أكد كل من فائز السراح، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا، وعقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق "شرق ليبيا" الذي تسيطر عليه مليشيات مجرم الحرب اللواء خليفة حفتر، الجمعة 20 أغسطس 2020م عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في كل عموم الأراضي الليبية، في أعقاب اتصالات سياسية دولية مكثفة بشأن الأزمة الليبية شهدها الأسبوع. وتضمَّن البيانان الدعوة إلى استئناف إنتاج النفط وتصديره، وتجميد إيراداته في حساب خاص بالمصرف الليبي الخارجي، ولا يتصرف أي طرف فيها إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية وفق مخرجات مؤتمر برلين، وبضمانة البعثة الأممية والمجتمع الدولي. بيان حكومة الوفاق ركز على أهمية جعل سرت والجفرة منطقتين منزوعتَي السلاح، ودعا إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس 2021م، فيما طالب عقيلة بجعل سرت عاصمة مؤقتة للمجلس الرئاسي الجديد. وشهد الأسبوع الماضي عدة تحركات دولية من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، أبرزها زيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لطرابلس الإثنين الماضي، وتبنِّيه طرح "الحل منزوع السلاح"، الذي يسوّق له السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند. وبحسب مصادر ليبية فإن وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، حصل على موافقة الإمارات وقطر وتركيا على جعل المنطقة الوسطى والجنوبية منطقة منزوعة السلاح، عقب زيارته المفاجئة الإثنين 17 أغسطس 2020 لطرابلس ومنها إلى أبوظبي. لكن مصادر غربية في القاهرة، كشفت أن هناك تحفظًا من جانب مليشيات حفتر، بعد إجباره على الالتزام بإعلان وقف إطلاق النار، وما سيتبعه من خطوات. وقالت المصادر إن سلسلة كبيرة من الاتصالات والوساطات بين الجانبين الأمريكي والروسي أسفرت عن إعلانات وقف النار أمس، كاشفة عن خطوط عريضة تم التوافق عليها بين القوتين الكبيرتين، مهدت لتلك الخطوة. وكشفت المصادر أن التفاهمات بين الجانبين الأمريكي والروسي أسفرت عن تقديم موسكو ضمانات حقيقية بعدم إقامة قواعد عسكرية في ليبيا، مقابل تقاسم قطاع الطاقة، بحيث تحصل الولاياتالمتحدة على امتيازات في قطاع النفط، ويحصل الجانب الروسي على امتيازات في قطاع الغاز، والحقوق المتعلقة به، بالشراكة مع تركيا. وهذه أبرز الملاحظات على الاتفاق أولا، إلى جانب ترحيب الأممالمتحدة وعواصم أوروبية وتركيا وقطر والإمارات، رحَّب قائد الانقلاب في مصر بالاتفاق وعده خطوة على طريق التسوية السياسية. واعتبرت إيطاليا "وقف إطلاق النار في ليبيا تطورًا مهمًا وخطوة شجاعة باتجاه حل الأزمة"، مؤكدةً أنها تضمنت التوافق على بعض المبادئ المؤسِّسة لمسار مشترك لتجاوز الجمود في البلاد. كذلك رحبت سفارة الولاياتالمتحدة في ليبيا، ووصفت ما دعا إليه السراج وعقيلة بالخطوات المهمة لجميع الليبيين، وأردفت: "سيكون لدى الولاياتالمتحدة المزيد لتقوله قريبًا". كما رحبت السفارة الكندية التي حثت جميع أطراف الصراع الليبي على تنفيذ وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية. وتوالي الترحيب الدولي بعد ذلك. ثانيا، لا يزال الموقف الفرنسي داعما للفوضى وعدم الاستقرار ويتمسك بمجرم الحرب خليفة حفتر، ويتجلى ذلك في قبول الأطراف باقتراح أمريكي يدعو إلى نزع سلاح مدينتي سرت والجفرة وسبها وجنوبي ليبيا ووسطها، وهو ما وافقت عليه تركيا بشروط على أن يكون مكملا لاتفاق برلين، وأن يشارك حفتر شخصيا في التوقيع عليه مع بقية الفرقاء. لكن فرنسا تقدمت بمقترح آخر يتحدث عن نزع السلاح عن سرت والجفرة فقط وهو ما قوبل برفض واسع من جانب تركيا وحكومة الوفاق. ويرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي عمر عبدالله، أن بيانَي السراج وعقيلة مؤشر على توافق الدول المحورية في الملف الليبي، مشيرًا إلى أهمية الدور الذي تلعبه ألمانياوتركيا في تحقيق الاستقرار بليبيا، واصفًا الموقف الفرنسي من البيان بالهلامي؛ لمعارضتها سحب حفتر من المشهد قبل إيجاد البديل. ثالثا، وقف بيع النفط والتغلغل العسكري الروسي في ليبيا كانا الهدف الرئيسي للدول الأوروبية وأمريكا لإنهاء الصراع في ليبيا بضمان وجود حليف محلي قوي متمثل في حكومة الوفاق، يضمن عدم عودة الإرهاب بالمنطقة، مع ضامن دولي لهذا الحليف متمثل في تركيا. أما المرتزقة الروس فلن يخرجوا من الجفرة وسرت بأوامر من عقيلة صالح ولا من خليفة حفتر، لكن المصالح التركية الروسية هي الوحيدة الكفيلة بإخراج مرتزقة فاجنر من ليبيا إذا تمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تلبية طلبات روسيا، في الاجتماع المزمع عقده في سبتمبر المقبل، بين وزير الدفاع التركي ورئيس المخابرات التركية، ووزير الدفاع الروسي بروسيا حول الملف الليبي والسوري. رابعا، تذهب تقديرات إلى أن وجود عقيلة صالح كطرف ممثل لشرق ليبيا أمام المجتمع الدولي وحكومة الوفاق المعترف بها دوليا ربما يؤكد ما يتردد حول تهميش دور مجرم الحرب خليفة حفتر، الذي يرى مراقبون أن دوره قد انتهى بعد هزائمه المدوية أمام قوات حكومة الوفاق في معركة طرابلس وخسارته جميع المواقع التي احتلها منذ بدء عدوانه في إبريل 2019م. ويستبعد محللون حدوث أي فوضى في المنطقة الشرقية، بسبب بيان عقيلة صالح المنافي لرغبات حفتر، وذلك بسبب دعم نظام السيسي للبيان، وعدم سماحه بحدوث انفلات في المنطقة الشرقية من شأنه أن يتسبب في فوضى بالمنطقة قد تؤثر على نظامه. إضافة إلى ذلك فإن تعنُّت خليفة حفتر أمام رغبة أمريكا والدول الأوروبية بحجة محاربة الإرهاب، قد يعرِّضه لعقوبات دولية تجعله مطلوبًا دوليًا، بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها في ليبيا، فضلًا عن جرائم الفساد وتهريب البشر والذهب والنفط.