رغم اتخاذ جميع دول العالم العديد من الإجراءات للتخفيف عن مواطنيها من تبعات الأزمة الاقتصادية التي تضرب الكثير من الدول وسط غلاء الحبوب والنفط وواردات الغذاء وتراجع معدلات السياحة وتقلص الأعمال إثر الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن حكومة المنقلب السيسي تعمل بلا رحمة وبلا عقل أيضا، حيث تطارد المواطنين المأزومين والذين تتعالى صرخاتهم عبر صفحات السوشيال ميديا من الغلاء والفقر والبطالة وعدم القدرة على تحصيل المطعم والمشرب بسبب الغلاء وزيادة الأسعار وسط غياب رقابة حكومية على الأسواق، تطارد الحكومة المواطنين بالضرائب والرسوم والجبايات المختلفة التي تزيد من نسب الفقر والبطالة وتزج بالملايين منهم إلى أتون السجون بسبب العجز المالي أو تقود الأسر إلى العراء على إثر عدم القدرة على مقاومة الجيش في تحصيل مخالفات البناء التي قد تصل لعشرات الآلاف من الجنيهات التي باتت عزيزة في هذه الأيام. ففي غفلة من المواطنين وبلا تقيد بالدساتير أو القوانين المعمول بها، أسند وزير الإدارة المحلية بحكومة الانقلاب اللواء محمود شعراوي مهام تقنين المنازل المخالفة وتحصيل الغرامات ومقابل التصالح على مخالفات البناء للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، في تجاوز للإدارات الهندسية العاملة بجميع المحافظات والوحدات المحلية، على الرغم من تراجع أعمال تلك الإدارات الهندسية في ظل قرار السيسي الغاشم بوقف تصاريح البناء لمدة 10 سنوات ، والهادف لترويج وبيع الشقق السكنية التي بناها الجيش وشركاته، في الصحاري والمدن الجديدة، والتي ترتفع أسعارها فوق طاقة أغلب المواطنين. وفي 25 فبراير ، أصدر اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، كتابا دوريا إلى المحافظين بشأن حل مشكلة بطء إجراءات التصالح على مخالفات البناء وتقنين الأوضاع. الكتاب الدوري جاء فيه "نظرا للبطء الشديد في أعمال الفحص من قبل اللجان الفنية والذي كان له انعكاسات سلبية على جهود المحافظات في ملف التصالح ، وضياع حقوق الدولة لدى المخالفين، فيرجى حث المواطنين على استكمال مستندات التصالح واستكمال الملفات بكافة الوسائل المتاحة بالمحافظة والمدن (بانرات – شاشات المراكز التكنولوجية – غيرها) وقيام المراكز التكنولوجية بإدخال كافة الملفات على منظومة التصالح. ونص الكتاب الدوري أيضا على أنه تم التنسيق مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتحل محل اللجان الفنية للبت في طلبات التصالح على أن يقتصر دور الأمانة الفنية على استكمال الملفات والفحص الورقي للملف وتسليمه إلى المركز التكنولوجي والذي يتولى إرساله للجنة الفنية التابعة للهيئة الهندسية، حيث ستتولى المعاينة على الطبيعة وتنفيذ مهام اللجنة الفنية حتى إقرار قبول الطلب أو رفضه وإعادة إرساله إلى المركز التكنولوجي لتتولى الجهة الإدارية إخطار المواطن بالقبول أو الرفض، وفي حالة القبول يتم اتخاذ إجراءات تحصيل قيمة التصالح وفقا للقانون ومنح المواطن نموذج 10". ويأتي إسناد المهمة للقوات المسلحة على الرغم من عدم اختصاصها بالأمر الدستوري، ولكن يبدو أنها خطوة لإرهاب وإخافة المواطنين، مستعملا قوة الجيش العسكرية لإرغام المواطن على التوجه لدفع جباية التصالح على يد العسكر، وهو ما يتسق مع ما هدد به السيسي المواطنين الغاضبين من الإزالات التي جرت لمنازلهم بداعي المخالفة في الأعوام 2020 و 2021 بنشر الجيش في ربوع مصر في خلال 6 ساعات فقط. ويعد الإجراء الجديد عسكرة إضافية للإدارات المحلية خاصة في الملفات التي بها جباية مالية، حيث سيكون لتلك المهام مقابل مالي كبير ونسبة من الأموال المحصلة ، ما يضيف للجيش سيطرة إضافية على اقتصاد مصر، والذي وصلت نسبة السيطرة عليه نحو 60% وأكثر وفق تقديرات مركز كارينجي لدراسات الشرق الأوسط. وهو ما كشف عن بعضه المتحدث العسكري للقوات المسلحة بأن الجيش يقوم بتنفيذ 2300 مشروعا في مصر. والأخطر في الأمر هو وضع المواطن البسيط في مواجهة مع الجيش الذي يتسم بالغشم العسكري، كما سبق وأن حذر السيسي المصريين من استعمال الجيش للقوة الغاشمة، وهو ما يخلق أزمات مجتمعية شديدة تهدد الجيش والوطن، حسيث يزج السيسي بالجيش لتوريطه أكثر في دماء وعدوات أكثر مع الشعب المصري، والذي يعاني من الفقر وعدم القدرة على توفير ملاذ أمن أو طعام ودواء وشراب لأبنانه، بعدما انهكت إجراءات السيسي المجتمع المصري، بضرائب ورسوم وحبايات متنوعة في كافة مجالات الحياة. وخلال الفترة الأخيرة توعد السيسي بتحصيل نحو 7 مليار جنيه من مخالفات البناء، وهو رقم كبير قد يعجز عن سداده المصريون ، فيكون مصيرهم محتوما بين السجن أو الشارع بعد إزالة منازلهم أو مواجهة غير محسوبة المآلات مع قوات الجيش، وسط غلاء قاهر للجميع وزيادة في أسعار كل شيء، كهرباء أو وقود أو مياه أو اتصالات أو رسوم حكومية ولحوم وألبان وبيض وخبز وغيره من آليات الحياة التي لم تعد كريمة بمصر. يشار إلى أن السيسي كان قد اتخذ حزمة قرارات لوقف البناء بصفة عامة، البداية كانت منتصف 2020 حين أصدر قرارا بوقف عملية البناء ومنع التراخيص لمدة 6 أشهر، ليليه قانون التصالح في مخالفات البناء الصادر في نسخته الثانية المعدلة في 7 يناير 2020. وخلال الأشهر الماضية أزالت حكومة الانقلاب عشرات آلاف المباني والعقارات بدعوى مخالفتها لقانون البناء، فيما هددت بنزول الجيش والشرطة لكل القرى والمناطق لتنفيذ عمليات الإزالة والتصدي لأي محاولة لعرقلة هذا الملف الذي اعتبر قضية أمن قومي بزعم السيسي.