بيان البنك المركزي المصري الصادر السبت 27 أغسطس 2022م أثار كثيرا من المخاوف بين المراقبين والمحللين بعدما كشف بالأرقام التدهور الحاد في الوضع المالي المصري خلال الفترة من يوليو 2021حتى نهاية مارس 2022م. ويمكن أن نرصد عدة ملاحظات مهمة على البيان نوجزها في النقاط الآتية: أولا، ما يثير الجدل أن البيان تأخر عدة شهور؛ فقد كان يتعين صدوره في إبريل كما هو معتاد لكن سوء الوضع المالي أجبر النظام على تأخير البيان حتى صدر مؤخرا بعد إقالة طارق عامر من رئاسة البنك وتعيين حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي، تحت عنوان «الوضع الخارجي للاقتصاد المصري» الذي يغطي الفترة بين بداية يوليو 2021 حتى نهاية مارس 2022م. ثانيا، بحسب أرقام البيان فإن ودائع الخليج وصلت إلى 28 مليار دولار بما يمثل أكثر من 75% من قيمة الاحتياطي النقدي حتى مارس 2022م؛ حيث حصل النظام ممثلا في البنك المركزي على ودائع خليجية خلال الربع الأول من 2022 بقيمة 13 مليار دولار، إضافة إلى الودائع القائمة بقيمة 15 مليار دولار. ويكشف أن الودائع الخليجية ارتفعت خلال الربع الأول من 2022، نتيجة حصول مصر على خمسة مليارات دولار من الإمارات العربية المتحدة ومثلها من المملكة العربية السعودية، وثلاثة مليارات دولار من قطر، في شكل ودائع قصيرة الأجل، لم يحدد التقرير موعد سدادها. بالإضافة إلى تلك الودائع، كان لدى «المركزي» بالفعل حوالي 15 مليار دولار ودائع خليجية متوسطة وطويلة الأجل، تشمل 5.7 مليار دولار من الإمارات، و5.3 مليار دولار من السعودية، بالإضافة إلى أربعة مليارات دولار قدمتها الكويت، حلّ موعد سداد نصفها في أبريل2022، ويفترض أن تسدد مصر النصف الآخر في سبتمبر القادم، بالإضافة إلى قسطين من الودائع الإماراتية تبلغ قيمتهما معًا حوالي 1.5 مليار دولار تستحق خلال العام الجاري. ثالثا، وفق هذه الأرقام فقد ارتفع الدين الخارجي المصري ليصل إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس 2022، بزيادة قدرها حوالي 19.9 مليار دولار مقارنة بيونيو 2021. لكن، بحسب «المركزي»، لا يزال الدين الخارجي ضمن حدود يمكن السيطرة عليها، إذ تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 34.6%، منها حوالي 83% ديون طويلة الأجل. من جهة أخرى، زادت الديون قصيرة الأجل لتصل إلى نحو 26.4 مليار دولار أو 16.7% من إجمالي الدين الخارجي. وتضاعفت نسبتها إلى صافي احتياطي النقد الأجنبي إلى 71.3% في نهاية مارس 2022، من 33.8% في نهاية يونيو 2021، قبل أن تنخفض احتياطيات النقد الأجنبي لدى «المركزي» خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لتصل إلى 33.1 مليار دولار في يوليو الماضي، بدلًا من 37.1 مليار دولار في مارس، وهو ما يغطي نحو 4.5 أشهر من الواردات، بحسب تقديرات «المركزي». رابعا، أما عن توزيع الديون حسب الجهة الدائنة، قال «المركزي» إن قرابة 52 مليار دولار مستحقة للمؤسسات المتعددة الأطراف (44.7%) مُستحق لصندوق النقد الدولي وحده، يتبعه مؤسسات أخرى، مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير ب11.8 مليار دولار، وبنك الاستثمار الأوروبي ب4.7 مليار دولار، والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد ب3.1 مليار دولار، وبنك التنمية الإفريقي ب2.7 مليار دولار. خامسا، أما فيما يخص سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل حسب موقع "مدى مصر" قال «المركزي» إن مصر كان يفترض أن تسدد 6.9 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري -دون أن يوضح إن كان السداد تم بالفعل أم لا- بالإضافة إلى 8.5 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الجاري، وهي الديون التي لا تشمل الالتزامات قصيرة الأجل. وحتى ندرك صعوبة الموقف فقد كان البنك الدولي قدر كامل التزامات الديون على مصر بنحو 16 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي (من بداية أبريل حتى نهاية يونيو) يتبعها 12 مليار دولار في الربع الثالث، ثم حوالي ستة مليارات دولار في الربع الرابع، وأخيرًا أكثر من 13 مليار دولار في الربع الأول من العام القادم، وهو ما يعكس حاجة مصر إلى حوالي 18 مليار دولار حتى نهاية 2022، بافتراض سداد كامل الالتزامات عليها خلال الربع الثاني، الذي انتهى بالفعل في يونيو الماضي. سادسا، أشار التقرير إلى مساهمة السياحة بشكل كبير في تخفيف حدة الارتفاع في عجز الحساب الجاري، إذ سجلت عائدات السياحة نحو 8.2 مليار دولار بنهاية مارس 2022، مقارنة مع 3.2 مليار دولار فقط خلال الفترة من يوليو 2020 حتى مارس 2021، بالإضافة إلى ارتفاع الصادرات السلعية بنسبة 57.8% لتصل إلى 32.5 مليار دولار، وهو الرقم الذي يعكس قفزة عملاقة في حجم صادرات البترول ومشتقاته بنسبة 120.4% لتصل إلى 13.1 مليار دولار، ليسجل صافي فائض تجارة البترول نحو 4.1 مليار دولار، ارتفاعًا من 174.9 مليون دولار فقط بين يوليو 2020 وحتى مارس 2021. سابعا، البيان يكشف عن ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية ليسجل صافي تدفق بلغ تسعة مليارات دولار، منها 4.6 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري. لكن، كان الجزء الأكبر من تلك التدفقات، حوالي 2.6 مليار دولار، في اتجاه زيادة رأس مال شركات قائمة أو استحواذات على شركات عاملة، بينما جاء الجزء الأصغر، حوالي 208.2 مليون دولار، كاستثمارات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت عائدات بيع الشركات والأصول الإنتاجية لغير المقيمين بمقدار 2.2 مليار دولار لتصل إلى 2.3 مليار دولار، فيما بلغ صافي التدفقات الداخلة لشراء العقارات من قبل غير المقيمين 643.5 مليون دولار. ثامنا، تلك الارتفاعات في مصادر العملة الأجنبية قابلها ارتفاع كبير في فواتير الاستيراد وسط تصاعد الأسعار العالمية والانسحاب «المفاجئ» من استثمارات الأجانب، بحسب «المركزي»، الذي أشار إلى تحول استثمارات المحفظة الاستثمارية في مصر من صافي تدفق بلغ 16 مليار دولار إلى صافي خروج بلغ 17.2 مليار دولار، بشكل رئيسي خلال شهري يناير ومارس 2022، اللذين شهدا صافي تدفقات خارجة بقيمة 14.8 مليار دولار، بسبب الصراع الروسي الأوكراني. وارتفعت الواردات بين يوليو 2021 ومارس 2022 لتصل إلى 66 مليار دولار، منها نحو 57.1 مليار دولار واردات سلعية. وخلال الربع الأول من 2022، اتخذ البنك المركزي والحكومة عدة قرارات ساهمت بشكل كبير في تقييد حركة الاستيراد، على الرغم من أن حوالي 34.3% من واردات مصر غير النفطية في الفترة بين يوليو 2021 ومارس 2022 هي سلع وسيطة للصناعة، بالإضافة إلى نحو 11.3% من المواد الخام. وهو ما يصيب قطاعات عدة بالشلل التام.