وضعت دراسة حديثة 3 سيناريوهات مفتوحة على مصراعيها أمام السيسي وحكومته، بعد أن وصلت البلاد إلى نموذج مشابه إلى حد بعيد بفشل الدولة الخطير في لبنان. وقالت إن "السيسي يجر مصر بعنف نحو النموذج اللبناني كدولة فاشلة اقتصاديا متعثرة ماليا غير قادرة على توفير احتياجات البلاد؛ وعلى المؤسسة العسكرية المصرية أن تتحمل وحدها عواقب وتكاليف هذا الفشل المرتقب؛ لأنها من دعمت انقلاب السيسي ، وتورطت قيادتها في كل جرائمه ، ودعمت حكمه ولا تزال تسانده حتى اليوم".
دعم خليجي وأشارت الدراسة، التي نشرها موقع "الشارع السياسي" بعنوان "أزمة مصر المالية ، الأسباب والمآلات"، إلى أن اعتبار أي من السيناريوهات الثلاثة المطروحة يتوقف أي واحد منها على أمرين ، مدى تفاقم الأزمة ومدى قدرة النظام على إقناع حلفائه في الخليج. وأوضحت أنه إذا سمح الخليج بفتح خزائه للسيسي من جديد ؛ فإن ذلك سيكون مقابل تنازلات مؤلمة لن يعلم الشعب عنها شيئا لأنها ستتم في الغرف المغلقة ، وإن كانت الأزمة أكثر تفاقما فإن السيناريو الثالث هو الأكثر احتمالا؛ لكن تكاليف ذلك على الشريحتين الفقيرة والمتوسطة سيكون باهظا ، وقد يفضي ذلك إلى احتجاجات اجتماعية ومظاهرات قد تصل إلى حد الانفجار ، كما يتوقع بعض الخبراء والمحللين. ورأت في تحليل اقتصادي أن "الاقتصاد المصري من أزمة غير مسبوقة دفعت الخبير الأمريكي المتخصص في الشأن المصري روبرت سبرينجبورج إلى وصف مصر في الدراسة التي أعدها مؤخرا بالدولة المتسولة تحت حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي ، ويؤكد أن مصر باتت تعيش على المعونات والقروض الخارجية سواء من حلفائها الإقليميين أو الدوليين ، وذلك حتى وصلت ديونها الخارجية إلى معدلات غير مسبوقة تقدّر بحوالي 137 مليار دولار في يونيو 2021م وفقا لبيانات البنك المركزي". وأكدت أن السيسي من أجل حماية الاقتصاد من الانهيار، سيضطر إلى الاعتماد بشكل متزايد على الائتمان الأجنبي ، حيث تضاعف إجمالي الدين القومي لمصر، الذي يبلغ الآن 370 مليار دولار، أي أربع مرات منذ عام 2010 ويلتهم سداد فوائد الدين المحلي والأجنبي أكثر من ثلث ميزانية مصر، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي كان يستهلكه في عام 2009م. ديون بديون وقالت الدراسة إن "السيناريو الأول، هو أن ينجح النظام في الحصول على ما يحتاج إليه من سيولة دولارية من مصادر الاقتراض الأخرى التي اعتمد عليها النظام في السنوات الأخيرة وبالأخص سوق الديون، وودائع الحلفاء من دول الخليج، وبيع الأصول الذي يتولاه صندوق مصر السيادي". أما السيناريو الثاني، فهو في حال فشل السيسي في إقناع دول الخليج بدعمه كما كان يحدث في سنوات ما بعد 03 يوليو 2013م، أو كانت قيمة مبيعات أصول الدولة أقل من المستهدف ، فإن السيسي سيتجه مباشرة إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي. وأضافت أن السيناريو الثالث ، هو أن تتفاقم الأزمة بشكل أكبر؛ لأن المخاطر التي نوّه إليها خبراء صندوق النقد سنة 2020 لا تزال قائمة، فتقييم خبراء الصندوق افترض عودة النشاط الاقتصادي لطبيعته بحلول نهاية 2020، لكنهم حذروا في ذات الوقت من أن تآخر التعافي من كورونا وهو ما حدث بالفعل ، فقد يؤدي إلى صدمة أكبر وأطول للنشاط الاقتصادي لا سيما بشأن تفاقم التمويلات العامة ؛ وهو ما قد يفضي إلى احتياجات تمويلية أكبر ودين عام أكبر ومخاطر لاستدامة الدين ، إضافة إلى ذلك فإن هناك تطورات قد تحدث في سوق الديون (السندات) والذي يعتبر أحد أهم أشكال الديون. النقد والسيادة وفي تفصيل أشارت إليه الدراسة أن السناريو الأول والثاني مرتبط بزيارة السيسي للإمارات ، وأنه إن نجح قد يتراجع احتياجه لإبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد ، لكن كلفة هذه النوعية من القروض عالية سواء من سوق الديون التي تكون بفائدة تصل إلى نحو 17%، أو حتى ودائع الخليج التي تكون أيضا بفائدة إلى جانب تنازلات من جانب النظام لهذه الدول في مجالات البيزنس والاستثمار والموقف الدولية ، بما يعزز نفوذها في القاهرة من جهة ويقوض أي معنى لسيادة الدولة من جهة ثانية".
شهادة ثقة ورغم فائدة قرض صندوق النقد المرتفعة ، إلا أن حكومة السيسي ترى في قدرتها على الحصول على هذا القرض دلالة رمزية باعتبار الموافقة عليه تمثل «شهادة ثقة» من الصندوق في الأداء الاقتصادي ، وفقا لوجهة النظر الحكومية، علاوة على ذلك أن أموال الصندوق منخفضة الفائدة مقارنة بسوق الديون. وأوضح أن مشكلة قروض صندوق النقد الدولي ، أنها دائما ما تكون مرهونة بشروط وإملاءات، بعضها قد لا يمثل مشكلة لنظام السيسي من الأساس ، فقد يشترط الصندوق إجراءات تقشفية جديدة تتعلق بتقليص الدعم. وهو ما لا يمثل مشكلة لنظام السيسي الذي يتبنى فرض إجراءات تقشفية فهو ملكي أكثر من الملك ، بمعنى أن السيسي حريص على فرض المزيد من التقشف على المصريين أكثر من حرص الصندوق نفسه. استمرار التقشف وتوقعت الدراسة أن يستمر تقليص الدعم في كل الأحوال حتى إن لم يتم الحصول على القرض الجديد ، لكن الشرط الأهم للصندوق هو توقف نظام السيسي عن دعم سعر الجنيه في السوق ، فبالرغم من تحرير سعر الصرف ضمن خطة إعادة الهيكلة الاقتصادية في 2016، لكن البنك المركزي المصري حافظ ولا يزال يحافظ على استقرار قيمة الجنيه عند حدود 15.7 جنيه للدولار الواحد ، لتحقيق هذا الاستقرار، اضطر البنك المركزي كذلك للتدخل بشكل غير مباشر عبر البنوك المحلية المملوكة للدولة للدفع بدولارات في السوق. هذا الشرط قد يسبب صداعا للنظام ؛ كما يمثل تحديا في الوقت ذاته بهدف الوصول إلى قيمة متوازنة للجنيه تُرضي مطلب الصندوق دون أن يتسبب هذا في أذى كبير لمستويات المعيشة في مصر، والتي تسهم سياسة دعم الجنيه هذه في حمايتها. سندات الدين أما عن طريقة الحصول على قروض في صورة سندات دَيْن مختلفة تُباع للتجار الأجانب في سوق الديون. ولفتت الدراسة إلى أن هذا النوع من الديون يأتي دون شروط ، بعكس قروض الصندوق حول طرق إنفاقها أو مدى التزامها بخطة إصلاح اقتصادي ، فتاجر الديون يهتم فقط بسعر الفائدة التي سيحصل عليها مقابل إقراض مصر، وبمدى قدرة مصر على الالتزام بسداد ديونها وفوائدها في مواعيد استحقاقها. وأوضحت أن سندات الدين التي يعتمد عليها نظام السيسي تواجه حاليا مخاطر تهدد جاذبية التعامل بها ؛ أول هذه المخاطر هو التوجه المرتقب لكبرى اقتصادات العالم ، على الأخص الولاياتالمتحدة ، لرفع سعر الفائدة في محاولة لوقف التضخم المستمر. وأبانت أنه مع ارتفاع سعر الفائدة الأمريكية، تصبح أدوات الدين هناك أكثر جاذبية في النهاية، المخاطر التي يتحملها التجار في أدوات الدين العالمية أقل بكثير من مخاطر الاستثمار ذاته في مصر ، كما أن عائد الاستثمار في أسواق مثل مصر يتقلص بسبب التضخم العالمي ، قد يدفع هذا تجار الديون للابتعاد باستثماراتهم (الأموال الساخنة) والتوجه إلى أسواق أكثر أمانا. توقعات بلومبرج واستشهدت الدراسة بترجيحات وكالة «بلومبرج» التي اعتبرت مصر -إلى جانب أربع دول أخرى- ضمن الأكثر قابلية لهذه المخاطر ، وفي هذه الحالة قد يضطر السيسي إلى السيناريوهين الأول والثاني معا؛ بمعنى أنه سوف يضطر إلى إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد وفقا للشروط المفروضة ، كما سيضطر إلى القبول بشروط حلفائه في الخليج من أجل الحصول على دعمهم ، وكلتا الحالتين تقوضان سيادة مصر وتسمحان للصندوق وحلفاء الخليج بتعزيز نفوذهم والتحكم في بعض قواعد الاقتصاد المصري وحتى المواقف السياسية لنظام السيسي. وأضافت الوكالة أنه بسبب هذه الفائدة الضخمة، ترجح هذه التوقعات أن تحافظ هذه السندات على جاذبيتها في سوق الديون العالمي ، لكنها في المقابل ستسمح بتضخم ديون مصر إلى مستويات أكثر رعبا. لكن هذا النوع من الديون لا يدخل ضمن الحسابات الرسمية للديون الخارجية المصرية. لكن الوضع يختلف بالنسبة للنوع الثاني من السندات ، تلك التي تصدر بالدولار (أي يشتريها التاجر ويحصل على عوائده منها بالدولار مباشرة دون الاضطرار لتغيير العملات) متوسط الفائدة على هذا النوع من الديون يتحدد عالميا. دراسة سبرنجبورج الوضع في مصر ووفقا لدراسة سبرينجبورج التي نشرها موقع مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (يوميد) في الأسبوع الأول من يناير 2022م بعنوان «تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي» لا يمكن أن يستمر على هذا النحو، والحل الوحيد أمام السيسي لمواجهة ذلك مزيد من الاقتراض الأجنبي، وهو مجرد حل مؤقت. ويرى "سبرينجبورج" وهو أستاذ دراسات دولية مرموق في جامعة سيمون فريزر، ومستشار سابق في إدارة وسياسة الشرق الأوسط لصالح الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية الأمريكية، وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي، أن السيسي يدير مصر كما لو كانت واحدة من الدول الريعية الغنية بالنفط كالسعودية ، أو دولة تجارية ناجحة تحت حكم أوتوقراطي، على غرار الصين ، لكن الحقيقة أن الاقتصاد المصري بات يعتمد على الدعم الخارجي والقروض أكثر من أي وقت مضى".