الأربعاء 9 فبراير الجاري، وافق مجلس النواب الانقلابي ، على مجموع مواد مشروع القانون المقدم من الحكومة بشأن إصدار قانون إنشاء المجلس الصحي المصري. وأعلن رئيس المجلس إرجاء الموافقة النهائية على مشروع القانون إلى جلسة عامة لاحقة. القانون الذي تطبل له حكومة الانقلاب، في مجمله يسلب نقابة الأطباء دورها في إعداد الأطباء، ويفرض على الخريجين الجدد رسوما تصل إلى 80 ألف جنيه، كرسوم أداء عدة امتحانات، قبل إصدار تصريح ممارسة المهنة، وذلك وفق الزمالة المصرية، التي تسلب حقا أصيلا لنقابة الأطباء في اعتماد الأطباء الجدد، وتجعل سنوات الدراسة الست التي يقوم بها الطلاب مجرد صفر على الشمال. كما يُشرك القانون الجديد عدة جهات عسكرية في رئاسة المجلس الصحي المصري، كوزارة الدفاع والداخلية والمخابرات والصحة والتنمية المحلية ومحافظة القاهرة، ما يعني مزيد من العسكرة بقطاعات الحياة الإستراتيجية بمصر، سواء التعليم أو الصحة أو الاقتصاد. وتذهب مواد القانون إلى أن إقرار المادة الأولى بأن تنشأ هيئة عامة خدمية تسمى المجلس الصحي المصري، ويكون لها الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس الجمهورية، ويكون مقرها الرئيسي القاهرة الكبرى، ويجوز له إنشاء فروع في المحافظات، وتعتبر إدارة الخدمات الطبية العسكرية للقوات المسلحة والأكاديمية الطبية العسكرية كلية الطب بالقوات المسلحة أحد فروع المجلس، ويشار إليه في مواد هذا القانون بالمجلس.
أهداف القانون ويشير مراقبون إلى أن القانون يسعى إلى تحقيق عدة أهداف منها: 1. وضع السياسات العامة التي تضمن الممارسات الصحية. 2. وضع المعايير اللازمة لتطبيق المواثيق الأخلاقية المهنية؛ لتحقيق الممارسة الصحية الآمنة والعمل على مراقبتها، وذلك بالتنسيق مع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، وإدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية. 3. وضع المعايير والإجراءات والإشراف على الامتحانات المؤهلة للحصول على ترخيص مزاولة المهن الصحية، بالتنسيق مع الجهات المختصة، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية. 4- وضع مواصفات ومعايير للمؤسسات الطبية التي تملك مقومات التدريب المرحلة ما بعد التعليم الجامعي في المجالات الصحية بتخصصاتها المختلفة واعتماده، ومتابعة وتقييم ممارستها الصحية، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية. 5- وضع نظم المراقبة الدورية الجودة التعليم المهني والتدريب السريري بالمؤسسات المعتمدة، وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية. ومن جانبها، أرسلت نقابة صيادلة القاهرة برئاسة الدكتور محمد الشيخ، في وقت سابق، خطابا إلى رئيس الأكاديمية الطبية العسكرية اللواء د. أحمد التلاوي، طالبت فيه بتمثيل الصيادلة خلال مشروع قانون المجلس الصحي المصري. وقالت النقابة في بيانها إنها "طالعت خطاب نقابة الأطباء بشأن مشروع قانون المجلس الصحي المصري". وطالبت النقابة بأن يضم مجلس الأمناء صيدليا أو أكثر، وأن يضم إضافة نقابة الصيادلة ضمن الجهات المطلوب التنسق معها. ووفق تصريحات صحفية للدكتور مصطفى شاهين، وكيل وزارة الصحة الأسبق، فإن المجلس الجديد يستهدف مزيدا من سيطرة العسكر على مفاصل الصحة المصرية، بعدما تمت السيطرة على سوق الأدوية والمستلزمات الطبية عبر هيئة الشراء الموحد التابعة للقوات المسلحة التي تحتكر استيراد الأدوية بمصر، وهو ما يمثل خطوة إضافية نحو العسكرة التي تقود لتطفيش الأطباء، إذ يستلزم أن يخوض الطبيب الشاب بعد ست سنوات من الدراسة والتدريب بكليات الطب بالجامعات المصرية، غمار تدريب عسكري أجوف يستهدف ترسيخ قواعد العسكرية لدى الأطباء الجدد، كما يحدث مع الدبلوماسيين والقضاة وباقي الوظائف بمصر، لترسيخ الولاء للعسكر وفقط، وهو نهج قمعي قد يسمح بمزيد من العثرات التي تواجه الأطباء وتدفعهم نحو الهجرة لخارج مصر، لاستكمال حياتهم العلمية والمهنية بعيدا عن تحكمات العسكريين، الذين ستكون لهم الكلمة العليا في التدريب والاعتماد والتوظيف للأطباء الجدد والتحكم بحركة النيابات والتعينات والتنقلات، وهو ما يؤثر سلبا على مستوى الصحة العامة بالبلاد. علاوة على ما يكتنف الخطوة من انتقام متوقع من المعارضين للنظام، إذ أن نظام السيسي لديه عقدة من المهندسين والأطباء والعلماء والباحثين، وسبق أن وصف إعلام السيسي أغلب خريجي الطب والهندسة بأنهم ينتمون للإخوان المسلمين، وهي محاولات استصالية لنشر الجهل ومحاربة أصحاب العقول الذين غالبا لا ينخدعون بترهات العسكر وأكاذيبهم، وهو ما يمثل خطرا مضاعفا على الأطباء الجدد.
مسار واحد نحو الهجرة ومنذ الانقلاب العسكري، يضطر آلاف الأطباء المصريين إلى هجرة نحو مناطق أخرى من العالم للعمل، خاصة منطقة الخليج والدول الأوروبية، وتتحدث النقابة العامة للأطباء عن هجرة 120 ألف طبيب مصري من مجموع 220 ألف مسجل في النقابة. ويعزى هذا النزيف للوضع الاجتماعي لهذه الفئة لظروف العمل السيئة. وتعاني مصر من نقص كبير في الأطباء. وترجع أحد أهم أسباب ذلك إلى هجرة عشرات الآلاف منهم نحو دول أخرى، بحثا عن مستقبل أفضل، ويتقاضى الأطباء في الدول الأوروبية أكثر من عشرة أضعاف ما يتقاضاه زملاؤهم في مصر، حيث تتحدث بعض الأرقام عن أنهم يتقاضون 1800 جنيه، أي ما يعادل 100 دولار شهريا، فيما يقدر مرتب الأخصائيين ب 2600 جنيه أي 150 دولارا. وكانت النقابة العامة للأطباء في مصر دقت ناقوس الخطر بخصوص هذا الملف من خلال أرقام نشرتها الصحافة، تظهر أن ظاهرة هجرة الأطباء بلغت مستويات كبيرة، ويعاني القطاع الصحي المصري من عجز في عدد الأطباء قدر ب30%. ويضاف إلى هذا الوضع غلاء الأدوية، ما يزيد من تأزيم الخدمات الصحية في البلاد. وأفادت النقابة أن 120 ألف طبيب من مجموع 220 ألفا مقيدين في النقابة، يعملون خارج مصر، وهذه الهجرة لا تقتصر على فئة معينة من الأطباء، بل تشمل الجميع، خاصة المتخصصين في التخدير، الأطفال حديثي الولادة، الطوارئ والعناية المركزة، حسب تعداد مقررة اللجنة الاجتماعية في النقابة العامة لأطباء مصر شيرين المهندس في 2018. وقد دفعت الظروف الصعبة التي يعيشها الأطباء لتوتر العلاقة بين الأطباء والمرضى، وتعرض أطباء جراء ذلك لاعتداءات في مناسبات مختلفة، فالمريض يعتقد في كل الحالات أن الطبيب هو سبب تدهور وضعه الصحي، بتحريض من الإعلام التابع للدولة الذي لا يثير مشاكل قطاع الصحة الحقيقية، ويحمل المسؤولية للطبيب، وبلغ هذا التوتر مستوى خطيرا، حيث إن هناك أطباء قُتلوا أثناء تأدية مهامهم. وترى النقابية المصرية أن الوضع الصحي الحالي جاء نتيجة الخصخصة التي تدفع في اتجاهها الحكومة، وتسعى بذلك إلى وقف مجانية الخدمات الطبية معتبرة أن أكبر متضرر من هذه السياسة هم الفقراء، إضافة إلى الأطباء الذين يصعب عليهم تقديم خدمات صحية بجودة مقبولة من طرف المواطن في ظل هذه الأوضاع. ومع نزيف هجرة الأطباء نحو الخارج، فإن العمل الطبي في مصر أصبح متعبا ومؤلما، ويمكن لي القول إن "مستقبل الأطباء مظلم في مصر".