يرى مراقبون أن الانسحاب الأمريكي من مناطق الدول الإسلامية والعربية المتوقع إنهاؤه خلال الشهرين القادمين إنما هو لوجود البديل الذي أعدته تمويلا وتدريبا بولاية الإمارات على المنطقة ويتم ذلك باتفاق مسبق وبشكل متسارع منذ إعلان اتفاق التطبيع الذي بدا وكأنهم يسابقون لأمر كبير. فقبل يومين أعلن وزير الدفاع الأمريكي بالوكالة "كريستوفر ميلر" مخاطبا جنود الولاياتالمتحدة أنه "حان وقت العودة إلى الوطن والانسحاب من الشرق الأوسط". ورأى مراقبون الأمل القريب من أن ترامب يفعلها انتقامًا ونكايةً بالديمقراطيين قبل خروجه من البيت الأبيض، ولكن مراقبين آخرين يؤكدون أن أدوات أمريكا باتت –بحسب مكرهم وترتيبهم- جاهزة. المغتصبات الفلسطينية واعتبرت حركة المقاومة الإسلامية حماس، أن استقبال الإمارات، رئيس مجلس المغتصبات الصهيونية في الضفة الغربية، وعقد اتفاقات اقتصادية معه، يشكل دعما حقيقيا للنشاط الاستيطاني بالضفة. وأوضحت أن الزيارة والاتفاقيات التي عقدت مع الصهاينة من أبوظبي تؤكد التضليل الذي مارسته "عندما أعلنت أن هذه الاتفاقات تهدف إلى وقف مخطط الضم"! وبغض النظر عن اعتباره أن التصريف الإماراتي يضرب بعرض الحائط كل القرارات التي اتخذتها الجامعة العربية، والتي تتضمن مقاطعة الاستيطان بكل أشكاله. إلا أن الضرب لم يتوقف عند هذا الحد. الإمارات التوسعية إمارات ساحل عمان المتصالح، خرقت فضاءات كثرة حتى وصلت لضرب قرار آخر للجامعة العربية بإقامة مقر دبلوماسي في الصحراء المغربية مع حركة البوليساريو المدعومة إسبانيا وفرنسا وصهيونيا. واستدعى الموقف تصريحا جزائريا كاشفا، حيث اتهم عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، في منشور عبر حسابه على "فيسبوك" الإمارات بقيادة مشروع زعزعة استقرار منطقة المغرب العربي. وأفاد مقري وهو يعلق على أزمة معبر "الكركرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا، تحت عنوان "الإمارات في مدينة العيون.. أينما حلت الإمارات تعقدت الأزمات.. وسالت الدماء"، أنه "لا يجب أن نعتقد في الجزائر بأنه حين يحط حكام دولة الإمارات رحالهم في المغرب العربي، ويدخلون في مشكلة معقدة بين بلدين شقيقين جارين سيتفقان يوما ما"، في إشارة إلى الجزائر والمغرب. وأضاف: "هم (حكام الإمارات) أهون وأضعف من أن يقدروا على مواجهة الجزائر، إنما يفعلون ذلك ضمن مشروع صهيوني مسنود أمريكيا وفرنسيا لابتزاز الجزائر وإخضاعها". وتعرقل عناصر "البوليساريو"، مرور شاحنات مغربية عبر المعبر إلى موريتانيا، منذ 21 أكتوبر الماضي. وافتتحت الإمارات، في 4 نوفمبر الجاري، قنصلية عامة لها في مدينة العيون، كبرى مدن إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، كأول دولة عربية تقوم بهذه الخطوة. وأعلنت وزارة الخارجية المغربية، في بيان، الجمعة، تحرك بلادها لوقف ما سمته "الاستفزازات الخطيرة وغير المقبولة" لجبهة البوليساريو في "الكركرات". وأعلن الجيش المغربي، في بيان لاحق، أن المعبر "أصبح الآن مؤمّنا بشكل كامل" بعد إقامة حزام أمني يضمن تدفق السلع والأفراد. وأعلنت جبهة "البوليساريو" السبت، عدم التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه مع المغرب عام 1991، برعاية أممية، مصعدة الأزمة. ودعمت الإمارات في بيان لخارجية أبوظبي الجمعة، دعمها للتحرك الذي بدأه المغرب في معبر "الكركرات" الحدودي مع موريتانيا لوقف "استفزازات" جبهة "البوليساريو" هناك. حتى مع الأرمن والأحد، التقى محمد بن زايد ورئيس أرمينيا "أرمين ساركيسيان"، 15 نوفمبر، ليكون الظاهر من اللقاء الدعم الإماراتي لاتفاق وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان، الذي يسهم في إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة، حسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام). ويأتي لقاء محمد بن زايد ورئيس أرمينيا، بعد أيام، من هزيمة الجيش الأرميني أمام نظيره الأذري المدعوم من تركيا. وحققت أرمينيا، خسائر فادحة بفقدان أكثر من 2300 من جنودها في النزاع حول إقليم قره باغ، الذي انتهى بتوقيع اتفاق سلام يكرس انتصار القوات الأذربيجانية، وينص على التخلي عن مناطق إضافية لصالح باكو. أهداف غير اقتصادية وفي ورقة طرحها عدنان أبو عامر بعنوان "الأهداف الأمنية والعسكرية الصهيونية من اتفاق الإمارات" قال إنه يوما بعد يوم تتضح الأهداف الصهيونية من عملية التطبيع مع الإمارات والبحرين تحديدا، متجاوزة المكاسب الاقتصادية على أهميتها، وصولا للأطماع العسكرية والأمنية، مع صدور تصريحات صهيونية تتحدث عن إقامة قواعد عسكرية في الخليج وباب المندب والبحر الأحمر، أو على الأقل الاستفادة من القواعد الإماراتية المنتشرة في هذه المناطق، مما يحقق للصهيونيين جملة أهداف بعيدة المدى، سواء في متابعة النفوذ الإيراني، أو عدم إبقاء البحر الأحمر بحيرة عربية إسلامية، أو ملاحقة المقاومة الفلسطينية بتوريد السلاح. صفقة مخفية وأشار الباحث في ورقته التي نشرها "المعهد المصري للدراسات" أن من الدوافع الأساسية التي تقف خلف هذه الفرضيات ما كشفت عنه شخصيات سياسية صهيونية بارزة تحدثت بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخفي بعض تفاصيل الصفقة الموقّعة مع الإمارات والبحرين، لأنه بعد أسابيع من التوقيع، لا أحد يعرف تفاصيل ما التزم الكيان الصهيوني به في الاتفاقية، أو حصلت عليه، باستثناء شخص واحد، وهو نتنياهو. وأضاف "تزداد الاتفاقية مع الإمارات والبحرين غموضا وضبابية لدى الصهيونيين حين نعلم أنه لم يتم مناقشتها في أي منتدى للكنيست والحكومة، مما يفسح المجال للشعور بأن الشفافية غير موجودة، كما أن لجنة الشئون الخارجية والأمن لم يناقش هذه الاتفاقية، ما يعني أن نتنياهو وقع الاتفاقية دون إشراك الكنيست أو لجنة الشئون الخارجية أو حتى مجلس الوزراء الأمني". تكديس السلاح ولفتت الورقة إلى أن الإمارات خلال السنوات العشرين الماضية حازت كميات من الأسلحة بمئات مليارات الدولارات من الولاياتالمتحدة، وكان لافتا أن شركة "البيت" للصناعات العسكرية الصهيونية تبيع معداتها القتالية لدولة عربية لا تقيم مع الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية، وعلى هذه الخلفية نشأت علاقاتها معه. كما أن شركة NSO الموجودة في مدينة هرتسيليا باعت أبو ظبي منظومة باغسوس للتنصت على الهواتف المحمولة، بهدف اختراق هواتف معارضيها السياسيين، والحصول على معلومات، دون خشية من اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان، مع العلم أن هذه الشركة معروفة بعلاقاتها مع العديد من الأنظمة القمعية في العالم، ومنها ميانمار، مما يجعلها تقرن اسم الكيان الصهيوني بكل شيء سيء وشرير، رغم أنها تحظى بغطاء من وزارة الحرب التي تسهل لها معاملاتها الأمنية. شركة أخرى باعت أبو ظبي وسائل استخبارية هي Verint التي تنتج معدات للتنصت والتجسس، ويمكن القول إن علاقات أبو ظبي معها نشأت قبل عقد ونصف من الزمن برعاية المؤسسة الأمنية الصهيونية التي فرضت حاجزا من السرية والغموض حولها، لكن من كشف الاتصالات هو ماتي كوخافي رجل الأعمال الصهيوني عبر محاضرة في سنغافورة. كوخافي تفاخر بأنه حاز على عقود تجارية من أبو ظبي لتزويدها بمعدات أمنية ووسائل حماية لمواقع النفط والغاز، وعمل معه عدد من كبار رجالات الأمن الصهيوني بينهم الجنرال عاموس مالكا الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" وقائد سلاح الجو الأسبق الجنرال إيتان بن إلياهو، كما أن العشرات من كبار الضباط الصهيونيين سافروا إلى أبو ظبي من خلال قبرص، حيث يزاولون أعمالهم في أحد أحياء الفيلات الراقية، وعملوا هناك لمدد تتراوح بين أسبوع وأسبوعين. أما رجل الأعمال الصهيوني آفي ليئومي مؤسس شركة الطائرات المسيرة إيروناتيكس التي تعمل في قبرص، ورجل الموساد البارز ديفيد ميدان ممثل نتنياهو في صفقة تبادل الأسرى مع حماس في 2011، فهما يعملان اليوم مندوبين للصناعات الجوية الصهيونية في أبو ظبي. وقد طفى على السطح فور توقيع الاتفاق الإماراتي الصهيوني جدل صهيوني أمريكي عقب طلب أبو ظبي شراء طائرات إف35 أمريكية، مما أثار تحفظات صهيونية خشية المس بالمحافظة على تفوقها النوعي، رغم أن الاتفاق حسّن قدرات الكيان الصهيوني على التعامل مع الملف النووي الإيراني، والتهديدات الأخرى التي تواجهها من المحور الراديكالي، وحتى لو تم بيع طائرات إف35 للإمارات، مع أسلحة متطورة، فإن خطرها، في حال انقلبت على الكيان الصهيوني لأي سبب كان، سيكون محدودا، لأن نسبة كبيرة من القادة الفعليين والمقاتلين ومشغلي أنظمة الأسلحة في قوات الإمارات من الأجانب، من الأمريكيين والأوروبيين والكولومبيين بأعداد كبيرة.