نشر موقع "المونيتور" تقريرا سلط خلاله الضوء على تداعيات إغلاق لجان المقاومة في شمال السودان الطريق الرابط بين السودان ومصر، على الاقتصاد المصري . وأعلنت لجان المقاومة التي تقود المظاهرات بالسودان يوم 21 يناير، أن الطريق الذي يربط مصر بالسودان سيظل مغلقا حتى تحقيق مطالبهم. وكان الطريق قد أُغلق منذ 10 يناير عندما اعتصم سكان ومزارعون في الشمال على المنطقة وأغلقوا الطريق احتجاجا على زيادة فاتورة الكهرباء، مما أدى إلى شل حركة البضائع بين مصر والسودان ، حيث أُجبرت مئات الشاحنات على الوقوف في الطابور عبر الحدود. وقال المتظاهرون إنهم "سيُبقون الطريق مغلقا حتى يتم اتخاذ قرار بخفض الفواتير". وعلى الرغم من تراجع مجلس السيادة السوداني عن قرار زيادة مشاريع قوانين الطاقة في 12 يناير، واصل المحتجون اعتصامهم وقاموا بتصعيد مطالبهم، الآن يريدون من الجيش تسليم السلطة إلى المدنيين، ويطالبون بإقامة حكم مدني كامل دون أي شراكة مع الجيش؛ إنهم يطالبون بحصة من عائدات التعدين ويريدون استكمال مشاريع التنمية في المنطقة. وفي يوم 20 يناير صرح هيثم سيد أحمد عضو المجلس الرئاسي لما يسمى بالمجلس الأعلى لدول الشمال للصحافة، بأن الولايات الشمالية لها الحق في الحكم الذاتي الذي سيمنحها سلطات واسعة لإدارة المنطقة، وإدارة مواردها والاستفادة منها بما في ذلك تجارة الحدود وموقعها الجغرافي الإستراتيجي. وأثارت هذه التطورات تساؤلات حول تأثير إغلاق الطرق على الاقتصاد المصري الذي يواجه بالفعل تحديات كبيرة، هل هذه الخطوة ذات دوافع سياسية؟ أم أن الهدف من ذلك هو تحقيق مطالب المحتجين فحسب؟ وقال المحلل السياسي السوداني يوسف سراج لموقع "المونيتور" إن "هذا التصعيد قد أحرج المجلس العسكري الانتقالي، لأن إغلاق الطرق يؤثر مباشرة على العلاقات التجارية مع مصر وبالتالي على الاقتصاد المصري". وأشار إلى أن المجلس العسكري سيضطر إلى التفاوض مع المواطنين في هذه الولاية الشمالية، في محاولة لتخفيف حدة الوضع واستئناف التبادل التجاري بين البلدين. وتصدر مصر إلى السودان مجموعة كبيرة من السلع منها المواد الغذائية والمنتجات الصناعية والكيماويات والآلات والمعدات، بينما تصدر السودان إلى مصر المواد الخام والمواشي والسمسم والقطن والفول السوداني وغيرها من المنتجات الزراعية والحيوانية. وقالت وزارة المالية في حكومة الانقلاب المصرية في تقرير رسمي نشر في 3 يناير إن "العجز في ميزانية الدولة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام المالي الحالي (2021-2022) ارتفع إلى 3.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة ب 3.2٪ خلال الفترة نفسها من 2020-2021. كما بلغ العجز في الموازنة 266.94 مليار جنيه مصري بنحو 17 مليار دولار أميركي في الفترة الممتدة من يوليو 2021 إلى نوفمبر 2021، مقابل 204.6 مليار جنيه بحوالي 13 مليار دولار في الفترة نفسها من 2020 إلى 2021. وبلغ حجم التجارة بين السودان ومصر 718 مليون دولار في الفترة من يناير 2021 إلى يونية 2021، مقابل 291.8 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2020. وبلغ مجموع الصادرات المصرية إلى السودان 419 مليون دولار في الفترة من يناير 2021 إلى يونية 2021، مقابل 172.3 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2020، في حين بلغت الصادرات السودانية إلى مصر 299 مليون دولار في الفترة من يناير 2021 إلى يونية 2021، مقابل 119.5 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2020. وتعليقا على إغلاق الطرق ووقف تدفق البضائع بين مصر والسودان، أشار سراج إلى أن الناس في الشمال يستخدمون الورقة المصرية للضغط على مجلس السيادة السوداني لتلبية مطالبهم ، ويعاني شمال السودان، بما في ذلك ولايتي شمال وأعالي النيل، من ظروف اقتصادية صعبة، ويشعر بالقمع والتهميش، لا سيما بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام الذي حصلت بموجبه الجماعات المسلحة من دارفور وجنوب كردفان على حصة من السلطة والثروة، في حين لم يحقق سكان الشمال أي مكاسب. وفي معرض تعليقه على مطالب الحكم الذاتي قال سراج إن "الحكم الذاتي للشمال لن يحصل إلا إذا تبنت دول أخرى الحكم الذاتي، وتوقع حدوث تطورات عدة في الفترة المقبلة في ظل استمرار التصعيد وموجة الاحتجاجات التي تشهدها القرارات العسكرية الأخيرة في البلاد". وفي 25 أكتوبر 2021، أعلن القائد العسكري للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان حل مجلس السيادة الانتقالي والحكومة برئاسة عبد الله حمدوك، وكانت قوة عسكرية قد اعتقلت حمدوك قبل إطلاق سراحه تحت ضغط شعبي ودولي. وقال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، في حديث للمونيتور إن "السودان أصبح بيئة خصبة للأجندات والمصالح الدولية في ظل حالة من الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد". وأضاف أنه لذلك يمكن استخدام سكان شمال السودان للضغط على مصر في محاولة لزرع الفتنة والفرقة بين البلدين، خاصة في ظل التقارب المصري السوداني الأخير على المستويين الأمني والاقتصادي والجهود المصرية المستمرة للحفاظ على تحالفها الإستراتيجي في السودان في مواجهة التحديات المشتركة وأبرزها أزمة سد النهضة الأثيوبي الكبير. وأعرب عبد الفتاح السيسي، في مكالمة هاتفية مع البرهان يوم 2 يناير، عن دعم مصر الكامل للسودان في جميع المجالات استنادا إلى حقيقة أن الأمن القومي للدولتين مترابط بشكل وثيق. وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة الوطنية للإنتاج العسكري المصرية وهيئة الصناعة العسكرية السودانية وقعتا في 20 نوفمبر 2020 اتفاقية تعاون في مجال التصنيع العسكري. وقال المستشار التجاري في السفارة المصرية في الخرطوم طارق قشوع في تصريحات صحفية يوم 18 يناير إن "مصر تسعى لزيادة حجم التجارة بين البلدين لتصل إلى ما بين مليار وثلاثة مليارات دولار". في هذه الأثناء، لم تستأنف بعد المفاوضات حول سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، على الرغم من الدعوات المصرية المستمرة. وفي الآونة الأخيرة، دعا وزير الخارجية في حكومة الانقلاب سامح شكري في 23 يناير إلى استئناف المحادثات، وقال في افتتاح المقر الجديد للنادي المجتمعي المصري في سلطنة عمان، إن "مصر مستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن سد النهضة في محاولة للتوصل إلى اتفاق ملزم وقانوني". وقال غطاس إن "تصاعد الاحتجاجات في السودان وامتدادها إلى الشمال خطير جدا، ويشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري". وتوقع أن يتصاعد الوضع في السودان خلال الفترة المقبلة، مما سينعكس سلبا على الوضع في مصر.