كما يحدث في كل موسم حصاد، لتضييع عرق المزارعين والفلاحين وأصحاب الأراضي الزراعية، الذين باتوا أفقر فئات المجتمع المصري، فبارونات الشركات والتجار وأصحاب المصانع والمصالح من بعض رجال الأعمال ولواءات العسكر، ينصبون حبال مؤامراتهم على المزارعين، سواء عبر قرارات فتح استيراد نفس المحصول الذي يقترب الفلاح من حصاده، باستيراده من الخارج، أو عبر التوريد الإلزامي بأسعار متدنية، أو عبر الامتناع عن الشراء وفرض أسعار متدنية بصورة جماعية، لإجبار الفلاح على البيع بخسارة، .بدلا من إحراق محصوله في الأرض، كما حدث مع مزارعي القطن في أحد المواسم مؤخرا ، وهو ما يمثل قمة التدمير للزراعةالمصرية، ودعما لمزارعي الخارج، وهو ما حدث خلال الشهور القليلة الماضية ، بفرض تسعيرة إجبارية على القمح بنحو 600 جنيه إلى 800 لأردب القمح، فيما يستورده السيسي من الخارح بنحو 1400 جنيه ، وهو ما يمثل دعما لمزارعي الخارج وتعنتا مع مزارعي مصر، الذين ظلوا يطالبون برفع سعر توريد القمح إلى 1000 جنيه فقط. ولعل ما جرى مع القمح مؤخرا، ويجهز للأرز قريبا، يواجهه القطن حاليا، إذ تراجعت أسعار القطن في مزادات الصعيد (الفيوم وبني سويف وأسيوط) بمعدل تخطى 800 جنيه في القنطار (157.5 كيلوجراما) إذ سجلت في أول مزاد عقد ببني سويف 5295 جنيها، فيما وصل التراجع في مزاد أسيوط إلى 4400 جنيه للقنطار، وكذلك في مزاد بني سويف أمس الإثنين، وهو ما يعني خسارة في كل فدان تقدر ب7 آلاف جنيه. وهو ما يرجعه المزارعون إلى وجود شبه اتفاق بين الشركات على سعر معين، في الوقت الذي يضطر فيه المزارع للبيع لسداد ما عليه من التزامات، كما يتهم المزارعون شركات تجارة الأقطان بالاتفاق في ما بينها على النزول بالسعر، فيما طالب بعضهم بالامتناع عن البيع وتخزين القطن لحين ارتفاع الأسعار، واقترح آخرون تقديم شكاوى لمجلس الوزراء للحد من تدخل الشركات في تحديد الأسعار. فيما يذهب محمود الخولي، وهو خبير في تجارة الأقطان، إلى أن هناك تنسيقا بين الشركات في المزادات لتحجيم الأسعار، فكذلك هناك مضاربات تتم بين الشركات لصالح المزارع، كما حدث خلال العام الماضي. وضمن العبث الذي تشاهده حكومة السيسي ولا تتدخل لحماية زراعة القطن التي يعتمد عليها العديد من الصناعات الغذائية كالزيوت والأغذية والأدوية والمنسوجات والملابس، تتزايد التفسيرات والترجيحات حول تراجع أسعار بيع قطن الصعيد، الذي يرجعه بعض أصحاب الشركات، إلى انخفاض سعر قطن الإنديكس الأميركي والذي تبني عليه المنظومة بداية المزاد، وكذلك زيادة عملية التوريد من قبل المزارعين خشية تراجع الأسعار، وهو ما زاد من عملية العرض. كما أن تخوف الشركات حال تراجع الأسعار في البورصة العالمية يجعلها أكثر حذرا في عروضها السعرية، وتصل تكلفة إنتاج فدان القطن إلى 20 ألف جنيه شاملة الإيجار. ويتم بيع القطن عبر منظومة تداول القطن الجديدة والتي يجري تطبيقها للعام الرابع على التوالي، من خلال نظام المزاد في مراكز للتجميع بكل مركز إداري في المحافظات حسب المساحات المزروعة، على أن يتسلم المزارع 70% من ثمن البيع خلال يومين من عقد المزاد، ويتسلم 30% في غضون الأسبوع الثاني. ويتم تحديد سعر فتح المزاد بناء على متوسط الأسعار اليومي لقطن الإنديكس الأميركي في البورصة العالمية، مضافا إليه 20% لقطن الوجه القبلي و40% لقطن الوجه البحري. يذكر أن المساحة المزروعة بالقطن (جيزة 95) في الصعيد هذا العام تصل إلى حوالي 26 ألف فدان مقابل فدانا 15 العام الماضي، ويتوقع أن ينتج الفدان هذا العام نحو 10 قناطير في المتوسط، مقابل 6 قناطير في السنوات الماضية، وذلك بفضل تحسن أحوال الطقس في الصعيد هذا الموسم. ووفقا لبيانات الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، سجلت المساحة المزروعة بالقطن خلال موسم 2022 نحو 326.5 ألف فدان، مقابل 233.5 ألف فدان في الموسم الماضي، 2021، بزيادة 93 ألف فدان (40%). ورغم ما تمثله الزيادة الإنتاجية من فرص استثمارية أوسع للنظام، إن كان يحسن الإدارة في التوسع في الصناعات المحلية والتصدير وتنويع المنتجات، إلا أن انسحاب الحكومة عن دورها القيادي في الإنتاج والتجارة والتسويق وترك الحبل على الغارب للتجار ، وأصحاب المصالح يضر الفلاح والإنتاج بمصر، في وقت يلقى مزارعو العالم الدعم الكبير والإعفاءات والامتيازات بدول العالم، من أجل مواجهة أزمات الغذاء العالمية وغيرها من المشاكل الناجمة عن الاضطرابات العالمية ، وهو ما يحرم منه الفلاحون وأيضا الصناع والمنتجون المحليون، الذين يعملون وظهورهم مكشوفة أمام بارونات التجار والعساكر وأصحاب المصالح والمحتكرون.