الزيارة المفاجئة التي بدأها الثلاثاء 8 سبتمبر 2020م، وفد من المجلس الرئاسي الليبي وحكومة الوفاق المعترف بها دوليا إلى القاهرة تمثل تحولا مهما في سياق المشهد الليبي الملتبس والمعقد بشكل كبير. حيث ترأس الوفد المستشار الأمني لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج تاج الدين الرزاقي، وضم في عضويته أعضاء من مجلسي النواب والأعلى للدولة. وشمل كلا من محمد الرعيض، وأبوالقاسم اقزيط، وأبو بكر سعيد، وأيمن سيف النصر، وسعد بن شرادة، فيما مثّل أعيان مصراتة حسن شابة. الزيارة تمثل مفاجأة وتحولا لافتا في المشهد الليبي إذ انقطعت خطوط التواصل بين نظام الانقلاب في مصر بقيادة الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وحكومة الوفاق منذ دعم نظام السيسي لحملة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في إبريل 2019م. بخلاف الانحياز الأعمي من جانب نظام السيسي لمليشيات حفتر في شرق ليبيا التي تتخذ من شرق ليبيا مقرا لها. الملاحظة الأولى أن الهدف هو عودة خطوط التواصل بين الطرفين بعد انقطاع دام لأكثر من سنة ونصف السنة، وبحسب تقارير إعلامية فإن الوفد الليبي الذي يقوده الرزاقي سوف يلتقي رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل ومسئولين بالجهاز يشرفون على اللجنة المعنية بإدارة ومتابعة الملف الليبي. وتهدف الزيارة إلى فتح قنوات الاتصال التي توقفت في أعقاب حملة حفتر على العاصمة طرابلس. ويحاول نظام الانقلاب في مصر تخفيف حدة انحيازه الأعمى لمليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر حيث تدعي مصادر مصرية أن حملة حفتر على طرابلس جاءت على غير الرغبة المصرية، إلا أنها اضطرت لدعمها بعد الضغط عليها من جانب الإمارات والسعودية، قبل أن تنتهي بسلسلة خسائر أسفرت عن خروج مليشيات حفتر من كافة مناطق غرب ليبيا. الملاحظة الثانية، أن هذا التقارب تقف وراءه جهود ووساطة أمريكية بمشاركة أطراف في غرب ليبيا، أسهمت في كسر جمود العلاقات بين الجانبين، حيث تستهدف واشنطن الحد من التواجد والنفوذ الروسي في ليبيا حتى لا تتحول إلى سوريا جديدة التي باتت فعليا تحت الاحتلال الروسي المباشر. وهو ما تؤكده تصريحات عضو المجلس الأعلى للدولة، أبو القاسم قزيط، الذي يؤكد على وجود تطورات "مهمة جدا" مدفوعة بإرادة أمريكية ترى أن الحرب تعني مزيدا من النفوذ الروسي". الملاحظة الثالثة، أن هذه الخطوة الليبية من جانب حكومة الوفاق لا يمكن أن تتم بدون تنسيق مباشر وعلى أعلى مستوى مع تركيا؛ خصوصا وأن الزيارة تجري بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة فايز السراج إلى أنقرة حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. بل إن زيارة السراج لتركيا فيما ترك وفد القاهرة لمستشاره الأمني برهان على مكانة تركيا لدى حكومة الوفاق والتي لولاها لسقطت الحكومة وسقطت العاصمة طرابلس أمام عدوان مليشيات حفتر المدعومة مصريا وسعوديا وإماراتيا. الملاحظة الرابعة، أن الدوافع المصرية تستهدف أن يكون لها موضع قدم في السياق الليبي خصوصا وأن الرهان على حفتر مليشياته قد انتهى إلى هزائم مذلة، والمجتمع الدولي يتجه نحو فرض تسوية سياسية للأزمة لا يكون لحفتر وجود فيها باعتباره جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل. خصوصا وأن القاهرة كان قرارها مرهونا بكفلاء الانقلاب في الخليج "السعودية والإمارات"، وتستضيف المغرب منذ الثلاثاء 8 سبتمبر 2020م في مدينة بوزنيقة المغربية، شمالي المملكة، مباحثات موسعة تضم وفدين لكل من مجلس نواب طبرق الذي يقوده عقيلة صالح ووفد تابع للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق؛ وتخشى القاهرة أن يفضي هذا إلى تهميش دورها في مستقبل ليبيا بعد أن ثبت فشل الرهان على حفتر ومليشياته. ويعزو مراقبون دوافع النظام العسكري في مصر نحو إعادة خطوط التواصل مع حكومة الوفاق إلى أنها تأتي ضمن تعديلات على التوجه المصري نحو الأزمة الليبية، وبشكل تتجه فيه القاهرة نحو التحرر التدريجي من مواقفها المرهونة لمواقف أصدقائها في الإمارات والسعودية. وتجري البعثة الأممية لليبيا ترتيبات لعقد مؤتمر جنيف بين أطراف الأزمة الليبية، بمشاركة 13 عضوا من المجلس الأعلى للدولة، و13 آخرين من مجلس النواب، في حين ستختار البعثة الأممية 13 عضوا بمعرفتها. وحول تفاصيل ما جرى خلال اللقاءات، كشف الناصر أن التباحث بين الطرفين جرى حول تحديد آليات اختيار المناصب السيادية في ليبيا، وهي (محافظ البنك المركزي، رئيس ديوان المحاسبة، الرقابة الإدارية، هيئة مكافحة الفساد)، مشددا على أنه تم الاتفاق على المعايير التي تحدد شغل هذه المناصب، نافيا في الوقت ذاته طرح أسماء لشغل هذه المناصب.