في ظل انعدام التأثير الشعبي وخروج الشعب من حسابات الحكم العسكري، تتزايد مقامرات حكومة المنقلب السفيه عبد الفتاح السيسي للتلاعب بمقدرات مصر و تعريض أمنها الاقتصادي القومي للمخاطر، في ظل سيطرة وقمع عسكري غير مسبوق، يجري التفريط في شركات ومصانع مصر الإستراتيجية للبيع والخصخصة، استجلابا لمعونات وقروض مالية من الخارج من صندوق النقد ومؤسسات التمويل الدولية. القطاعات الرئيسية قبل يومين ، كشف بيان من رئاسة مجلس الوزراءالانقلابي ، عن دراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء اقترحت مجموعة من الآليات لتمكين القطاع الخاص، منها تحديد القطاعات الرئيسية التي ستستمر بها الدولة، والقطاعات التي ستخرج منها، والقطاعات التي سيتم الخروج التدريجي منها، إلى جانب إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الإستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أولوية.
صندوق النقد الملفت للنظر، هو أن ما خلصت إليه الدراسة يمثل تقريبا نفس ما أوصى به صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في يوليو الماضي، عن المراجعة النهائية للاتفاق مع حكومة المنقلب السفيه السيسي العام الماضي، إذ دعا صندوق النقد وقتها الحكومة المصرية إلى تحديد قطاعات اقتصادية بعينها يمكن أن تلعب فيها الشركات أو الجهات المملوكة للدولة دورا، على نحو يسمح بتخارج الدولة من قطاعات أخرى، وبالتالي المزيد من المكاسب المتعلقة بدخول القطاع الخاص إلى تلك القطاعات وزيادة إنتاجيتها.
ظهور المصريين ويأتي الإعلان الحكومي مترافق مع التعاون الجديد المزمع مع صندوق النقد الدولي، ضمن برنامح إصلاح اقتصادي ألهب ظهور المصريين بالضرائب والرسوم وارتفاع الأسعار، وقد ارتبط الجزء الأول من البرنامج بالسياسات المالية على مستوى ضغط النفقات وزيادة الإيرادات في الأساس لمعالجة عجز الموازنة، والجزء الثاني من البرنامج ارتبط بصورة عامة بسياسات الإصلاح الهيكلي المرتبطة بمجال عمل القطاع الخاص وتشجيعه، وهو ما يبدو واضحا هنا انعكاسه في التوجه الذي يُعلن عنه الآن بتخارج الحكومة من قطاعات اقتصادية كاملة، وارتبط الاتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016 بإجراءات تقشفية من قبيل رفع ضريبة الاستهلاك وخفض دعم المواد البترولية ودعم الكهرباء وتقليص الإنفاق الحكومي على الأجور عبر قانون الخدمة المدنية، وفي المقابل جاء الاتفاق مع الصندوق العام الماضي مرتبطا بإجراءات تتعلق بما يسمى الإصلاح الهيكلي والتشريعي المرتبط بالقطاع الخاص.
خصخصة الشركات الحكومية وفي المقابل، كان اتفاق عام 2016 قد تضمن فيما يتعلق بالخصخصة مجرد طرح أنصبة في عدد من الشركات الحكومية، بينما يأتي التوجه المعلن عنه اليوم متضمنا تخارجا من قطاعات كاملة. وتستهدف خطوة التخارج من قطاعات كاملة أيّا كانت آلية تنفيذها، من ناحية تخفيض العبء المالي عن الدولة فيما يتعلق بالإنفاق على تلك القطاعات التي تنوي التخارج منها بما يسمح للدولة بإنفاق المزيد على القطاعات التي تنوي البقاء فيها والاستثمار فيها وعلى رأسها البنية التحتية على الأرجح، والسماح بتدفق استثمارات أجنبية على تلك القطاعات في حال طرحت أصولها للاستحواذ بأي آلية من ناحية أخرى.
خروج اقتصادي ووفق تقديرات اقتصادية، فإن خروج الدولة من قطاعات كاملة في الاقتصاد يمثل خطوة غير مسبوقة في تاريخ الخصخصة في مصر منذ التسعينيات وحتى الآن، على نحو يبدو وكأننا نبدأ مرحلة جديدة استثنائية، كما يمثل عودة لأنماط قديمة من الخصخصة، من قبيل البيع لمستثمر إستراتيجي يمتلك أغلبية الأسهم وطرح نسبة أخرى من الأسهم في البورصة والإبقاء على حصة صغيرة في يد الدولة تقل عن 25% لتجنب إشراف الجهاز المركزي للمحاسبات على الشركة، تمهيدا لبيع تلك الحصة لاحقا في وقت يبدو مناسبا أكثر للحصول على سعر أفضل، هذا مجرد مثال على أنماط تنفيذ عملية الخصخصة.
أنماط أخرى وعلاوة على ذلك، ثمة أنماط أخرى لا تشمل بالضرورة البيع، وهي أنماط تشمل مثلا الإيجار والإدارة والمشاركة في الأرباح، تجنبا لبيع الأصول في وقت قد لا يكون مناسبا للحصول على سعر مناسب مقابل الممتلكات العامة. وبما أن مصر تسلمت كل أقساط القرض الذي تم الاتفاق عليه العام الماضي مع الصندوق، فالإعلان عن تخارج الدولة من قطاعات بعينها بالرغم من ارتباطه باتفاق مع الصندوق يعد تعاونا فنيا، على خلاف الوضع في التسعينيات، مثلا، مع نشأة برنامج الخصخصة في ذلك الوقت الذي جاء بتكليفات من البنك الدولي والصندوق معا، وبناء عليه يتم شطب نصف المديونية الخارجية، ضمن اتفاق اشترط التخلص بالبيع من شركات عامة أي كانت الأسباب.
المستثمر الرئيس عمرو عدلي الأستاذ المساعد في الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يرى في المقابل، أن هذا الإعلان عن التخارج من قطاعات كاملة، إذا نُفذ فعلا، سيعني ضرورة العودة لنمط المستثمر الرئيسي في طرح الشركات، أي هذا المستثمر الذي يستحوذ على نسبة غالبة أو على كل ملكية الشركة وفقا لاتفاق مع الحكومة، لأن نمط طرح أنصبة صغيرة في البورصة لا يمكن أن ينجح بالنسبة لكثير من القطاعات، سيتردد المستثمرون عن الدخول إليها ما داموا يرون أن الحكومة تنوي الاحتفاظ لنفسها بنصيب الأغلبية ومن ثم الإدارة في شركاتها. ومن ناحية أخرى، فالخطوة التي قد تمثل تغيرا كبيرا في هذا السياق، هو أن يشمل هذا الإعلان تخارج الدولة من قطاعات المرافق، لأن هذا يستلزم تعديلات تشريعية، في حين أن الإطار التشريعي الحالي يسمح فقط بنقل ملكية شركات قطاع الأعمال للقطاع الخاص. وتبعا لتقرير الصندوق، تمتلك الدولة أكثر من 300 شركة من ضمنها شركات تندرج تحت قطاع الأعمال العام والقطاع العام وشركات مملوكة للقوات المسلحة وما يقرب من 645 شركة أو مشروع مع القطاع الخاص، بالإضافة إلى 53 هيئة اقتصادية، ويصطدم الإعلان الجديد بحقائق على الأرض مفادها أن الدولة تباطأت للغاية في كل ما أعلنت عنه من توجهات شبيهة، بدءا من الإعلان عن برنامج طروحات لشركات حكومية لم يُنفذ منه إلا جزء بسيط، والإعلان عن طرح شركات تابعة للقوات المسلحة أمام القطاع الخاص وهو ما لم يحدث.
احتكار العسكر للاقتصاد ويبقى الخطر الأعظم في استمرار عسكرة قطاعات الاقتصاد المصري ، حيث يجري ترسية المناقصات والمشروعات للقطاع العسكري ما يفاقم أعداد العاطلين عن العمل ورفع أسعار السلع والخدمات بنسب كبيرة تفاقم أزمات المعيشة في مصر، إذ تقوم عقلية القطاع الخاص على تعظيم أرباحه فقط وهو ما يزيد الفقر بالمجتمع المصري، وبذلك يجتمع على المصريين ناران، الخصخصة والعسكرة، ما يطيح بالحد الأدنى من الحياة لملايين المصريين.