لا يتوقف مسلسل الحوادث في قطاع السكة الحديد منذ استقر كامل الوزير على كرسي الوزارة رغم وجود كفاءات في مجال النقل يمكن أن تحافظ على هذا المرفق المهم وعلى حياة الملايين التي تستخدمه يوميا، وانفصلت عربة في قطار بالإسكندرية أمس السبت، بعد أيام من انفصال عربة أخرى في قطار بين مدينتي البدرشين والحوامدية بالجيزة، بالإضافة إلى حوادث قاتلة في سوهاج وطوخ ومنيا القمح، أسفرت عن وفاة العشرات وإصابة المئات واستمرار الإنكار الرسمي بأن العسكر هم السبب في تفاقم تلك الظاهرة. وأسفر حادث قطار طوخ رقم 949 بمحافظة القليوبية الذي انفصلت منه 4 عربات يوم الأحد 18 أبريل 2021م عن مقتل 23 قتيلا ونحو 120 مصابا. وكان الحادث الثالث خلال شهر واحد؛ ففي أواخر مارس الماضي، تصادم قطاران في مدينة طهطا بسوهاج، ما تسبب في مصرع أكثر من 32 شخصا، وإصابة 185 آخرين. وفي منتصف إبريل الجاري، خرج قطار عن مساره بمنيا القمح بمحافظة الشرقية، ما أدى إلى إصابات. وتشهد مصر العديد من حوادث القطارات الدامية خلال العقود الأخيرة سقط فيها مئات القتلى، وأرجعها مسؤولون ومراقبون إلى قدم القاطرات والعربات والإهمال في صيانتها وتشغيلها. رئيس الانقلاب العسكري الجنرال عبدالفتاح السيسي أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادث، بينما انتقل وزير النقل بحكومة الانقلاب كامل الوزير إلى موقع الحادث محاطا بحراسة أمنية مشددة من الجيش والشرطة خشية تعرضه لغضب المواطنين. وتعزو صحف النظام أسباب الحادث إلى السرعة؛ حيث نقلت صحيفة "الشروق" عن مصادر مطلعة على التحقيقات الأولية بأن السرعة الكبيرة للقطار وراء وقوع الحادث خاصة أن تلك المنطقة هي منطقة إصلاحات. وأوضحت المصادر أن القطار كان يسير بسرعة كبيرة نحو 120 كم/الساعة، قادما من القاهرة إلى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، ومر بتلك السرعة الكبيرة في منطقة سندنهور وطوخ بالقليوبية، هي مناطق كانت تشهد إصلاحات بخط السكك الحديدية، وكان من المفترض أن يسير القطار فيها بسرعة لا تتجاوز 30 كم/الساعة. وأضافت المصادر أن ناظر محطة شبرا الخيمة، لم يقدم أمرا رسميا لسائق قطار المنصورة ومساعده بالتهدئة في تلك المنطقة مما جعله يسير على سرعة 120 كيلو في الساعة ما تسبب في انقلاع القضبان من مكانها وانحدار القطار من مكانه وانقلاب عرباته وسقوط ضحايا ومصابين. في ذات السياق، استبعدت التحقيقات الأولية وجود انفجار مدبر تسبب في الحادث، وتؤكد المصادر بحسب صحيفة الشروق أن سبب سماع الركاب لصوت انفجار قبل الحادث هو نزول القطار من القضبان مع السرعة تسبب في هذا الصوت الضخم. تطوير وزيادة حوادث! ومطلع العام الجاري(2021)، زعم وزير نقل الانقلاب خلال كلمته بالجلسة العامة لمجلس نواب العسكر أنه "تم التخطيط لتنفيذ مشروعات سكة حديد بإجمالي عدد 257 مشروعا بإجمالي تكلفة 220 مليار جنيه حتى عام 2024، مشيرا إلى أنه تم الإنتهاء من تنفيذ عدد 177 مشروعا بإجمالي 45 مليار جنيه. إلا أنه بمراجعة الإحصاءات الرسمية عن حوادث القطارات على موقع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن أقل فترة شهدت حوادث قطارات هي الفترة ما بين 2006 و2016، حيث بلغت 12 ألفا و236 حادثا فقط، أقلها كان في 2012 بواقع 447 حادثا فقط! لكن المفارقة أن عدد الحوادث ارتفع إلى 1793 حادثا في عام 2017، و2044 حادثا في عام 2018، و1863 حادثا في 2019، وهي السنوات التي شملتها عملية التطوير والتحديث، أو الإحلال والتجديد. وحسب تقرير أصدره البنك الدولي في ديسمبر 2018، تعتبر مصر أنها بحاجة إلى إنفاق نحو 10 مليارات دولار على إصلاح السكك الحديدية، البالغ طولها نحو 10 آلاف كيلومتر، وذلك في الفترة بين عامي 2019 و2029م. ولا ننسى أن حوادث القطارات حاليا تأتي بعد شهرين فقط من حديث السيسي، ومعه الوزير، عن إعادة إصلاح جذرية تحدث لمنظومة السكك الحديدية في مصر كلها. وفي انتظار الانتهاء من عملية الإصلاح، تظل حوادث القطارات أمرًا معتادًا في مصر، حيث ارتفعت قسوة حوادث القطارات إلى 42.4 متوفيًا لكل 100 مصاب في 2019 (مقابل 34.3 متوفيًا لكل 100 مصاب عام 2018)، وذلك بحسب النشرة السنوية لحوادث السيارات والقطارات لعام 2019، والتي نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء منتصف العام الماضي(2020). فشل الجنرالات هذه الحوادث تضيف مزيدا من الدلائل والبراهين والتجارب التي تؤكد فشل الإدارة العسكرية؛ فقد جيء بكامل الوزير وهو ضابط كبير بالجيش برتبة فريق، على رأس وزارة النقل خلفا لهشام عرفات الذي قدم استقالته من منصبه في فبراير 2019 إثر حادث قطار وقع بمحطة رمسيس، وأودى بحياة 21 شخصا وإصابة 52 آخرين، لكن تغيير الوزير لم يمنع تكرار الحوادث حتى وقعت الكوارث الأخيرة. وكان كامل الوزير يتولى منصب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وبالتالي كان مسؤولا عن تنفيذ ومتابعة آلاف المشروعات التي ينفذها الجيش منذ عام 2014، وانتظر المصريون منه القدرة على وقف نزيف حوادث القطارات، خاصة أن السيسي قال عنه خلال كلمة له في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة للاحتفال بيوم الشهيد، في مارس 2019، بأنه من أكفأ ضباط الجيش، قائلا "أنا بأدي للمرفق ده واحد من أحسن ضباط الجيش، وده مش معناه أن اللي قبله ماكانوش كويسين". وبالتالي فإن فشل أكفأ ضباط المؤسسة العسكرية رغم ما منح له من مخصصات مالية ضخمة دون سابقيه من الوزراء المدنيين برهان ساطع على فشل الجنرالات في حكم البلاد. ولا يتوقف الفشل عند تعدد الحوادث الكارثية بل يمتد إلى الخسائر الضخمة لمرفق السكة الحديد؛ حيث بلغت خسائرها نحو 600 مليون دولار(نحو 10 مليارات جنيه) في السنة المالية 2017/2018م بحسب رئيس قطاع الحسابات الختامية بوزارة المالية عبدالنبي منصور؛ الأمر الذي دفع لجنة الخطة والموازنة في برلمان الانقلاب إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق لمراجعة خسائر الهيئة القومية للسكك الحديد. ولا يزال نزيف الخسائر يتواصل بالمليارات حتى اليوم دون حسيب و رقيب أو مساءلة، بل الأكثر دهشة أن معظم القيادات العسكرية في ديوان وزارة النقل تحظى بمرتبات ومكافآت ضخمة رغم هذا الفشل المتواصل، ورغم المخصصات الضخمة التي منحت لهم لتطوير المرفق. ديون باهظة ومكافآت ضخمة! وكانت جريدة التحرير (الموالية للانقلاب) قد نشرت تقريرا عام 2016 يفيد بحصول 100 جنرال في وزارة النقل على رواتب شهرية تصل ل 50 مليون جنيه شهريا، بينما يتقاضى باقي الموظفين 8 ملايين فقط مؤكدة رفع وزارة النقل والمواصلات شعار: "لا مكان للمدنيين"، وكشف التقرير استمرار كل القيادات الحالية بالديوان العام وبقطاعات الوزارة والهيئات والشركات التابعة لها، الذين جاء بهم الوزير السابق اللواء الدكتور "سعد الجيوشي"، والذين يحمل أغلبهم رتبا عسكرية "عقيد/ عميد/ لواء"، ويتقاضون رواتب باهظة تبدأ من 50 ألف جنيه وتنتهي ب 200 ألف جنيه. وكان وزير نقل الانقلاب أكد في تصريحات سابقة، أن مرفق السكة الحديد مدين بنحو 111 مليار جنيه للبنك المركزي، وبنك الاستثمار القومي، ووزارة المالية بمعدل 35 مليار جنيه لكل منها، بخلاف ديون أخرى لم يذكرها الوزير في تصريحاته. هذه الخسائر الضخمة التي تعلن عنها الحكومة لمرفق المترو والسكة الحديد دفع الشعب إلى التندر والسخرية من فشل النظام العسكري وراجت بينهم النكات بهذا الشأن وأبرزها أن "توكتوك الغلبان يكسب ومترو الحكومة وقطاراتها التي يديرها جنرالات تخسر"!