منذ انقلاب 3 يوليو 2013م، توسع نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي في الاقتراض خارجيا وداخليا، حتى ارتفعت ديون مصر الخارجية من 43 مليار دولار في يونيو 2013م إلى نحو 135 مليار دولار حتى مارس 2021م بحسب بيانات البنك المركزي. وعلى مستوى الديون المحلية فقد ارتفعت من 1.4 تريليون جنيه، لتزيد حاليا عن 5 تريليونات جنيه في سبع سنوات فقط! معنى ذلك أن السيسي وحده اقترض في سبع سنوات فقط ثلاثة أضعاف كل ما اقترضه حكام مصر في أكثر من سبعين سنة، أي منذ العهد الملكي حتى الانقلاب العسكري المشئوم في يوليو 2013م. وهناك إجماع بين الخبراء والمتابعين بشأن ضرورة وضع حد لهذا الاستسهال في الاقتراض من جانب السيسي وحكومته، وذلك بسبب المخاطر الكبيرة على الأمن القومي المصري. وحتى ندرك أبعاد الأزمة الكبيرة التي أوقعنا فيها السيسي ونظامه، فإن أقساط وفوائد الديون في موازنة (2021-2022) تبلغ تريليوناً و172 مليار جنيه، وهو مبلغ يقارب قيمة الإيرادات العامة للدولة. معنى ذلك أن مصر كلها تعمل وتنتج طوال العام لسداد بند واحد فقط هو أعباء الدين العام، وهو ما يعني أن البنود الأخرى من رواتب وأجور ودعم واستثمارات عامة يتم تمويلها بقروض جديدة. وبالتالي فإن مصر قد سقطت فعلا في دوامة الديون الجهنمية، حيث تقترض الحكومة من الخارج والداخل لسداد الديون القائمة والأعباء المستحقة عليها وتمويل البنود الأخرى. لكن الغريب والمدهش حقا أن النظام وآلته الإعلامية ينظرون إلى كل قرض جديد باعتباره إنجازا يستحق الإشادة من المواطنين بوصفه شهادة على ثقة العالم بالاقتصاد المصري! والعجيب أنه في الوقت الذي تتحدث فيه حكومة الانقلاب عن الحد من الاستدانة الخارجية، ترتفع ديون مصر الخارجية بنسبة أكثر من 21% خلال عام واحد (من مارس 2020 إلى مارس 2021)، كما تقر تشريعات وقوانين تشجع على زيادة الاقتراض الخارجي منها قانون الصكوك السيادية. رغم أنه لا توجد مبررات اقتصادية ومالية تبرر اقتراض البلاد أكثر من 90 مليار دولار خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 8 سنوات، وهو رقم يزيد عن إجمالي قروض مصر في أكثر من نصف قرن.
على خطى الخديوي إسماعيل ويحذر الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام من سقوط مصر في دوامة الديون التي تجبر النظام على الاقتراض لسداد أقساط الديون وليس بهدف التنمية، محذرا من الوقوع في براثن هذه الدائرة على غرار ما جرى في عهد الخديوي إسماعيل والذي أغرق مصر في ديون خارجية ضخمة بحجة البحث عن تمويل لمشروعات كبرى ومنها القصور الرئاسية ودار الأوبرا وكباري مثل قصر النيل والجلاء وشارع الهرم وحديقة الأزبكية وغيرها، والنتيجة وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني في عام 1882م. وهو الاحتلال الذي استمر نحو 74سنة.
نحو النموذج اللبناني كما يحذر عبدالسلام من سقوط الدولة المصرية في بئر الديون على غرار ما يحدث حاليا في لبنان، حيث غرقت الدولة اللبنانية في الديون وأعلنت إفلاسها ودخلت في نفق مظلم وأزمات مالية طاحنة تهدد وجود الدولة نفسها، ومشكلات معيشية غير مسبوقة، حيث قفزات تاريخية لأسعار السلع الغذائية، وزيادات شبه أسبوعية لأسعار رغيف الخبز والبنزين والسولار، وانقطاع لا يتوقف للكهرباء والمياه، واختفاء للأدوية والسلع الأساسية، وتفاقم البطالة والفقر وغيرها من الأزمات الاجتماعية. ويزيد من ضبابية وتعقيد أزمة تفاقم الدين الخارجي لمصر أيضاً أمران: الأول هو أن حصيلة تلك القروض توجه لتمويل مشروعات لا تدر عائدا دولارياً يمكّن الدولة من سداد أعباء الدين الخارجي، وبالتالي يتم تحميل هذه الأعباء إلى المواطن واحتياطي البلاد من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. والثاني هو أن معظم المشروعات القومية الكبرى في مصر بات مصيرها مرهوناً بالاقتراض من الخارج، والأمثلة كثيرة مثل مشروع الضبعة النووي الذي يعتمد على قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار، ومشروع القطار السريع 23 مليار دولار، ومشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، منها الحي الحكومي والفنادق والأبراج، ومشروعات تطوير السكك الحديدية وتطوير القطاع الصحي الممول من البنك الدولي بقيمة تزيد عن نصف مليار دولار وغيرها.
تحذيرات «ستاندرد أند بورز» وتحذر وكالة "ستاندرد آند بورز" الأميركية للتصنيف الائتماني الأحد 5 سبتمبر 2021م من مخاطر كلفة فوائد الديون على مستقبل مصر، وطالبت حكومة الانقلاب في مصر بضورة البحث عن وسيلة لخفض دفعات فوائد الدين الأجنبي إذا كان لها أن تتفادى الوقوع في أزمة في حال ارتفاع سعر الفائدة العالمية في المستقبل. وبحسب الوكالة الأميركية فإن مصر لديها أعلى فارق بين سعر الفائدة الرئيسي والتضخم ضمن أكثر من 50 اقتصاداً تتبعها بلومبيرج، أي أعلى معدل فائدة حقيقي في العالم، ما يجعل سنداتها وأذونات الخزانة ذات جاذبية خاصة لدى المستثمرين الدوليين المتعطشين للعائد. وتبلغ الحيازات الأجنبية من الأوراق المالية المصرية أكثر من 28 مليار دولار، حسب بيانات وكالة بلومبيرج. وتلعب السندات دوراً مهماً في اقتصادٍ ينتظر تعافي السياحة وغيرها من القطاعات التي تُشكّل مصدراً لجذب النقد الأجنبي. وتقول "ستاند آند بورز"، إن مصر لديها أعلى معدل فائدة حقيقي في ذات الوقت الذي لديها تكلفة مالية مرتفعة على القروض الأجنبية. ويترك ذلك مصر عرضة لتدفق الأموال الأجنبية للخارج إذا ارتفعت معدلات الفائدة في الأسواق الغربية، لا سيما إذا قام مصرف الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي"، بتغيير سياسات التيسير الكمي الحالية بسحب برنامج التحفيز أو خفضه من قيمة 120 مليار دولار شهرياً أو حتى رفع سعر الفائدة في المستقبل لمنع حدوث " تسخين اقتصادي". وتحذر الوكالة حكومة الانقلاب من وقوع مصر في مصيدة مالية، ولتلافي ذلك طالبت بخفط فاتورة الفائدة على الديون الخارجية لزيادة ثقة المستثمرين بنموذجها الاقتصادي بحيث يخفضون علاوة على المخاطر التي يطلبونها على ديون الحكومة في مصر.