27 مليار جنيه يسددها الغائبون عن مسرحية انتخابات مجلس شيوخ العسكر في حال تطبيق الغرامة، هنا يتساوى المواطن الذي كفر بحكم العسكر مع وزير داخلية حوكم بسرقة 2 مليار جنيه من أموال وزارة الداخلية، الأخير كان حبيب العادلي ودفع 500 جنيه فقط وتُرك له كامل المبلغ المسروق، أما الثاني فسيدفع 500 جنيه ويسرق منه كامل الوطن. وبما أن عصابة العسكر ليسوا جيدين في ستر فضائحهم، أصدر مجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات، برئاسة المستشار لاشين إبراهيم، نائب رئيس محكمة النقض، قرارا بإحالة جميع الناخبين الذين تخلفوا عن التصويت في الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ إلى النيابة العامة. السفاح غاضب القرار يعكس غضب السفاح عبد الفتاح السيسي جراء فشله في إدارة مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة، وتدني مستوى المشاركة فيها وعجز الأجهزة عن زيادة نسب المشاركة المسجلة عن 14%. وعادة ما يحذر زعيم الانقلاب الدموي في مصر السفاح السيسي المصريين من الأصوات التي تشكك في إنجازات العسكر، كما عاد للتلميح بأنه لن يقبل تكرار ما حدث في البلاد قبل سنوات، في إشارة إلى أحداث ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالمخلوع مبارك بعد ثلاثة عقود قضاها جاثما فوق انفاس المصريين. وتكررت المناسبات التي حذر فيها السفاح السيسي من التظاهر أو الثورة، حيث سبق وقال خلال كلمة له ضمن فعاليات ما يسمى المؤتمر الوطني الثامن للشباب بمركز المنارة للمؤتمرات إن الدولة ما زالت تسدد ثمن ما جرى عام 2011، في إشارة إلى ثورة 25 يناير، داعيًا المصريين إلى عدم تكرار تلك "الحركة". كما سبق وكرر حديثه عن مخاطر التظاهر على عصابة الانقلاب، مستشهدا بما يحدث في الدول المجاورة خلال ندوة عقدت في إطار احتفال الجيش ب"يوم الشهيد" في مارس الماضي، قائلا "الناس في هذه الدول تضيع في بلدها لأن كل هذا الكلام له ثمن ومن سيدفع الثمن هو الشعب والأولاد الصغار"، على حد زعمه. من جانبه علق الحقوقي والسياسي البارز أسامة رشدي، على هذا القرار مستنكرا بقوله: ”هذا كلام نصب واحتيال هل ستحيل أكثر من 50 مليون مواطن للنيابة؟! طيب ده هتلر نفسه لم يفعلها وكيف ستستدعي النيابة الناخبين وتسألهم عن سبب تخلفهم؟!”. وتابع:”يا بلد .. يكفي استخفاف وإهانة للناس … وهل هذه انتخابات؟!” وعدد المقيدين بجداول الانتخابات 62 مليونًا و940 ألفًا و165 ناخبًا، في حين أن إجمالي أصوات الناخبين المصوتين في انتخابات مجلس الشيوخ 2020، بلغ 8 ملايين و959 ألف صوت بنسبة مشاركة 14.23 في المئة، وفق "الوطنية للانتخابات". ويذكر أن مجلس الشيوخ والذي كان يعرف ب"الشورى" سابقًا، تقرر إلغاؤه بعد الغدر بالرئيس الشهيد محمد مرسي في انقلاب عسكري بقيادة السفاح السيسي، وفي عهد المخلوع مبارك والذي أطيح به في ثورة يناير 2011، كان مجلس الشورى مخصصًا إلى حد كبير للنخبة الفاسدة وأعضاء الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. ولا يتمتع مجلس الشيوخ، الذي تمتد ولايته لخمس سنوات، سوى بصلاحيات رسمية قليلة، إذ يختص، وفق ما نُشِر في الجريدة الرسمية، "بدراسة واقتراح ما يراه كفيلًا بتوسيد دعائم الديمقراطية، ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع"، في المقابل، يتمتع برلمان الدم بسلطات أكبر، والذي لا يضم سوى تكتل معارض مصطنع لزوم الديكور يعرف باسم 25/30. وحسب وكالة رويترز فمن المتوقع أن يهيمن مؤيدو السفاح السيسي على مجلس الشيوخ، علما بأن ثلث الأعضاء يكون اختيارهم بنظام القائمة المطلقة، واقتصرت المشاركة في الانتخابات على قائمة واحدة يفترض أنها تابعة لعصابة الانقلاب وضمنت الفوز في ظل عدم وجود منافس. واقتصر التنافس في هذه الانتخابات على الثلث المخصص للمقاعد الفردية، لكنه لم يخل من رقابة عصابة الانقلاب، حيث يقول نشطاء ومراقبون إن الترشح كان بموافقة الجهات الأمنية وتحت سمعها وبصرها. وجرت مشاهد مسرحية الاقتراع دون اكتراث من الشعب المصري وسط تقارير محلية تتحدث عن عزوف الناخبين عن المشاركة تقابله مساع لحثهم على الحضور إلى لجان الاقتراع، بوسائل عدة، تشمل عروضا فنية أمام تلك اللجان ورشاوي مالية. لجان خاوية ورغم المساعي الرسمية لتشجيع الناخبين على المشاركة، التقطت كاميرات وسائل الإعلام المحلية، بما فيها الموالية لحكومة الانقلاب، لجان الاقتراع خاوية بشكل شبه كامل في مختلف المحافظات. في حين نشر ناشطون مصريون مقاطع مصورة على منصات التواصل لبطاقات شراء مستلزمات غذائية توزع على الناخبين بقيمة 100 جنيه، شريطة الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، إضافة إلى توزيع سلع غذائية ورشى مالية أمام لجان الاقتراع. وبالمخالفة للقانون الذي يلزم المرشحين بالصمت الانتخابي، انتشرت الدعاية السياسية أمام لجان الاقتراع من خلال سيارات تحمل مكبرات الصوت وملصقات دعائية للأحزاب والمرشحين، كما انتشر المشهد التقليدي لرقص النساء على وقع الأغاني الوطنية. وفي تغطيتها للانتخابات قالت وكالة الصحافة الفرنسية إنه من غير المرجح أن تحرّك الانتخابات الركود الذي أصاب المشهد السياسي في عهد السفاح السيسي، حيث يشارك فيها مرشحون داعمون للسفاح السيسي "بعدما كُمّمت معظم أصوات المعارضة داخل وخارج المجلس التشريعي منذ توليه مقاليد الحكم في 2014". ونقلت الوكالة الفرنسية عن أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد قوله "لا أعتقد أنه سيمثّل إضافة للحياة السياسية الراكدة بالفعل في مصر.. يمكن أن يكون مفيدا في إعطاء نوع من المكافأة لمن يريد السيسي مكافأتهم على تأييدهم لنظامه". ووصل السفاح السيسي إلى السلطة بعدما قاد انقلابا عسكريا دموياً مدعوما من السعودية والإمارات ومدبر من اسرائيل إبّان توليه منصب وزير الدفاع، غدر بالرئيس المنتخب محمد مرسي مما أثار انقسامات كبيرة في المجتمع المصري، وشهدت سنوات حكم السفاح السيسي ملاحقات واسعة للمعارضين فضلا عن تزايد هائل في حجم الديون. وثمة اهتمام كبير من عصابة الانقلاب بمسألة نسبة المشاركة بغية كسر نسب المشاركة القياسية وغير المسبوقة التي تم تسجيلها في الاستحقاقات الخمسة التي أجريت في أعقاب ثورة يناير 2011، وهي استفتاء التعديلات الدستورية، وانتخابات مجلسي الشعب والشورى التي فاز بها حزب الحرية والعدالة، والرئاسة التي فاز بها الرئيس الشهيد محمد مرسي، واستفتاء دستور 2012. وأثمرت هذه الرغبة في كسر نسب المشاركة المسجلة مفارقات مثيرة للسخرية، فعلى سبيل المثال، أعلنت هيئة الانتخابات أن المشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية الذي أجري في إبريل 2019 بلغت 44.3 في المائة، لتصبح بذلك في الأوراق الرسمية ثاني أكبر استحقاق لجهة نسبة المشاركة بعد انتخابات مجلس الشعب عام 2011، متفوّقة على استحقاقات سجلت ذاكرة المشاركين فيها قبل عدسات المصورين طوابير حاشدة وإقبالاً غفيراً على اللجان. محاولة مفضوحة وهو ما اعتُبر من قبل كثيرين محاولة مفضوحة لخداع العالم والرأي العام المحلي، خاصة أنه تم توزيع الناخبين على اللجان بطريقة كانت كفيلة بتكدّسهم مما تسبّب بتعطيل مروري أمام المجمّعات الانتخابية على مدار أيام التصويت الثلاثة داخل مصر، فقد تراوح عدد الناخبين في كل لجنة بين 4 آلاف و10 آلاف ناخب، علماً بأن كل الاستحقاقات السابقة كانت اللجان فيها تضم على الأكثر 2500 ناخب! وفي علم السياسة، إن قيمة أي استحقاق دستوري يتحدّد بالمهام المنوطة به، فأهمية الانتخابات الرئاسية أنها تفرز من يقود البلاد، وأيضاً المجالس النيابية لأنها تأتي بمن يشرّع قوانين تسري على الملايين من البشر. لكن هذا يحدث "في أوروبا والدول المتقدمة"، أما في مصر، فقيمة الاستحقاقات الدستورية تتحدد بمدى اهتمام عصابة الانقلاب بها، وحاجتها أو قلقها في بعض الأحيان منها، ومن ثم تأخذ زخمها وأهميتها! لذلك لم يكن هناك أدنى شك أن مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ ليس لها أي قيمة، هذا لا علاقة له بصلاحياته التي لا تتعدى كونه سلطة استشارية لا تشريعية، ولكن لأن عصابة الانقلاب لم تمنحه أي أهمية، فالقصة بدأت مع دستور العسكر 2014 الذي تم إقراره بعد انقلاب السفاح السيسي، ثم تلته انتخابات برلمان الدم التي تعد أول التجارب للسيطرة على كافة الأمور. بدا وقتها جنرال الخراب قلقاً، رغم أن كل من ترشّح خضع للنظرة الأمنية واشتراطات التأييد المطلق للعسكر، لكن ذلك لم يمنع القلق من المفاجآت أو من عدم قدرة الأحزاب الجديدة على السيطرة على الوضع السياسي، كما كان يفعل الحزب الوطني في عهد المخلوع مبارك.