إصرار وصمود مؤيدي الشرعية كفيل بإنفاذ إرادة الأمة أجرى الحوار: فجر عاطف صحصاح رحب د. أحمد رامي -القيادي في حزب الحرية والعدالة- بوثيقة المبادئ التي تم إطلاقها من "بروكسل" مطلع هذا الشهر، حيث ثمّن أية محاول لرأب الصدع الذي أحدثه الانقلاب بين القوى الثورية الحقيقية، كما دعا إلى إعادة التأكيد على مبادئ الخامس والعشرين من يناير، غير مستبعد حدوث التحام ثوري جديد يقض مضاجع الانقلاب، ويعيد المسار الديمقراطي من جديد.
وأضاف "رامي" في حديثه ل"الحرية والعدالة" أن استمرار الزخم الثوري على الأرض وفي القلب منه الشباب والطلاب والمرأة، كفيل –بإذن الله- بتغيير الأوضاع لصالح الأمة وإرادتها الحقيقية. وفي الإطار نفسه عقد "رامي مقارنة بين رغبة التنمية في سيناء التي كان يتبعها الرئيس محمد مرسي، وبين ما فعله الانقلاب من استثارة المخاوف الإقليمية لضمان دعم أمريكي مستمر له.
•ما توصيفكم للوضع الحالي في مصر ومَن من وجهة نظركم أهم القوى الفاعلة المساهمة في تشكيله؟ •الوضع الحالي يمكن أن نصفه في عدة نقاط؛ الأولى محلية وهي السعي للانعتاق من نظام حَكم مصر 60 عاما واتسم بالفساد والاستبداد، كما لم يقدم للبلاد أي شيء؛ بل أهدر الإمكانيات التي كانت حريًا بها أن تضعنا في مصاف الدول المتقدمة؛ مثل الأمم التى بدأت طريق نهضتها بالتزامن معنا عقب الحرب العالمية الثانية كألمانيا واليابان إبان التخلص من الاحتلال البريطاني، ومن ناحية أخرى فالوضع ما هو إلا مواجهة بين ثورة يناير والثورة المضادة بكل ما تعنيه الكلمة، أما إقليميا فهو مواجهة بين أنظمة حكم مستبدة ومرتعشة وبين أنظمة حكم ما زالت تتشكل بفعل ثورات الربيع العربي، ودوليا هو مواجهة بين امتلاك الأمة لإرادتها واستمرارها كما كانت على مدار 60 عاما مجرد تابع لقوى عالمية.
•هل توافق القول على أن الصراع الحالي بين إرادات جيش مسيطر وإرادات شعوب، أم أن الأمر أكبر من مستوى الجيش وتتحرك فيه قوى فاعلة غربية وصهيونية؟ -الحقيقة إن وجود القيادة العسكرية كطرف في الصراع لا يزيد عن كونه مظهرا له؛ أما الجوهر فهو صراع تحرر وتحرير لإرادة الأمة، وبالقطع يقف دون ذلك محليا كل الأطراف المستفيدة من النظام الذي نشأ عقب 23 يوليو؛ ويناصرهم دوليا حلفاؤهم الإقليميون والدوليون الذين اتفقوا معهم في المصلحة التي تدور حول سلب إرادة شعوب هذه المنطقة. وأعني بالقوى المستفيدة هو كل من تمتع بنفوذ سياسي عبر تزوير إرادة الأمة أو تزييف وعيها، وكل من تحصل على مكتسبات مالية أو أدبية من دون وجه حق، مثل أن يشغل منصبا كان هناك من هو أولى منه لكفاءته، وكل من حصل على أموال من قوت هذا الشعب دون وجه حق، ورغم كل التصنيفات السابقة إلا أن كل أفراد هذه القوى مجتمعة لا يتجاوزون عشرات الآلاف، ولكن ما يجعل صوتهم عاليا، هو التوظيف لأدوات أخرى لتحقيق السيطرة على وعي الشعب وهي في الغالب أدوات تتعلق بتشكيل العقل من جهة كالإعلام والفن والقيادات الدينية التي حصلت على مكتسبات بالتوافق أو بالاتفاق مع نظام مبارك، وأدوات أخرى تتعلق بأجهزة القمع والقهر.
•هل توافق على توصيف الصراع على أنه عقيدي في الأساس؟ •الإجابة "نعم" من وجه و"لا" من وجه آخر؛ فهو عقيدي لأن منطلقنا هو الدفاع عن إرادة الأمة وهي الإرادة التي اعتقادنا أن تحريرها من أعظم القربات إلى الله تعالى؛ حتى يكون الإنسان حرا ليختار ما يريد دون قهر أو تسلط من أحد، ولقد تربينا على أن خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر؛ فهل هناك جور أوجب من القيام في مواجهته ولو بكلمة مما نراه الآن؟ ومن ناحية أخرى فالصراع ليس عقيدي بمعنى أننا لا نصنف مخالفينا أو حلفائنا على أسس عقيدية؛ فمن نعتز مثلا بأننا نشاركهم السيدة "نيفين ملك" والزميلين "رامي جان" و"مايكل سيدهم"، إلا أنه ومما يجدر الإشارة إليه أن الطرف الآخر خاصة في بعده الإقليمي والدولي أحيانا لا يُخفي أن منطلقه عقائدي في مواجهة مشروع إسلامي يراه خطرا على نفوذه، ولقد أدلى أكثر من سياسي صهيوني وكذلك "توني بلير"-رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- مؤخرا لتصريحات تؤكد أنهم ومثلما فعلوا منذ قرون عندما رفعوا الصليب ستارا لمخططاتهم الاستعمارية يكررون الأمر، الآن ونحن كامتداد حضاري لأسلافنا الذين تصدوا لهذه الحروب من منطلقات إيمانية، نفعل ذلك اليوم أيضا دونما الانزلاق لصراعات طائفية. كذلك لا يمكننا أن نغفل التصريحات الواضحة التي لا لبس فيها الصادرة من رموز الانقلاب حول عدم الاعتراف بهوية مصر الإسلامية، أو حديثهم أن ما تم كان للقضاء على تجربة حكم إسلامية حتى لا تنجح؛ إلا أننا ومن جهتنا ك"تحالف لدعم الشرعية" لا نستهدف أبدا إثارة أية صراعات عقيدية؛ بل ونعتز بشركائنا فنحن لا نريد سوى وطن يتسع للجميع في الوقت الذي يتكلم الطرف الآخر صراحة عن إقصائنا بل ويمارس ذلك على أرض الواقع.
•لماذا يتم دائما توجيه الاتهام لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان بالصراع من أجل السلطة؟ -هذا جزء من المواجهة الاعلامية لتغيير الصورة الذهنية المترسخة في وعى الجمهور عن الإخوان، وبالتالي حزب الحرية والعدالة؛ والغريب أن من يُروج لهذا الأمر هو من أشعل صراعا على السلطة ولكن بغير الطرق والأعراف الديمقراطية في الوقت الذي يحاول تزييف الوعي وإلقاء الاتهامات على التحرك المقاوم وكما قالوا "رمتني بدائها وانسلت". ومن ناحية أخرى فلو كان الأمر كذلك لقبل الإخوان التنازل عن بعض الأمور المبدئية مقابل الشراكة في الحكومة الانقلابية الأولى والتي عرض فيها قادة الانقلاب خلال اعتصام "رابعة العدوية" عددا من الحقائب على الحزب، وبعد ساعات من رفضنا لذلك كان قد تم اعتقال رئيس الحزب. كما أن هذا الاتهام غريب من جهة أخرى، فما دور الأحزاب السياسية؛ إذا لم تكن لديها برامج تريد تنفيذها إبان مشاركتها في السلطة؛ فهل المطلوب أحزاب "ديكورية" على غرار الهزل الذي يتم في مسرحية الانتخابات الرئاسية المزعومة الآن.
من ثوابتنا تحرر الأمة من التبعية •ما الثوابت التي يجب على مؤيدي الشرعية من وجهة نظركم عدم التنازل عنها أو إبداء أية مرونة عند مناقشتها؟ -الثوابت هي النقطة الحاكمة التي حال تحققها تفتح الأبواب لتحقيق كافة ما نريد، ولا أرى شيئا يتسم بذلك سوى أن تتحرر الأمة من التبعية وأن تُحترم إرادتها؛ وقد يعبر البعض عن ذلك بأشكال مختلفة إلا أنني أرى أن تلك النقاط هما لب الصراع الحالى والعديد مما يطالب به البعض هو انعكاس لفهمهم لمدلول امتلاك الأمة لإرادتها. ففي حديث الثوابت علينا أن نتمسك بالأهداف لا الوسائل فكل ما كان مما يتداول من وسائل لتحقيق أهداف ثورة يناير أو لتمكين الأمة من إنفاذ إرادتها، كل ذلك من الممكن أن يكون محل حوار داخل المعسكر الثوري وبين مكوناته وليس مع أي أطراف أخرى. •وما الأمور القابلة للمناقشة والأخذ والرد إذا حاولت القوى السياسية الائتلاف من جديد؟ -الحوار من حيث المبدأ أمر حتمي لا غنى عنه وعكسه من القطيعة استثناء كرس له المستبدون في سائر العصور حتى ينفردوا بفصيل دون آخر، فما لا يجب أن يكون حوله حوار هو الانتصار لثورة يناير ومدنية الدولة؛ أما كيفية تطبيق ذلك على الواقع فلا بأس أن نختلف حوله على أن يكون الحوار هو سبيلنا لإيجاد الحد الأدنى المشترك من التفاهم الذى بدونه ستنتصر الثورة المضادة؛ فتواصل أبناء الوطن يسبق تعاونهم فيما بينهم وهو السبيل الوحيد لانتزاع حقوقهم ممن سلبها محليا أو اقليميا.
•رحبت من قبل بمبادئ "بروكسل" ألا ترى فيها محاولة لمغازلة قوى ليبرالية تخلت عن الثورة منذ الانقلاب؟ -نعم رحبت بها لأني رأيتها -وما زالت- خطوة نحو الاصطفاف اللازم لإحداث تحول في موازين القوى ولا أعني هنا الوزن النسبي لأطراف بعينها إلا أن القدرة على الاتحاد في حد ذاتها مصدر قوة يضاف لإمكانات القوى التي تتعاون فيما بينها. كما أنى لم أرَ في هذه المبادئ أي انتقاص من الثوابت، بالإضافة إلى أن من أطلقوها أعلنوا ترحيبهم بالحوار والنقاش حولها. أي أنها ليست مقدسة وثابتة غير مسموح التعديل فيها؛ ولكنها بداية مبشرة لأمر حتمي وواجب، فعلينا حينما نحكم على أمر ما مثل هذا أن نناقش المضامين فإذا كانت محل اتفاق جزئي علينا بالحوار كذلك فعلينا أن نعظم قدر التوافق، فطالما أننا ننادي بثورة يناير فمن المفيد أن نسعى لجمع شمل القوى التي كانت معا حينها؛ وأعني في هذا المقام التنسيق أو الوحدة بين القطاع الأكبر في مصر، ولعل مشهد التنوع في القوى الثورية مطلوب في حد ذاته، خاصة أنه وسيلة لكسر العزلة السياسية التى فرضتها قوى الانقلاب على مكونات المعسكر الثوري لتنفرد بهم كيانا تلو الآخر.
مبادئ "بروكسل" خطوة نحو الاصطفاف •ولكن "بروكسل" لم تتحدث بشكل مباشر عن الشرعية وعن عودة الرئيس مرسي؟ -في هذا الإطار أكد "تحالف دعم الشرعية" استمراره بالمطالبة بعودة د.مرسي رئيسا شرعيا؛ إلا أنني أتفهم أن أتعاون مع من يسعى لعودة المسار الديمقراطي بشكل عام؛ وهذا لن يتم إلا بأن تقدم الأطراف المختلفة شراكة حقيقية على الأرض من الآن فيما يبذل من تضحيات وأن يكون هذا بناء على أرضية دستور 2012 أو حتى على خلفية طرح ثوري شامل يحقق مدنية الدولة وإنفاذ إرادة الأمة ولا يصادر على حق خيار فصيل ما لرئيسه عبر صناديق الانتخاب، في الوقت أيضا الذي يمكن أن تناقش معه أى اقتراحات مثل الانتخابات المبكرة بدعوى من د. مرسى أو ما يتم الاتفاق عليه عبر استفتاء شعبي وفقا لدستور 2012، أيضا ف د.مرسي وعودته يعد عنوانا لنجاح ثورة يناير وترسيخا لمدنية الدولة؛ ولذا فإنا نقبل وفق ما أبداه الرئيس مرسي من الأساس أن يشارك هو كجزء من أي حل يحقق ما يسعى إليه غالبية الشعب.
•وماذا رأيت في "بروكسل" من ميزات بخلاف محاولتها تجميع القوى الثورية؟ -اعلان المبادئ بالفعل هو حجر ألقي في ماء القطيعة السياسية بين مكونات تحالف ثوار 25 يناير الذي لا بد أن ندرك أن الثورة المضادة بدأت من 2011 في تفكيكه وعملت لذلك على مدار عامين؛ ولكي نسعى لإجهاض الثورة المضادة علينا أن نعود للحمة الحقيقية؛ وأعلم أن الكثير من الثائرين في الشوارع قد يكون له تحفظات على ذلك ولكن من باب الأمانة تقرير أن تحقيق أهدافنا يُلزمنا كما سيُلزم من يتفق معنا في هدف "إجهاض الثورة المضادة"؛ ذلك بأن نتعاون في الحد الأدنى المشترك بيننا وندع تعظيم الأدوار للممارسات على الأرض شريطة أن يبدأ الجميع من الآن بالشراكة على الأرض وما يستلزمه ذلك من تضحيات يدفعها كل فصيل وفقا لقدرته وإمكاناته. -وإذا كان البعض يتحدث عن أن "بروكسل" وثيقة لما بعد الانقلاب؛ في حين أن الشارع يريد حاليا وثيقة لكسر الانقلاب، فهو قول صحيح بالطبع ولكن منذ متى يُعلن في وسائل الإعلام عن كيفية اسقاط الانقلابات العسكرية أو الأنظمة المستبدة فهذا أمر غير وارد عقلا. كذلك فإذن البعض يلوم المبادئ وينعتها بأنها شديدة العمومية في حين أن هذا هو ما يجب أن تكون عليه إعلانات المبادئ، كما أن من أطلقوا الوثيقة أعلنوا قبولهم بالحوار حول ما ورد بها؛ وعلينا أن نقر حقيقة أن الوثيقة تسعى لشراكة بين جزء ممن شاركوا في تظاهرات 30 يونيو في حين أنهم يرفضون الانقلاب العسكري؛ لذلك فهي أوسع مما يعبر عنه تحالف دعم الشرعية، كما أن من أطلقوها لم يعلنوا أنفسهم بديلا عن التحالف. وأتفق مع الرأى القائل بأن الإعلان من الخارج يعد غير مناسب، إلا أن ذلك لا أراه تعويلا على الخارج كما أن هناك شركاء في إخراج هذا الإعلان من أساتذة علوم سياسية وسياسيين كان لهم الدور الأبرز من مصر لخروج الوثيقة، وقد يكون مما دفع لهذا الإجراء ما تم من إلغاء المؤتمر الأخير الذي أعلن عنه "تحالف دعم الشرعية" عقب إصدار مجلس حقوق الانسان المعين تقريره حول مذبحة رابعة؛ إلا أنني بالرغم من تفهمي لذلك أتحفظ عليه كما لا أقف عليه كثيرا لأن محتوى الوثيقة هو الأولى بالنقاش من شكل إخراجها. كما اتفق أيضا مع الرأى القائل أنه كان من الأفضل التجديد في الوجوه المتصدرة للمشهد؛ وأرى أن الأيام قد تحمل لنا أخبارا بذلك.
•بذكرك التقرير الصادم من مجلس "حقوق الإنسان" بحق "رابعة" ما شهادتك على ميدان رابعة، كيف كانت الحياة هناك؟ -قد لا يصدقنى الكثيرون إذا قلت إنني وإلى الآن أتهرب من أن أذكر مشاهد ومواقف بعينها حتى وأنا منفرد بنفسي؛ فالأمر أفدح وأعمق أثرا في النفس من كل ما يمكن أن يروى. فقد سرد كثيرون وسيستمرون في سردهم ربما لسنوات لبعض مواقف عن مدينة رابعة الفاضلة التي لا أبالغ وأؤكد أن ما حدث بحقها يوم مذبحة الإبادة الجماعية لم يحدث في كربلاء في التاريخ القديم ولا ذاع أن هتلر فعله باليهود في العصر الحديث فيما يعرف ب"الهولوكوست" وكما كان أثر هاتين المظلمتين عميق وعابر للتاريخ (على اختلاف مصداقية كليهما عن الآخر) ف"رابعة" لن تقل أثرا عنهما. - بدأت المذبحة الكبرى وأنا عائد لمنزلي لتوصيل زوجتي وأبنائي بعد أن أمضينا ليلنا برابعة فعدت لتوى إبان المذبحة وحاولت الدخول من ناحية ميدان الساعة ومن ناحية مستشفى التأمين الصحي ومن ناحية عباس العقاد وفي كل مرة أفشل نظرا لإحكام الحصار حول الميدان، وهنا أؤكد كذب ادعاء وجود ممر آمن لخروج من الميدان؛ كذلك فقد رأيت منع إعلاميين مصريين وأجانب في حين تم اصطحاب إعلاميين آخرين في رفقة القوات التي نفذت المذبحة ربما لتصوير بعض المشاهد لبثها. -وبخلاف هذا اليوم الدامي فسأقف هنا عند بعض المشاهد الثابتة أمام عيني والتي لا تريد أن تغادرها، وفي قلبي لا تريد أن تبرحه؛ أتذكر مثلا يوم مذبحة الحرس الجمهوري وأنا أهمّ بالدخول للمستشفى الميداني والدماء تُنزح بالماسحات من على الأرض كما تنزح دماء الخراف، ووقع في روعي وقتها أنه لهذا كانت ماكينتهم الإعلامية تنعتنا بهذا الوصف "خراف" حتى تهون دماؤنا على بني جلدتنا، كذلك أتذكر رؤيتي للطائرات وأنا أقف في ميدان الساعة-يوم مذبحة الفض- لا أستطع الوصول للميدان حيث رأيت طائرات الجيش -الذي خدمت فيه من قبل- تقنص إخواني ورأيت المسجد يحترق على إثر إلقاء تلك القذائف عليه. ولا أنسى أنه وقبل مذبحة الفض بيومين كانت أول مرة أرى فيها "أسماء البلتاجي" وهي تجلس مع والدها والأسرة، وعلى ما أتذكر كانت تعاتبه لأنها لا تستطيع أن تشبع نفسها منه لانشغاله أثناء جلوسهم معا فإذا به يقول لها: "في الجنة إن شاء الله". وأتذكر يوم مذبحة الحرس والأخت الصحفية "هبة زكريا" توزع الحلوى بمناسبة استشهاد أبطالنا؛ بشارة زفافهم على الحور العين؛ كذلك أتذكر عزاء أسر الشهداء وإذا بخنساء الاسماعيلية والدة الشهيدين "علي وعبد الرحمن"؛ وقد كان الأول قد استشهد بالفعل؛ رأيتها تثبت من حولها وتواسيهم وتقسم على الله أن يلحق ابنها الثاني شهيدا بأخيه فكان لها ما أرادت لصدقها مع ربها.
فض "رابعة" يفوق كربلاء والهولوكوست •فما ردك إذن على التقارير الحقوقية التي صدرت من مصر بشأن تلك المذابح؟ كلمة واحدة أعبر بها "مأساة حقوقية".. ويحضرني هنا موقف ل "محمد فايق" -رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان المعين!- وهو أننا كنا قبيل الانقلاب نظمنا مؤتمرا للتضامن مع القدس ضمن فعالية المسيرة العالمية للقدس، وكان تدشين الفعالية تم في بهو جامعة الدول العربية دون أن يحضر "محمد فايق" اعتراضا منه على الحضور في منظمة تمثل النظام العربي؛ فإذا به يقبل أن يعين من قبل سلطة انقلابية لا تكرس لأية ديمقراطية.
•هل تتوقع انفجار الأوضاع لصالح إنتاج عنف شديد على غرار تجربة الجزائر وسوريا؟ -قولا واحدا "لا"؛ فلقد كان هذا الأمر أكثر احتمالية عقب الانتهاكات غير المسبوقة بحق الأبرياء من أنصار تحالف دعم الشرعية وكلما مر الوقت قلت تلك الاحتمالية.
•كيف كان حزب الحرية والعدالة يتعامل مع ملف سيناء بالذات في مقابل التعامل الانقلابي الحالي؟ سأكتفي بذكر بعض الواقف الكاشفة عن هذه السياسات؛ فلأول مرة منذ تحرير سيناء كاملة يزور رئيس مصر العريش ويكرر الزيارة في ذات العام، وهو ما يمثل مغزى سياسيا عن إنهاء عزلتها عن الوادي وعن الإدارة المصرية، كذلك في عيد تحرير سيناء-إبان العام من حكم الرئيس مرسي- اتخذ الأمر شكلا مختلفا فتم وضع حجر أساس لجامعة حكومية لأول مرة في تاريخ سيناء وكذلك تم وضح حجر الأساس لمدينة مليونية لجلب كثافة سكانية ترسيخا للأمن المصري عبر تعمير سيناء؛ وهو ما لم يقدم عليه النظام سابقا رغم مرور عقود على عودة سيناء، وكذلك تم تخصيص مبلغ 4.5 مليار من ميزانية الدولة لتنمية سيناء على أن يكلف الجيش بتنفيذ هذه الخطة التنموية؛ كذلك ولأول مرة تدخل أسلحة ثقيلة للمنطقة "ج" بسيناء لبسط سيادة مصرية حقيقية على كامل ترابها، أيضا لأول مرة يتم التعامل السياسي بجوار الأمني عند حدوث عملية اختطاف جنودنا في سيناء ما أسفر عن تحريرهم، وهو ما يعكس تحولا في طريقة التعاطي مع ملف سيناء بحيث صار ثلاثي الأبعاد وفقا لما أسلفنا. أما في ظل الانقلاب فهناك توظيف سياسي للوضع هناك؛ فلكي يحصل النظام الحالي -الانقلابي- على دعم إقليمي عليه أن يُشعر الكيان الصهيوني -كقوة إقليمية- بأن هناك خطرا يتهدده وأن النظام الانقلابي دون غيره هو الذي يستطيع السيطرة عليه. وأيضا لكي تستمر المساعدات الأمريكية والمعونة لا بد أن يظل مشهد سيناء ملتهبا ولا بد أن تستمر العمليات في سيناء ولعل هذا ما نقرأه من استحسان الإدارة الامريكية لذلك وهي تصدر قرارها بعودة المساعدات العسكرية منوهة إلى دور الجيش المصري في سيناء وأهمية ما قالت عنه إنه "مواجهة للإرهاب" فيها بل وكانت أكثر صراحة حين قالت إن ذلك "يصب في مصلحة إسرائيل".
•هل تتوقع تكوين جبهة إسلامية قوية في المنطقة العربية قريبا متحالفة مع تركيا بحيث تتفكك منظومة الشرق الأوسط الجديد التي تبنيها أمريكا لصالح منظومة أخرى تخرج عن هذا السياق المعد مسبقا؟ -الحسابات الإقليمية والعلاقات الدولية بين الدول أكثر تعقيدا من هذا؛ فبالرغم من طبيعة نشأة "أردوغان" من رحم تجربة إسلامية بل ومرتبطة بجماعة الإخوان؛ إلا أن المعادلة التركية الساعية لتحقيق مكاسب لتركيا الدولة لا تسمح ل"أردوغان" ببناء تحالفات على أسس أيديولوجية؛ لذلك -فمن جانبي أرى على سبيل المثال- أن الموقف التركي من الانقلاب في مصر ليس لكون إسلاميون كانوا في سدة الحكم؛ بل لثلاثة أسباب؛ الأول أن نظام مرسي خلال عام أصبح أكثر توجها لكسر الحصار الإقليمي الذي كان يُفرض عليه من دول عربية عبر فتح مسارات جديدة للعلاقات الدولية كان من بينها إقليميا تركياوإيران؛ فأما تركيا فحاولت توظيف تلك العلاقة وترسيخها على أساس من التعاون الذي يحقق المصالح المشتركة للبلدين؛ فكان زيادة استثمارات تركيا في مصر، أما إيران فيبدو أن هاجس وجود إسلاميين على رأس منظومة الحكم في مصر أثار قلقهم فبدوا حينا غير متعاونين، وكانوا من أسرع الدول ترحيبا بما حدث في 30 يونيو، وبدا أن القوى المصرية ذات العلاقات بهم كالشيعة والطرق الصوفية من المشاركين في 30 يونيو، بعد أن ساندوا من قبل الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة. الأمر الثاني في أسباب الدعم التركي؛ أنه لا ينبغي لنا أن ننسى معاناة تركيا عامة وإسلامييها بل وحزب الرفاة الذي نشأ من رحمه تجربة أردوغان؛ مما جعل موقفهم مما جرى في مصر يبدو مبدئيا كرفض لمنطق الانقلابات عامة كما يبدو أيضا "براجماتيا" خوفا من عودة زمن الانقلابات من جديد؛ وثالثا فقد تزامنت محاولات إجهاض النظام في مصر بعد ثورة يناير مع محاولات إقليمية في كل من غزة للإطاحة بحماس وتونس للإطاحة بالنهضة وتركيا في مظاهرات تقسيم غير المسبوقة خلال حكم أردوغان؛ فضلا عما يجرى في ليبيا فيما بدا أنه تحرك إقليمي أو دولي -لا أقول لمواجهة تحالف قائم بالفعل- ولكن لإجهاض السعي لتكوينه من الأساس؛ لذلك فالحديث عن تحالف بين حكومات تلك الدول مرتبط بالأساس بأن تتولى بالفعل فيها أنظمة عبر صناديق الانتخابات بما يجعل ولاءها لشعوبها ولتحقيق مصالحها؛ أي أن الطريق لتكوين هذا التحالف يمر عبر ترسيخ الديمقراطية في تلك الدول، ومن جهة أخرى فحينما تأتي أنظمة ديمقراطية ستكون تلقائيا متسقة مع مجتمعاتها حضارة وتاريخا بما يجعلها تتجاوب مع حكومات وأنظمة أخرى لا تعادي الإسلام الدين والحضارة على أقل تقدير؛ مما يمكن المجتمع وقتها أفرادا وجماعات من القيام بدورهم في إثراء الحياة العامة وفقا لرؤاهم وقيمهم ومفاهيمهم الحضارية، ويقدمون للعالم نموذجا في حكم إسلامي رشيد.
وما مصير الكيان الصهيوني إذا نجح هذا التحالف؟ - مصير الكيان الصهيوني أمر محسوم؛ والقضية فقط وقت؛ ونحن لا نتعجل الأمر فالمواجهة عميقة بعمق التاريخ وممتدة مع الحلف الغربي الصهيوني الذي اختار الكيان الصهيوني كرأس حربة لتحقيق أهدافه في المنطقة، عبر استنزاف مقدراتها ووضعها دائما في وضعية من يطلب الحماية؛ فيتم تقديم قائمة طلبات سياسية واقتصادية مقابل توفير تلك الحماية -وهذا الأمر الأخير قد يستخدمه الغرب أيضا فيما بين دول المنطقة بعضها البعض كما يفعل بين إيران والخليج مثلا- إلا أن المدهش -نظرا لوجود أنظمة استبدادية تكتسب القدرة على الاستمرار بمدى ما تلقاه من دعم غربي ورضا صهيوني- أن أصبحت هذه الأنظمة لا ترى بأسا في تنسيق تحركاتها مع الكيان الصهيوني؛ بل ونرى الأخير يسعى لجلب دعم دولى لبعضها كما حدث مؤخرا مع مصر بعد 30 يونيو. وأعود فأكرر أن زوال الكيان الصهيوني سنة كونية ووعد من الله؛ يتم تحقيقه متى تحققت شروطه، ومتى احترمنا النواميس الكونية واستعنا ببعضها على بعض دون مهادنة تُنسي حتمية المواجهة يوما ما، أو حتمية تستعجل الصراع ليتم إجهاض مقدرات الأمة قبل اكتمالها بما يؤهلها للنصر، مع الإيمان بكل منطلقات تلك المواجهة فهي بالأساس مواجهة حضارية مع مشروع غربي صهيو-أمريكي له تجليات أبرزها التجلي العسكري عبر احتلال فلسطين.
حراك المرأة والشباب والطلاب ثمرة التربية •كيف تصف حراك المرأة والشباب والطلاب في الشارع منذ الانقلاب وإلى الآن؟ وماذا يعني هذا الحراك؟ -حراك المرأة جاء ليفند المزاعم الكاذبة فيما يخص المرأة المصرية عامة والإسلامية خاصة، فها هي -لا أقول تدعم الرجل الأب والزوج والأخ والابن في صمودهم- بل بالإضافة لذلك تقدم مثلما يقدمون؛ وما ذلك إلا ثمرة لتربية على قيم ومفاهيم تلقتها من معين تربوي سواء عام من موروثات سائدة في المجتمع غير تلك التي يطنطن بها دعاة المساواة بالرجل، والنخبة التي تتكسب من ادعاء ممارستها للعمل النسوي في مصر؛ لتقدم المرأة البسيطة النموذج الأروع في الاهتمام بالشأن العام، بل إن صمود المرأة جاء أيضا ليفسر لنا الصمود الأسطوري للشباب؛ وذلك لأنهم تربوا على القيم التي زرعتها فيهم مثل هؤلاء الأمهات من الزود عن الحق. ولعل مما أسهم في ذلك أيضا ما عركته من خبرات طوال سنوات القهر والظلم من 1952 حتى الآن؛ خلال مداهمات المنازل وخلال زياراتها لذويها في المعتقلات، واطلاعها على ما يعانونه، ما جعلها مدركة ماذا يعني عودة دولة الظلم للسيطرة على مقاليد الأمور. -وما قلناه عن المرأة يصدق أيضا في حق الطلاب عامة؛ فلأنهم مستقبل هذا الوطن ولأنهم سيعيشون فيه أكثر من آبائهم أصبحوا يدافعون عن حقهم في الحلم بوطن حر، أما طلاب الأزهر فلترسخ الهوية الإسلامية في مكونهم الفكري وما يحمله من قيم الانحياز للحق والوقوف في وجه الطغيان، لذلك يقدمون في مثل تلك المواقف ولا يبالون بثمن. فهؤلاء الشباب بشكل عام هم الذين حلموا بعد يناير 2011 بمستقبل لمصر يحصلون فيه على حقوقهم دونما تمييز وعلى العيش بكرامة، هم الذين عانوا من عدم قدرتهم على الحصول على وظائف في بعض الجهات على غير الأسس الموضوعية إما لقوانين فاسدة أو لسيادة المحسوبية، هؤلاء الشباب أيضا هم من شاهدوا زملاءهم يدفعون الثمن من حياتهم من أجل أن ينعموا هم بحياة جديرين بها؛ ولذا فلمّا رأوا من يصادر حقهم في هذه الحياة لم يتأخروا عن بذل حتى حياتهم نفسها من أجل أن تُكتب لهم الحياة الحقيقية بكرامة في الدنيا أو في دار الكرامة عند ربهم، ولأن الانقلابات بطبيعتها تفرض سطوتها وتعادى ما عليه الأمة من منظومة قيمية، ولأنها كذلك ليست تعبيرا عن إرادة الأمة وبالتالي تتخاصم أو تتصادم مع قيمها لذلك كان صدامهم مع الأزهر -بالذات- أكثر من غيره ومع الشباب أكثر من غيرهم.
•ما السيناريو الذي تتوقعه بشدة في الأيام القادمة؟ -نحن الآن بين نظام انقلابي غير قادر على انهاء الحراك رغم ما يستخدمه من مصادرة للحقوق والحريات بل ومصادرة حق الحياة نفسه. وبين حراك غير قابل للهزيمة إلا أنه الآن غير قادر على الحسم ومآلات الأمور ستكون حسب قدرة كلا الطرفين على الصمود لوقت أطول وعلى التأقلم مع ما يمارس بحقه من الطرف الآخر؛ وأعني بالتأقلم ليس مجرد الصبر، بل أن يستمر في السعي لتحقيق أهدافه متحملا ومتخطيا العقبات، وأتوقع أن يستمر الحراك الحالي حتى يبلغ مبتغاه فمن قدم ما مضى من تضحيات لن يستكثر المزيد من البذل من أجل الوصول لهدفه. ويحضرني مثل إنجليزي (nothing like persistance) أي لا شيء يشبه الإصرار أو يصمد أمامه، هذا بخصوص الحراك بصورة مباشرة، أما عن مستقبل مصر والمنطقة فهو محسوم لصالح الأمة ومن ينطلقون من منطلقاتها وينحازون لمصالحها لا من ارتبطوا بأي أطراف خارجية؛ وشاهدي على ذلك هو انخراط الشباب أكثر من غيرهم في المشاركة من أجل تمكين الأمة من فرض إرادتها؛ وكما قالوا:"قل لي أين الشباب أقل لك أين المستقبل"، وهنا فقد حدد الشباب انحيازاتهم وقضى الأمر. أما في الطرف الآخر فأتوقع مزيد من انكشاف سوءاته وعجزه أمام الشعب، مما لا أقول سيجعل من تحالفوا معه ينقلبون عليه بل على الأغلب أنهم سيلزمون الحياد، وحينها ستتغير المعادلة بما يقربنا خطوات للأمام؛ كل ذلك شرطه -بالطبع- توفيق المولى عز وجل والتوكل عليه لتحقيق الاستمرارية والمثابرة.