في مفاجأة جديدة وصادمة في ظل المنقلب السفيه السيسي وصمت الجيش، تواصل إثيوبيا تحديها وتعلن استكمال الملء الثاني و الثالث لسد النهضة في يوليو المقبل. يأتي ذلك في وقت تحاول حكومة الانقلاب لملمة نفسها في مواجهة أزمة نقص المياه الحاد، إثر أزمة سد النهضة الأثيوبي، والذي يكلف ميزانية مصر مليارات الدولارات حاليا، في شكل محطات تحلية مياه الصرف ومياه البحار وتبطين الترع والمصارف المائية بلا جدوى حقيقية في توفير بديل لمياه النيل التي ستتناقص بمعدلات تزيد عن 30 مليار متر مكعب سنويا، مع سنوات الملء للسد.
استكمال الملء الثاني كشفت مصادر قريبة من دوائر صنع القرار بأثيوبيا، نية أديس أبابا استكمال الملء الثاني لسد النهضة والتي فشلت في تحقيقه بشكل كامل الصيف الماضي، مع البدء في الملء الثالث للسد، دون التوصل لاتفاق واضح مع مصر، وهو ما يمثل صفعة مزدوجة لنظام السيسي العاجز عن فعل شيء رغم تلال الأسلحة التي يشتريها من أموال الشعب، بلا جدوى ولا فائدة حقيقية منها في ضوء مهددات الأمن القومي التي لا تخفى على أحد.
صمت وعجز انقلابي وعلى الرغم من حالة السكون في نظام الانقلاب على المستوى الرسمي بشأن ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، وغيابه عن أحاديث السيسي، وكبار مسؤولي الدولة المعنيين، أخيرا وفي الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الإثيوبية اضطرابات داخلية عنيفة، كشفت مصادر دبلوماسية غربية رفيعة المستوى في القاهرة عن تطورات جديدة بشأن الأزمة قد تنذر بتصعيد محتمل بين مصر وإثيوبيا. ومن المقرر قيام المبعوث الأميركي إلى منطقة القرن الأفريقي، جيفري فيلتمان بزيارة إلى القاهرة نهاية شهر يناير الحالي، بناء على اتصالات مصرية أميركية متعلقة بتطورات أزمة سد النهضة، وتطورات الأوضاع في الجارة الجنوبية السودان.
رغبة السيسي الزيارة المرتقبة لفيلتمان تأتي بناء على رغبة المنقلب ، لحث الإدارة الأميركية على لعب دور حاسم بعد وصول معلومات للقاهرة من أطراف ذات صلة بالأزمة، متعلقة بتأكيد رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، عزم حكومته استكمال الملء الثاني للسد، بالإضافة إلى الشروع في المرحلة الثالثة من الملء. وهذا الأمر ينذر بكارثة حال حدوثه، لما سيخلفه من عجز فادح في المياه يصعب تعويضه أو التعامل معه من جانب مصر. ولم تتمكن إثيوبيا من تنفيذ كامل عملية الملء الثاني في يوليو الماضي، بسبب عيوب فنية في إنشاءات السد، حالت دون اكتمال عملية الملء، إذ كان مقررا ملء 13.5 مليار متر مكعب من المياه. إلا أن أديس أبابا لم تخزن أكثر من 4 مليارات متر مكعب في الملء الثاني الذي استمر لمدة أسبوعين فقط، ليصل إجمالي ما تم حجزه خلف السد حتى الآن إلى نحو 8.5 مليارات متر مكعب فقط. وتاتي التسريبات الإثيوبية بشأن عملية الملء الثالث المقررة في يوليو المقبل، ردا على ما تصفه دوائر في أديس أبابا بدعم مصري واسع لمتمردي إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا في مواجهاتهم مع القوات الحكومية. فلدى الحكومة الإثيوبية تأكيدات بشأن الدعم المصري للمتمردين على مستويات متعددة، على الرغم من الصمت المصري إزاء الأحداث التي شهدتها إثيوبيا أخيرا.
صفعة للمنقلب السفيه ووفق خبراء، فإن ما تعتزم إثيوبيا الإقدام عليه خلال عملية الملء الثالث، ليس له مبرر مقنع، خصوصا أن استكمال الكمية التي كانت مقررة في الملء الثاني، تكفي لتشغيل توربينات توليد الكهرباء، وهو ما يعني أن هناك مساحة للمرونة يمكن التعامل بها، خصوصا في ظل حساسية الأمر بالنسبة لدولتي المصب، مصر والسودان. ووفقا للجدول الزمني المعلن من الجانب الإثيوبي خلال مراحل تفاوض سابقة مع مصر والسودان، من المقرر أن يقوم الجانب الإثيوبي، بملء خزان السد بنحو 74 مليار متر مكعب، خلال فترة زمنية تتراوح بين 5 و7 سنوات. وتشهد السنة الأولى تخزين 4.9 مليارات متر مكعب من المياه لتصل إلى ارتفاع يوازي أدنى نقطة على جدار السد، مما يسمح لإثيوبيا باختبار أول مجموعة من التوربينات التي تولد الطاقة الكهربائية، وذلك في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط إجمالي التدفق السنوي للنيل الأزرق 49 مليار متر مكعب من المياه. أما في السنة الثانية، فكان من المقرر أن يتم تخزين نحو 13.5 مليار متر مكعب أخرى، ليصل إجمالي الكمية المخزنة بعدها إلى 18.5 مليار متر مكعب.
التسريع بالخراب لمصر ووفقا للتصميم المعلن من جانب الحكومة الإثيوبية، من المقرر أن يبلغ ارتفاع السد 170 مترا، وعرضه 1.800 متر، على أن يكون له محطتان لتوليد الطاقة الكهربائية؛ على جانبي قناتي تصريف المياه. ويحتوي تصميم السد على 16 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميغاوات، عبارة عن 10 توربينات على الجانب الأيسر من قناة التصريف، و6 توربينات على الجانب الأيمن، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولى أفريقيا والعاشرة عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. وفي 19 يوليو الماضي، قال وزير المياه والري الإثيوبي آنذاك، سيلشي بيكلي، إن "بلاده أكملت مرحلة الملء الثاني لسد النهضة، مضيفا في الوقت ذاته "هذا يعني أن لدينا الآن كميات المياه الضرورية لتشغيل المحطتين"، وهو ما يكفي ليبدأ مشروع السد في توليد طاقة كهربائية. وعلى الرغم من ذلك، لم تبدأ منذ ذلك الحين أي عمليات لتوليد الكهرباء من السد، ما اعتبره خبراء مصريون دليلا على عدم صحة المزاعم الإثيوبية، إلا أن الواقع غير ذلك، إذ تستهدف أثيوبيا تعطيش مصر وتقليص كميات المياه الواردة خلف السد نحو مصر والسودان، لاستمرار الضغط على مصر وإخضاعها للاشتراطات الإثيوبية. ويشكل ملء إثيوبيا للسد مصدر توتر متزايد، في ضوء الخطوات الأحادية الجانب من قبل أثيوبيا.
النهج الإثيوبي ومع ذلك النهج الأثيوبي تتجه الأوضاع المائية والزراعية في مصر نحو أزمة مستدامة متصاعدة، قد تعصف بملايين المصريين في دوائر الفقر والهجرة وتجريف أراضي الدلتا وزيادة مستويات الجوع وندرة الغذاء وتبوير الأراضي، وزيادة تكاليف المعيشة بمصر. فيما يتواصل العجز العسكري والإستراتيجي بمواجهة مهددات الأمن القومي، حيث ما زال نظام السيسي يعوّل على الدور الأمريكي فقط، بعد الصفعات التي تلقتها مصر بمجلس الأمن ورفض دول العالم الإستجابة لمطالب مصر وحثهم على استمرار نهج المفاوضات للنهاية، وهو ما تستغله أثيوبيا في إطالة أمد التفاوض، من أجل إنهاء مشروعها الذي يخنق مصر.