تنقسم القوى العلمانية في مصر تجاه دعوة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي إلى الحوار إلى صنفين: الأول، هم الفريق الغالب والأعم والذي يضم الأحزاب العلمانية (الكرامة المصري الديمقراطي الدستور الوفد التجمع الناصري وغيرهم) بخلاف الرموز العلمانية الشهيرة مثل ضياء رشوان وخالد داود وعماد الدين حسين وعبدالله السناوي وغيرهم. وهم الذين هرولوا مذعنين للسلطة بمجرد أن غمز لهم الدكتاتور وأجهزته الأمنية. وهؤلاء أطلق عليهم رئيس تحرير الشروق "عماد الدين حسين" التيار الواقعي مشيدا بموقفهم ومثنيا على دعم للسلطة العسكرية المستبدة باعتبار ذلك دعما للدولة وليس للسلطة! الفريق الثاني هم بقايا التيار الثوري في التيار العلماني والذين باتوا بعد تجرية السنوات التسع الماضية بعد الانقلاب على يقين كامل أن 30 يونيو لم تكم سوى ثورة مضادة لمحو آثار ومكتسبات ثورة 25 يناير، وإن خدعوا بالمشاركة فيها تحت شعارات حالمة ثبت أنها كانت وهما وجرى استغلالهم لوأد الثورة الشعبية والمسار الديمقراطي الوليد. وهؤلاء يرون اليوم أن دعوات السلطة لأي حوار هي مجرد فخ جديد نسجته السلطة للحصول على دعم داخلي تتقوى به أمام العالم الخارجي والإيحاء بأن هناك حوار يجري مع المعارضة؛ هذا الفريق يدرك تماما أنه مجرد حوار شكلي لا فائدة منه؛ ويضم هذا الفريق الحركات الشبابية اليسارية الليبرالية التي شارك في الثورة كحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين وغيرهم، ويمثل هؤلاء أحمد الطنطاوي رئيس حزب الكرامة المستقبل والحقوقي البارز بهي الدين حسن وغيرهم. وهؤلاء اعتبرهم عماد الدين حسين ثورجية عدميين وفئة متخشبة مستغرقة في أوهام عميقة وليس لديها أدنى علاقة بالسياسة! ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، هو المنسق العام لمجلس أمناء الحوار اللاوطني، يمضي في خدمة السلطة العسكرية بكل إخلاص وعزم ولاؤه للنظام لا الوطن، وقبلته السلطة لا الأمة؛ فهو إذا خير ممثل للفريق الأول من التيار العلماني. وقد أعلن مؤخرا أن الحوار الذي دعا له السيسي في 26 إبريل الماضي، سيبدأ خلال وقت قليل لم يحدده. وأوضح رشوان خلال برنامجه «مصر جديدة»، المُذاع عبر فضائية «etc»، أن مجلس الأمناء تبقى له اجتماع واحد سيعقده اليوم، الإثنين 05 سبتمبر 2022، لاختيار 36 مقررًا لإدارة جلسات الحوار الوطني الذي سيشمل مناقشة ثلاثة محاور يندرج تحتها 15 لجنة نوعية، بواقع مقرر/ة ومقرر مساعد لكل محور وكل لجنة، لكي يديروا وينظموا النقاش داخل اللجان بشأن البدائل أو الخيارات التي ستتوصل لها اللجان بعد الحوار تمهيدًا لعرضها على مجلس الأمناء الذي سيرفعها بدوره لرئيس الجمهورية للتنفيذ سواء من خلال المسار التشريعي بإحالة التوصيات للبرلمان أو التنفيذي باتخاذ إجراءات التطبيق. وأكد رشوان أن جلسات الحوار الوطني لن تذاع ولن تكون للتصوير التليفزيوني والتباهي بالآراء التي قد لا تكون مسندة إلى حجج علمية، لافتًا إلى أنها ستكون في الوقت نفسه «علنية» على حد وصفه، وذلك لأن مجلس الأمناء بحسب تفسيره سيدعو الصحفيين للوجود بمقر انعقاد الجلسات لتوجيه الأسئلة للمشاركين. في المقابل، اعتبر الطنطاوي أن السلطة الحالية "كان أداؤها هو الأسوأ في تاريخ مصر خلال ال200 عام الأخيرة على الأقل"، مبرراً في الوقت ذاته سفره إلى بيروت بأنه من أجل الدراسة، وإعداد نفسه علمياً وعملياً، و"لفترة مؤقتة يعود بعدها إلى وطنه، الذي لا يستطيع كائن من كان أن يمنعه من الإقامة فيه". وأضاف الطنطاوي، في مقابلة مع قناة "بي بي سي عربي"، أنه من الأفضل لهذه السلطة أن ترحل عن حكم مصر، ويا حبذا لو كان ذلك قريباً. مردفاً "هناك خلافات عميقة في وجهات النظر مع بعض الشركاء من تيار المعارضة، ولعلها واضحة، وكان أمامي أحد اختيارين، الأول أن أتمسك بمبادئي، والثاني أن أغير قناعاتي، وهذا لم أكن مؤهلاً له". وأردف بقوله: "تركت رئاسة حزب الكرامة طوعاً بشكل أحافظ فيه على قناعاتي، واختلفت مع قيادات في الحزب بشأن جدوى المشاركة في الحوار الوطني. وما أعتقده هو أن السلطة في مصر لا تقبل بحوار حقيقي مع المعارضة، ويجب علينا كتيار معارض أن نبحث عن حلول لوطن مأزوم يعيش لحظة صعبة". وأكمل الطنطاوي في حديثه: "أؤمن بالحوار، ولكن هذا لا يعني قولي إن ما يحدث في مصر خلال الأشهر الماضية يمكن تسميته بالحوار الوطني، ولكنه كرنفال مدعو له مئات الأشخاص، وربما الآلاف. ويوجد فارق بين الحوار المجتمعي الذي يجب أن يظل حالة دائمة طوال الوقت، وما بين حوار تدعو إليه السلطة بمشاركة قوى المعارضة". وخاطب النظام الحاكم في مصر قائلاً: "أنتم تقدمون أسوأ ما يمكن، ولن أكون شريكاً أو حليفاً أو نصيراً لهذه السلطة، سواء طال أمد بقائها في الحكم أو قصر، لأنها لا تستحق مني ذلك. والسلطة تريد إشراك الجميع في مناورة سياسية تجمّل بها المشهد، وتقنع نفسها والآخرين، لا سيما في الخارج، بأن ما يجري حواراً مع المعارضة على خلاف الواقع". وختم الطنطاوي: "هذا الشكل من أشكال الحوار مرفوض، وغير مقبول، لأن الحوار الوطني يجب أن يكون بين شركاء متكافئين، وليس بين متبوع وتابعين"، على حد قوله.