مع عودة معدلات التضخم للارتفاع يواجه الاقتصاد المصرى تهديدات خطيرة بجانب ارتفاع الأسعار مما يزيد من أعداد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين يلغ عددهم أكثر من 72 مليونا وفق بيانات البنك الدولى من اجمالى سكان مصر البالغ 100 مليون نسمة. وفى هذا السياق أكدت دراسة حديثة بعنوان "سياسة الخفض التنافسي لأسعار الصرف العالمية وآثارها على الصادرات المصرية" أن ارتفاع معدل التضخم هو التحدي الرئيس الذي يهدد تنافسية الاقتصاد المصري. وقالت إن تخفيض سعر الصرف يساعد على زيادة التضخم، ويهدد التنافسية خاصة في ظل ارتفاع درجة الاعتماد في مصر على السلع الوسيطة المستوردة. الجنيه والدولار من جانبها أوضحت الدكتورة ماجدة قنديل رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية أن التطورات الاقتصادية العالمية تشير إلى تنامي المخاوف من تزايد اتباع سياسة الخفض التنافسي لأسعار الصرف، بهدف زيادة الصادرات أو ما يعرف بسياسة إفقار الجار أو حروب العملات. وقالت ماجدة قنديل فى تصريحات صحفية إن استمرار تدفق الأموال الساخنة التي تجوب العالم بحثًا عن تحقيق عوائد مرتفعة يعد تحديًا كبيرًا، وللحد من مخاطره يمكن اتخاذ تدابير مؤقتة مثل فرض قيود على رؤوس الأموال واتخاذ تدابير ضريبية وتحفيزية تختلف وفقًا لنوع التدفقات الوافدة. ولفتت إلى أن تدفق هذه الأموال بصورة مطردة يتطلب تعديلات في السياسات المتبعة مثل تدابير ضبط الأوضاع المالية العامة لضمان الاستدامة واستقرار المركز الخارجي. وحول وضع الاقتصاد المصري بين الشركاء التجاريين الرئيسيين والدول المؤثرة على المستوى الدولي؟، أوضحت أن الاتحاد الأوروبي يمثل الشريك التجاري الأكبر لمصر ولمواجهة المخاوف بشأن التنافسية لا بد من أخذ ثلاثة عوامل في الاعتبار، هي: أولا: التقلبات التي يشهدها الجنيه المصري مقابل الدولار فضلًا عن تدخلات البنك المركزي. ثانيًا: التقلبات في سعر الدولار مقابل اليورو والعملات الرئيسة الأخرى. ثالثًا: معدل التضخم في مصر مقارنة بنظيره في الشركاء التجاريين. وأشارت ماجدة قنديل إلى أن الميزان التجاري في مصر شهد تدهورًا بمضي الوقت نتيجة ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تحويل فائض الحساب الجاري إلى عجز في الآونة الأخيرة، مما يتطلب تعديل السياسات المحلية مع تبني استراتيجية موجهة للتصدير مؤكدة أن تنافسية الصادرات المصرية تتوقف على كل من تضخم الأسعار النسبية وتقلبات سعر الصرف الاسمى للجنيه. وكشفت أن المقارنة بين معدل التضخم في مصر ونظيره في الشركاء التجاريين الرئيسيين تعكس فجوة آخذة في الاتساع، الأمر الذي يشكل تهديدًا على تنافسية مصر. وشددت ماجدة قنديل على أن الارتفاع المستمر في التضخم النسبي في مصر مقارنة بالشركاء التجاريين وضع سعر الصرف الفعال الحقيقي في مسار تصاعدي مما يشكل تهديدًا على القدرة التنافسية للبلاد وتوقعت مع استمرار اتباع الولاياتالمتحدةالأمريكية سياسة التيسير الكمي أن يؤدي إلى اتساع فرق أسعار الفائدة إلى زيادة التدفقات الرأسمالية الوافدة إلى مصر مما يؤدي إلى زيادة الضغوط لرفع سعر الصرف الاسمي، كما أن زيادة السيولة المحلية تؤدي إلى ارتفاع التضخم، ومن ثم زيادة سعر الصرف الحقيقي بصورة أكبر مما يشكل تهديدًا على التنافسية ويزيد العجز التجاري. الديون وقال مدحت نافع خبير اقتصادى متخصص فى إدارة المخاطر، إن زيادة الاقتراض الداخلى بأرقام غير مسبوقة فى تاريخ مصر يرجع إلى العجز الكبير فى الموازنة المالية لدولة العسكر مما يصعب تمويلها فى ظل الظروف الحالية إلا عن طريق طباعة الأموال التى لا يمكن للدولة التوسع فيها لتقيدها بمعادلة النقود ومعدلات التضخم أو طباعة أذون وسندات خزانة وطرحها فى السوق مثلما يحدث الآن لعدم لجوء حكومة الانقلاب إلى الحلول الأكثر استدامة فى سداد عجز الموازنة وتحقيق فائض فى الإيرادات. وأضاف نافع فى تصريحات صحفية: معدلات الدين الداخلى والخارجى فى تزايد بوتيرة مرتفعة مشيرا إلى ان وقف الاستدانة سواء الداخلية أو الخارجية لن يكون إلا بزيادة الإنتاج ثم زيادة الصادرات لتحسين ميزان المدفوعات وسداد القروض الخارجية أو بدخول استثمارات أجنبية توفر عملة أجنبية وتسهم فى تخفيض معدل التضخم بتشغيل جزء من حركة الاقتصاد. وأوضح أن دولة العسكر تستدين بسبب عجز الاقتصاد بمحركاته المختلفة عن تأدية ما هو مطلوب منه تجاه المجتمع، فالقطاعات الإنتاجية أصبحت عاجزة عن تلبية الطلب الاستهلاكى المتزايد بوتيرة مرتفعة، وحكومة الانقلاب عاجزة عن تقديم الالتزام الاجتماعى تجاه المواطنين فيما يتعلق بالتعليم والصحة والخدمات التى يقال إنها مدعمة فى حين إنها لا ترقى للاستخدام الآدمي، وهذه تبعات لعدم وجود نمو كاف، بل إن النمو محفز بالاستهلاك وليس بالاستثمار وهذا أمر أخطر. وعن إمكانية التوقف عن الاستدانة، رأى نافع أن الحل الوحيد أمام حكومة الانقلاب التى لا تملك رؤى أو خطط مستقبلية هو الاقتراض من الداخل والخارج لسد العجز القائم، فى ظل عدم وجود محاسبة عن الفجوة الموجودة بين الموازنة والحساب الختامى والذى يوجد فيه انحراف كبير رغم أنه أهم خطط أى حكومة، لكنها لا تراقب ولا تنفذ، فكيف سيتم وضع وتطبيق خطط حقيقية لتنمية الاقتصاد، موضحا ان التفكير فى حل أزمة الديون المتفاقمة يجب ان يكون عن طريق خطة لمدة 5 سنوات، بدلًا من الحديث عن رؤية شاملة تتحقق فى 2030. وأشار إلى أن هناك فرقا بين إدارة الأزمة وإدارة المخاطر، فمن يديرون الاقتصاد الآن يرون أن إدارة الأزمة هو الاستدانة، مع العلم أن هناك طرقًا أخرى سريعة لكن وفق إمكانياتهم هذا هو الحل، ويجب أن يكون هناك أيضا جهة تعمل على إدارة المخاطر وحل الأزمة قبل أن تقع فى المستقبل لأن الدلائل تشير لوجودها. وحذر نافع من أن سير حكومة الانقلاب على هذا الطريق سيؤدى إلى مزيد من الأزمات خاصة أن تقرير مؤسسة موديز للتصنيف الائتمانى الذى صدر مؤخرًا كان سيئًا تجاه مصر ورأى أن ميزان المدفوعات هش للغاية وانحرف بدرجة كبيرة ، وهناك عجز فى الميزان التجارى ومن ثم انخفاض فى الملاءة الائتمانية والعجز عن السداد وبالتالى يصبح الاقتراض من الخارج شبه مستحيل. وأشار إلى أن الوضع صعب ومتأزم باعتراف التقارير الداخلية، فلأول مرة يصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء معدل التضخم من يونيو العام الماضى إلى يونيو العام الحالى ليصل 14.8% مقتربًا من 15% وهذه نسبة خطيرة جدًا خاصة وأنه لا توجد دخول ارتفعت بنفس معدل التضخم مما يعنى أن الجميع أصبح فى مستوى خط الفقر. وذكر نافع أن الحل السريع لسد عجز الموازنة وتقليل الاقتراض هو تجفيف منابع الفساد ووقف هدر إيرادات الدولة وإنشاء إدارة مخاطر مؤسسية لمتابعة تحصيل الإيرادات. الأداء الحكومي وأكد أحمد صقر، رئيس غرفة الصناعات الغذائية، أن ارتفاع التضخم أمر طبيعي، في ظل وجود حكومة لا تقوم بالدور المطلوب منها، وهي فقط تعمل على تسيير الأمور. ووجه "صقر" فى تصريحات صحفية انتقادات حادة للأداء الحكومي في كافة القطاعات مشيرا إلى أن كل وزراء الانقلاب لديهم مخاوف من اتخاذ قرارات أو إصدار أوامر يتحملون مسؤوليتها وتوجه لهم الاتهامات على أثرها، ما دفعهم للتوقف عن اتخاذ أي خطوة نحو إصلاح المناخ العام. وأشار إلى ضرورة الاستقرار الاقتصادي، موضحًا أن حكومة الانقلاب تركز حاليًّا على القطاع الرسمي وتعمل على جني أكبر قدر من الضرائب منه دون تقديم تسهيلات أو خدمات، في الوقت الذي تتجاهل فيه القطاع غير الرسمي، والذي يمثل نحو 70% من الاقتصاد وفي ظل الوضع الحالي الذي يتنامى دون رقابة. مؤشرات سالبة وأكد الدكتور شريف مختار، خبير اقتصادي، أن مصر تمر بأزمة اقتصادية على مستوى كل القطاعات ونحتاج إلى زيادة الإنتاج لأنه أقل من النمو السكاني، مما يزيد عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات والتضخم، وكلها مؤشرات سالبة تجهد الاقتصاد المصري وتضعنا في أزمة خطيرة. وقال مختار فى تصريحات صحفية: المشكلة لا تحل إلا بمنظومة الإنتاج وكفاءته، خاصة أن مجال السياحة تراجع دخله إلى أقل من 13 مليار دولار فى السنوات الآخيرة بالاضافة إلى تراجع تحويلات العاملين بالخارج عقب أزمة فيروس كورونا.