الملاحظة الأولى على صفقة إسناد إدارة حديقة حيوانات الجيزة لتحالف ثلاثي يضم شركة إماراتية عملاقة، هو أن الحقائق تؤكد الحديقة تحقق أرباحا قليلة رغم تردي الأوضاع بها. فالإيرادات السنوية الكلية للحديقة من 2018 وحتى عام 2021 تراوحت بين 35 إلى 38 مليون جنيه سنويًا، وهي إيرادات تذاكر الدخول وحق إيجارات الكافيهات والمتاجر داخل الحديقة، وتأجير مطاعم كجزيرة الشاي.. وغيرها. ومن بين هذه الإيرادات، كان إيراد التذاكر السنوي فقط يمثل ما بين 12 إلى 14 مليون جنيه. وفي نهاية كل عام يتم إرسال الإيرادات كاملة لوزارة المالية. وتحصل الحديقة على موازنة سنوية قدرها من 20 إلى 22 مليون جنيه سواء كأجور الأطباء والعمالة موازنة إطعام وعلاج الحيوانات، وهو ما يعني وجود فائض سنوي في موازنة الحديقة يدخل وزارة المالية». الملاحظة الثانية، أن الوضع بالحديقة بدأ في التدهور منذ سنة 2013م؛ (بداية اغتصاب السيسي السلطة بانقلاب عسكري)؛ حيث تفاقمت الأزمة، وترفض وزارة المالية تحمل تكلفة استيراد الحيوانات من الخارج، ومنذ ذلك التوقيت تعتمد الحديقة على نظام المبادلة، سواء مع حدائق حيوانات رسمية أو خاصة في جنوب إفريقيا أو الهند، حيوانات مقابل حيوانات، لكن مع ارتفاع السعر التقديري للحيوانات، وعدم وجود موارد كافية ضمن موازنة الوزارة للاستيراد، أصبحت المبادلة في أضيق الحدود، وعليه مع توالي نفوق الحيوانات وقلة المبادلة تراجعت الحديقة بشكل كبير» حسب مصدر بالحديقة لموقع "مدى مصر". وكان ماجد السرتي، رئيس شركة الإنتاج الحربي للاستشارات الهندسية، كشف، أن مدة المشروع 18 شهرًا، وستكون هناك محاولة لضغط المدة إلى 12 شهرًا فقط من بداية استلام الحديقة، مشيرًا إلى أنه سيتم نقل الحيوانات أثناء عملية التطوير للأماكن المخصصة، وقد يتم غلق الحديقة في بعض الأوقات إذا لم الأمر. الملاحظة الثالثة، أن حكومة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي تجاهلت إجراء أى حوار مجتمعى بشأن تطوير حديقة الحيوان، وتركت لبعض المسئولين المرتبطين بإدارة الحديقة أو على صلة بتطويرها، الرد على مخاوف المواطنين على مواقع السوشيال ميديا بعدما تم تأميم الفضائيات والصحف لحساب السلطة وأجندتها السياسية وباتت معبرة عن الحكومة لا الناس. كما غابت الشفافية عن الصفقة وهو سلوك معتاد من نظام السيسي والجنرالات عموما منذ تأسيس دولة الضباط في يوليو 1952م. فأمام التساؤلات الملحة من المواطنين، خرجت وزارة الزراعة، فى بيان، نفت فيه بيع حديقتى الحيوان والأرومان، وراحت تبرر دوافع ما وصفته بالتطوير مثل إهمال الحديقة خلال العقود الماضية، وخروجها من التصنيف العالمى لحدائق الحيوان منذ عام 2004، وذكرت أن الجهة المطورة ستقوم بإنفاق مليار جنيه مقابل حصولها على حق الانتفاع للحديقتين بمقابل سنوى. واللافت أن بيان وزارة الزراعة وتصريحات المسئولين لم تكشف شيئا يستحق الذكر. وزادت الغموض بشأن الصفقة المشبوهة. الملاحظة الرابعة، أنه لا أحد ضد عمليات التطوير إذا كانت في صالح الدولة والمجتمع ويسمح للناس بالاستمتاع ببلادهم بأسعار معقولة لا تفوق قدراتهم المالية. لكن عملية التطوير المرتقبة بناء على ما يتم تسريبه عن الصفقة تؤكد أن المواطنين البسطاء هم سيدفعون ثمن هذه الصفقة الحرام؛ فالمستثمرون الأجانب ين يضخوا الأموالهم حبا في سواد عيوننا؛ بل هم يريدون المكاسب والأرباح؛ وبالتالي فإن تكلفة دخول الحديقة (حاليا نحو 5 جنيهات فقط باستثناء الثلاثاء فقط 50 جنيها) سوف يرتفع إلى مستويات تفوق قدرات غالبية المصريين لا سيما وأن السياسات الاقتصادية والنقدية للنظام، وإذعانه لشروط وإملاءات صندوق النقد دفعت عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر. الملاحظة الخامسة، هي مخاوف المواطنين من عدم التزام الشركات المستثمرة بالحفاظ على الشكل التراثي للحديقة والذي يعتبر بحد ذاته ثروة يجب الحفاظ عليها؛ فالناس لا تدري إلى أي مدى ستلتزم الجهات المطورة بعدم المساس بما تحتويه الحديقة من أسوار وأقفاص حديدية هى أعمال فنية لا تقدر بثمن وليس مجرد أسياخ من الحديد. كذلك المخاوف من عدم التزام المستثمرين الإماراتيين بالتعهدات التي وردت في بيان وزارة الزراعة وتصريحات بعض المسئولين بحكومة الانقلاب حول الحفاظ على كل ما هو تاريخى وأثرى مثل بيوت الضباع والفيلة والسباع وأكشاك الطيور، وحتى أوراق الشجر. الملاحظة السادسة، أنه يزيد من أوجاعنا أننا نشاهد وطننا يباع في سوق النخاسة ونحن عاجزون عن الدفاع عن الدفاع عنه أمام مافيا تسلطت على البلد وعلى ناسه وشعبه وهويته وحضارته، فدمرته شر تدمير وتركته يئن من كثرة الآلام والطعنات الغادرة. ويزيد الأوجاع في صفقة حديقة حيوان الجيزة لتحالف ثلاثي يضم شركة إماراتية أن هذه الحديقة التي تبلغ نحو 80 فدانا في قلب الجيزة بالقرب من النيل، والتي أنشأها الخديوي إسماعيل وتم افتتاحها بعده سنة 1891 كانت تسمى «جوهرة التاج لحدائق الحيوان في إفريقيا»، هى واحدة من أعرق أربع حدائق حيوان على مستوى العالم وفق تاريخ النشأة مع حدائق فيينا وباريس ولندن، حيث تعرض الثدييات والطيور والزواحف بأنواعها المختلفة. وحسب موقع الخريطة الرقمية لحديقة حيوان الجيزة، تعد الحديقة معرضا كبيرا للعديد من الآثار التاريخية وبينها الجبلايات الشهيرة. الملاحظة السابعة، أن الخلاصة التي انتهى إليها كل المصريين من هذه الصفقة الحرام هي أن نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي يبرهن بها على عجزه وفشله؛ فإذا كان النظام عاجزا عن إدارة حديقة حيوان بشكل اقتصادي صحيح يحافظ على حيواناتها ويرفع إيراداتها؛ فيكف يؤتمن على حكم دولة بحجم مصر؟! فكل شيء في مصر حاليا يؤكد أن نظام الجنرالات فشل فشلا ذريعا في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح؛ فتوكتوك المواطن (ثلاث العجلات) يكسب ويدر عليه دخلا يسنده في هذه الأيام السوداء؛ أما هيئة السكة الحديد التي تشرف عليها الحكومة وتضم مئات القطارات ويديرها عشرات اللواءات والجنرالات في مكاتب فخمة بديوان الوزارة والشركة؛ فتخسر كل سنة مليارات الجنيهات! شركات المواطنين الصغيرة تحت بير السلم أو غيره تحقق أرباحا مجزية لكن جميع الشركات والمصانع التي يديرها السيسي وحكومته تحقق خسائر طائلة تقدر بمئات المليارات كل سنة! ويتجه نظام السيسي نحو صفقة لإسناد إدارة حديقة الحيوان بالجيزة إلى تحالف ثلاثي الأطراف: طرفان حكوميان وآخر إماراتي، لمدة 25 عامًا، بهدف «تطوير الحديقة»، على أن يتم التوقيع الرسمي قبل منتصف يناير الجاري(23). الجانب الإماراتي سيكون ممثًلا في شركة Worldwide Zoo Consultants، وهي تحالف مقره الرئيسي في أبو ظبي، وقام بتأسيس ثلاث حدائق للحيوانات في أبو ظبي ودبي والعين، بجانب تطوير متنزهات للحيوانات في إثيوبيا وجنوب إفريقيا، في حين سيكون الطرفان الحكوميان الآخران هما شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية، ممثلة عن وزارة الإنتاج الحربي، وهيئة الخدمات البيطرية ممثلة عن وزارة الزراعة، حيث سيدير التحالف الثلاثي الحديقة لمدة 25 عامًا تبدأ من يناير 2023.