في يوليو الماضي وعقب إطلاق السيسي سراح معتقل امريكي من أصل مصري كتب جو بادين الرئيس الأمريكي الجديد يقول: "أخيرًا، عاد محمد عماشة إلى منزله بعد 486 يومًا في السجن المصري بسبب حمله لافتة احتجاج، اعتقال وتعذيب ونفي ناشطين مثل سارة حجازي ومحمد سلطان أو تهديد عائلاتهم أمر غير مقبول، لا مزيد من الشيكات الفارغة ل "الديكتاتور المفضل لترامب". ما الذي يعنيه كلام المرشح الديمقراطي المرجح للرئاسة الأمريكية جو بايدن عن السيسي وانه لا شيكات علي بياض لدكتاتور ترامب المفضل؟ وهل هذه مقدمة تحول في السياسة الخارجية الامريكية تجاه الشرق الأوسط إذا ما فاز ؟! الآن ومع عودة تيار أوباما وهيلاري كلينتون لسدة الحكم في أمريكا، يتخوف السيسي وإعلامه وأنصاره من عودة سياسات التقريع للسيسي ولملف حقوق الإنسان والحريات، ويربطون هذا بمزاعم عن أنه سيسعى لإعادة الإخوان للحكم بعدما اغتصب الحكم بانقلابه العسكري عليهم، لمحاولة استدرار استعطاف العالم معهم. وما يزيد من قلق السيسي أن الرئيس المنتخب سبق أن أكد أنه يعتزم استئناف سياسات الرئيس الأسبق باراك أوباما بل والتوسع فيها، وإذا ما استرجعنا الشكل الذي كانت عليه العلاقات الأمريكية المصرية خلال فترة ترؤس أوباما، سنجد أنها لم تكن في أفضل أحوالها، فوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وبقية الإدارة الأمريكية كانت داعمة للتجربة الديمقراطية التي أوصلت الإسلاميين للبرلمان والسلطة طالما جاءت عبر صناديق الانتخابات، ورافضة انقلاب السيسي العسكري وهيمنة العسكر على الحكم والاقتصاد. لهذا كانت العلاقات بين القاهرةوواشنطن ليست على ما يرام برغم استمرار التعاون الاستراتيجي، فهل ستنقلب إدارة بادين علي السيسي بالكلية وتعاديه كما يتصور البعض؟ بين سطور كلام بايدن ما يؤكد أننا أمام إعادة إنتاج حقبة أوباما في السياسة الخارجية وأنها بمهمة عاجلة أولًا وهي إصلاح ما أفسده ترامب بحسب بايدن على صعيد دور واشنطن بالعالم، وبايدن أعاد تكرار نفس مصطلحات حقبة أوباما التي تعتمد على التعايش مع الحلفاء وحل المشكلات في الغرف المغلقة. التوقعات المستقبلية واقع الأمر أن هناك فارقا بين رؤية بايدن ومعاونيه وبين المؤسسات الامريكية الأخرى التي تلعب دورا في توجيه البلاد نحو التعامل مع الدكتاتور السيسي وغيره من الديكتاتوريات العربية استنادا لمبدأ البراجماتية النفعية الذي يتبناه الحزب الديمقراطي. فعلى صعيد الاستراتيجيات والاقتصاد والأعمال لا يتوقع تغييرات تذكر، بيد أنه ستكون هناك ضغوط من واشنطن فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في مصر والحريات، وهناك توقعات أن تتولى تل أبيب حماية الديكتاتور السيسي والدفاع عنه، ولا ننسى أن نتنياهو هو الذي أقنع إدارة أوباما السابقة برفع الحظر عن الأسلحة للسيسي بدعاوى أنه يحارب الإرهاب في سيناء وهو مصلحة أمريكية، لهذا رفع الحظر وأعاد الصفقات العسكرية المجمدة للسيسي وجاء ترامب ليزيد من الحفاوة بالسيسي ويمنحه كارتا أخضر للبطش بمعارضيه لأسباب تتعلق بكراهية ترامب الإنجيلي المتطرف للتيارات الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان. ولا ننسى هنا عدة أمور مهمة: (الأول): العلاقة بين أمريكا والمؤسسة العسكرية المصرية علاقة استراتيجية، وهي علاقة مؤسسات وليست علاقة أشخاص وستظل العلاقات بذلك الشكل بين البلدين أيًا كان من سيكون على رأس الإدارة الأمريكية ترامب كان أو جو بايدن، ولا ننسى أن وزير الدفاع الأمريكي كان يحادث السيسي مرتين يوميا قبل وخلال الانقلاب العسكري عام 2013 ما يعني أن هناك توافقا بينهما على حساب الديمقراطية المصرية طالما جاءت بالإسلاميين. (الثاني): هناك تعدد في الرؤى المؤسسية التي تحكم العلاقة بين أمريكا ومصر، ما بين وزارة الخارجية والبنتاجون وأجهزة المخابرات، ولكن يظل الدور الأكبر للقيادة المركزية الأمريكية ووزير الدفاع الأمريكي وتأتى في المرتبة الثانية أجهزة المخابرات في البلدين ثم العلاقات السياسية والتجارية في المرتبة الثالثة؛ حيث يعتبر التواصل الدائم والمباشر بين البنتاجون والقيادة المركزية الأمريكية مع الإدارة المصرية هو ترمومتر قياس قدرة العلاقة على تجاوز أي عقبات واختلافات في وجهات النظر والسياسات. فالأمريكان يهمهم مصالحهم في مصر خاصة التطبيع مع الاحتلال وقناة السويس إضافة إلى تأمين البترول ومصادر الطاقة وتأمين الملاحة والحركة في المضايق والممرات المائية وتأمين الدعم اللوجيستي للقوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة برا وبحرا، إضافة لأهمية المنطقة في معادلة الصراع مع الدول الكبرى الفاعلة وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا الاتحادية ثم الصين وعدد من القوى الغربية، والتنسيق الأمني بين أجهزة المخابرات والمعلومات في ملف مكافحة الإرهاب وهو ما يأتي أحيانا على حساب حقوق الإنسان والحريات. (الثالث): بايدن كان يلقب بدبلوماسي أوباما الأول، وكان يعتمد مبدأ "التعاطف الاستراتيجي" في كل زياراته الخارجية حيث كان يحاول تشكيل علاقة شخصية مع الزعماء وحل المشاكل معهم في الكواليس وتقليل حجم أي خلاف ومنع خروجه للعلن تحت أي ظرف، وفي خطاب سابق له بجامعة مدينة نيويورك حول سياسته الخارجية إذا أصبح رئيسا، لم يأت على ذكر الشرق الأوسط مباشرة واكتفى بالتلميح له في مسألة القمة الديمقراطية التي دعا إليها، وإن ركز بايدن على عقد قمة في سنة حكمه الأولى للدول الديمقراطية من أجل إطلاق مبادرة لحمايتها. مطلوب رؤية للتعامل مع بايدن لهذا لا يمكن التعويل على دور أمريكي أكثر انخراطا في حماية الشعوب من الديكتاتوريات العربية أو التدخل في الشرق الأوسط، لكن تغييرا سيحدث بالتأكيد على صعيد رفع الغطاء الأمريكي عن الحماقات التي ترتكب أحيانا في المنطقة بينما تغمض واشنطن عينيها عمدا كما جرى في عهد ترامب مقابل أموال تدفع لتعزيز موقفه داخليا. وعلى صعيد ديكتاتوريات المنطقة قد تواصل أمريكا غض الطرف عما يجري لكنها لن تقدم مكافأت لهم وستشعرهم بالضجر من ذلك لكن لا يتوقع أن يتطور الأمر إلى حد المواجهة فالنظرة ستكون محكومة أصلا بعدم اهتمام أمريكي سيظل قائما بهذه المنطقة من العالم. فالأمر يخضع بالنسبة للأمريكيين لرؤية استراتيجية عسكرية أمنية ولا يمكن تجاوز القيادات المسئولة عن تلك العلاقات في الضغط أو فرض سياسات إلا بعد الرجوع لها والتأكد من عدم الإضرار بجوهر العلاقة. قد يكون الفارق بين إدارة أوباما وإدارة بايدن أن الأول سمح بدور أكبر للشباب في إدارته ممن لهم تواصل مع شباب الربيع العربي وكان هناك تيار ضاغط من قبل دائرة قريبة من أوباما وقريبة من قناعاته في دوائر الإدارة معظمهم من الشباب الذي تشبه أفكاره كثيرا أفكار شباب الربيع العربي عن والديموقراطية وتمكين الشباب وحتمية التغيير. وليس معروفا حتى الآن طاقم بادين وهل سيكون هو نفس طاقم أوباما الشبابي أم العكس، هل مثلا سيعيد هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية؟ وهل يعيد الشباب الذي كان على تواصل مع شباب الربيع العربي ويواصل التنغيص على الديكتاتوريات العربية؟ والأهم هل أجواء 2020 هي نفس أجواء 2012؟ ففي 2012 كان الربيع العربي في عز عنفوانه ولم تكن المؤسسة العسكرية أظهرت هذه الشراسة في التعامل مع الربيع العربي، والآن في 2020 تبدو المؤسسة العسكرية الحاكمة أكثر رسوخا بل وخلقت طبقة من الضباط العسكريين يحكمون كل شيء في مصر، وبالمقابل قضت على المعارضة وخاصة الإسلامية قتلا واعتقالا وتشريدا، وليس من عادة الأمريكان دعم الضعفاء لهذا قد يضطرون للعب مع السيسي وجنرالاته ولكن وفق قواعد أقل حدة عما يتوقعه البعض. لهذا سيكون على المعارضة في مصر، والإسلاميون تحديدا، دور كبير وعبء أكبر في التركيز على ضرورة تصدير خطاب جديد للتعامل به مع إدارة "بايدن" يتضمن: أوراق ضغط، ورؤية واضحة لأهداف الحركة الإسلامية خلال السنوات الأربع المقبلة. ويجب أن يتضمن ذلك التحالف مع لوبيات ضغط، أو تجديد زيارات مسئولي الإخوان وغيرهم من المعارضة للقاء مسئولي الكونجرس والإدارة للضغط على السيسي والتواصل مع شركات علاقات عامة لاستقطاب الإدارة الجديدة، وتوحيد الصفوف والأولويات، ودراسة كيف سنحصل على مكاسب من الإدارة الجديدة، ونعيد الديمقراطية المغتصبة من السيسي وجنرالاته.