بات غذاء المصريين في مهب رياح العشوائية والجهل الذي يسيطر على عقول عسكر الانقلاب الحاكمين للمصريين بالكرباج والدبابة، بلا فقه لإدارة الحياة المدنية وأساليب التعاطي مع الأزمات أو إدارة دولاب العمل الحكومي بالمرة. وهو ما عايشه المصريون خلال الشهور الماضية، حيث ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار الأرز والسكر والأقماح، سواء خلال مواسم الحصاد أو طوال العام ، وسط إصرار على محاربة المزارعين في أقواتهم من جانب، وتعطيش السوق المحلي ورفع الأسعار على المواطنين. فقد ارتفعت أسعار البصل في الأسواق لتصل إلى 15 جنيها للكيلو، مقارنة بجنيهين ونصف في هذا التوقيت من العام الماضي، ما فسرته المصادر بزيادة معدلات تصدير المحصول إلى أسواق مختلفة، فضلا عن انخفاض المساحات المزروعة بالبصل هذا العام مقارنة بالعام السابق. واستغلت مصر النقص العالمي في محصول البصل الناتج عن أسباب مختلفة، لتبدأ في ملء جزء من هذه الفجوة بمحصولها المحلي، مما قلل حجم المعروض، ونتج عن ذلك ارتفاع أسعاره محليا، ما اعتبره البعض تعويضا للمزارعين في مصر عن خسائرهم خلال العامين الماضيين. ووفق بيانات صادرة عن الحجر الزراعي، فإن صادرات البصل من يناير حتى أغسطس 2022، بلغت نحو 280 ألف طن، فيما تبلغ سنويا نحو نصف مليون طن، من أصل ثلاثة ملايين طن تنتجها مصر على مساحة تقدر ب200 ألف فدان، عبر ثلاث عروات تبدأ في ديسمبر وتنتهي في مايو. اجتاحت باكستانوالهند، اللتان تعدان من أهم الدول المصدرة للبصل، فيضانات ضخمة العام الماضي، دمرت محصول البصل ضمن محاصيل أخرى، ما دفع الهند لحظر تصديره، فيما بدأت باكستان في استيراده من عدة دول من ضمنها مصر. وبالمثل أوكرانيا التي تعد أحد منتجي البصل الأساسيين في أوروبا، فقد تضرر إنتاجها بشدة بفعل الغزو الروسي، فيما تضرر المحصول الروسي بفعل موجات الصقيع. ساهمت هذه الظروف الطبيعية والبشرية في تمهيد الطريق لمصر للدخول إلى أسواق أوروبا وآسيا والدول العربية دون قيود أو شروط معقدة كالمعتاد. ووفق خبراء زراعيين، فإن النقص الحاد في السوق العالمي جعل المستوردين يتغاضون عن بعض العيوب بالمنتج الزراعي، لم يسمحوا بها في الظروف الطبيعية في ظل توافر المعروض عالميا. عامل آخر ساهم في زيادة معدلات التصدير، وهو الاستثمار مؤخرا في مصانع تجميد البصل محليا، ما يحافظ على المحصول لمدد صلاحية أطول مقارنة بالبصل الطازج، الذي عادة ما يفسد نصفه خلال التصدير، تراجع المساحة ووفق نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، تعود الأزمة، إلى انخفاض المساحة المزروعة بمحصول البصل هذا العام بنسبة كبيرة مقارنة بالموسم الذي سبقه، وذلك بعد عزوف الفلاحين عن زراعته الموسم الأخير، بعدما انخفض سعر البصل العام الماضي بنسبة كبيرة، ما تسبب في خسائر للمزارعين. وكان أبو صدام قال في وقت سابق، إن "أزمات البصل تتكرر بشكل دوري وفي محاصيل متعددة، نظرا لغياب دور وزارة الزراعة في تنظيم العملية الزراعية، «فيه سنة التصدير يزيد، وسعر البصل يعلو في السوق المحلي، السنة اللي بعدها المزارعون كلهم يزرعوه، والسوق يغرق، وبالتالي السعر يقل، السنة اللي بعدها محدش يزرع بصل خالص والسعر يعلى، وهكذا». غياب دور الحكومة له مخاطر أكثر يشير إليها المصدر بقطاع التصدير، وهو أن استمرار النجاح الاستثنائي لتصدير البصل غير مضمون، في ظل غياب أي خطط حكومية أو بيانات استرشادية للمزارعين والمصدرين حول حجم الاحتياج المحلي أو العالمي. ومع عشوائية النظام المصري وعدم قدرته على تتقديم خطط زراعية فاعلة ومتناغمة مع الظروف المحلية والدولية، تتفاقم أزمات المواطن المصري، الذي يواجه غلاء الغذاء والدواجن والأجبان واللحوم والسمك والزيوت والبقوليات وكافة لوازم المعيشة، وسط تجاهل من النظام الذي تخلى عن مسئولياته المجتمعية وترك المواطن ليحل مشاكله بنفسه، دون دعم أو حتى توجيه من أحد.