف: حدث ذلك وسط توقف عمل 21 من أصل 35 مستشفى وعشرات مراكز الرعاية الأولية في قطاع غزة بفعل هجمات إسرائيل ونفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات بما يحمله ذلك من تأثيرات بالغة على صحة الأطفال وتوقف خدمات التطعيم المجدولة لهم.
وأبرز الأورومتوسطي أن أغلب الأطفال في قطاع غزة يعتاشون حاليا على وجبة طعام واحدة يوميا وسط نفاد الخبز ومؤشرات على آليات تكيف سلبية بسبب ندرة الغذاء، بما في ذلك استخدام أساليب غير آمنة وغير صحية لإشعال النار بهدف الطهي.
ورصد فريق الأورومتوسطي أن الكثير من المواد الغذائية الأساسية لصحة الأطفال مثل الأرز والبقول والزيوت النباتية نفدت بشكل كبير من الأسواق المحلية، واختفت مواد أخرى، بما في ذلك دقيق القمح ومنتجات الألبان والبيض.
وجدد المرصد الأورومتوسطي مطالبته أطراف المجتمع الدولي بالتحرك العاجل والفوري لوقف تحويل إسرائيل قطاع غزة إلى مقبرة فعلية للأطفال وتوفير الحماية لهم وإنهاء حالة ازدواجية المعايير الصارخة التي تسيطر على مواقفه.
وشدد على أنه ينبغي محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الصريحة للقانون الدولي الإنساني في قتل واستهداف الأطفال الفلسطينيين وتجاهل احتياجاتهم الخاصة للمساعدة الطبية والغذاء والمأوى والملبس المعترف بها في اتفاقيات جنيف وبروتوكوليهما لعام 1977.