في مواصلة الاحتفال الإثيوبي بملء سد النهضة، قال نائب رئيس الوزراء الإثيوبي "ديميكي ميكونين"، الخميس، إن بلاده هزمت كل التحديات "وباكتمال تعبئة سد النهضة حققت إثيوبيا انتصارا حقيقيا في ضمان حقوقها". وأضاف في تصريحات نقلتها فضائية "الجزيرة"، أن التعبئة الأولية ل"سد النهضة" وضعت نهاية للاستخدام "غير العادل" للنيل الأزرق، وفق تعبيره. وكتب وزير خارجية إثيوبيا "جيدو أندارجاشو"، تهنئة للإثيوبيين بانتهاء المرحلة الأولى من ملء سد "النهضة" بتغريدة عبر حسابه، قائلا: "النيل لنا". تقنين العطش بالمقابل، دعا رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، إلى العمل على تغليظ عقوبات الإسراف في استخدام المياه. وقال خلال اجتماع حضره وزير الري والموارد المائية، "محمد عبدالعاطي"، ووزراء الإسكان والزراعة، إنه يجب ترشيد استهلاك المياه، بسبب حجم التحديات التي تواجه مصر في قطاع المياه، مؤكدا أن ذلك يفرض علينا ضرورة العمل على تحقيق وفر حقيقي في كميات المياه المستهلكة، وفق بيان للحكومة. وقال البيان بموقع الحكومة على "فيسبوك": "تم التأكيد على أهمية استمرار تنسيق الجهود المبذولة من جانب الجهات المختلفة في الدولة، سعيا لتعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة، وترشيدا لاستهلاك المياه، وتحقيقا لاستغلالها بالشكل الأمثل، بما يلبي كافة الاحتياجات والمتطلبات المتعلقة بالتوسع العمراني، والزيادة السكانية المستمرة، وذلك من خلال التوسع في إنشاء محطات التحلية بالمحافظات الساحلية، إلى جانب التوسع في إقامة محطات المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، واستخدامها في الأغراض المخصصة لذلك". استراتيجية التفاوض وجددت المنقلب السيسي وحكومته وخارجيتهما، تمسكهم بمواصلة التفاوض، وضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانونا، والالتزام من قبل كافة الأطراف بعدم اتخاذ إجراءات أحادية، إضافة للتعثر الشديد الذي تعرفه مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وسياسة الأمر الواقع التي فرضتها أديس أبابا عبر ملء المرحلة الأولى من السد. وكشفت تقرير أن "التفاوض" كان بالنسبة لإثيوبيا مناورة، بدأت منذ وضع أول حجر بالسد، في 2 أبريل 2011، ثم اتفاق بين عصام شرف وميلسي زيناوي على لجنة ثلاثية لبحث الدراسات المتعلقة بالسد، في 13 مايو 2011. وفي 2012 تمت اجتماعات فنية دون اتفاق، تلاها بعام توقف المفاوضات، قبل أن تتفق القاهرةوأديس أبابا على استئنافها، صيف 2014، وإجراء مباحثات فنية لم تسفر عن شيء. في 2015، توصلت الدول الثلاث إلى اتفاق إعلان مبادئ في الخرطوم. ولم تسفر الاجتماعات الفنية منذ ذلك الحين وحتى التي تمت برعاية أمريكا ثم الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن عن حل لملء السد وتشغيله وفق جدول. ومنذ مجيء آبي أحمد للسلطة، كان خطاب الخارجية المصرية أكثر وضوحا في اتهامه للجانب الإثيوبي ب”مماطلة وإطالة” أمد المفاوضات لكسب الوقت. وعادة ما كانت إثيوبيا تنفي، وتتحدث عن حقها في التنمية، دون إضرار بأحد ولا استحواذ آخرين على حقوقها. الملء المفاجئ وقالت وكالة الأناضول، إن إثيوبيا استطاعت منذ وصول آبي أحمد لرئاسة الحكومة مارس 2018، أن تربح أول جولة في معركة سد “النهضة” ببدء ملء خزانه، رغم رفض مصري- سوداني، عبر سيناريو مفاده أن “موسم الأمطار هو صاحب قرار الملء، وليس الحكومة”. وأضافت أن سيناريو ملء السد المفاجئ جاء عقب اجتماع لقمة إفريقية مصغرة، الثلاثاء، بمشاركة قادة الدول الثلاث، في ظل تعثر المفاوضات. هذا السيناريو الإثيوبي لم تعلق عليه مصر رسميا، وأعلنت عقب القمة، مثل السودان، أنها قبلت بالعودة إلى المفاوضات الثلاثية، للتوصل إلى اتفاق شامل. تعبئة دون ضجيج وبحسب تقرير الاناضول، لجأت إثيوبيا لهذه المناورة، التي سُمع ضجيج طحينها في الإعلام، حكومة آبي أحمد، بخلاف سابقاتها، حيث ركزت على التعبئة الداخلية وزيادة طموحات الإثيوبيين، أملا في ارتفاع شعبيتها، عبر التمسك ببناء وتشغيل السد، لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو الهدف الرئيس من السد. وأن آبي أحمد قرر في مناوراته إرباك خطط مصر والسودان، بالتلويح بإمكانية خوض حرب للحفاظ على السد. ثم قبول التفاوض والجلوس مع عبد الفتاح السيسي، في منتجع سوتشي الروسي. ثم يهاجم الجيش السوداني في مايو ويونيو الماضيين، ضمن تحرشات حدودية، بينما يذهب آخرون إلى أن فترات الإعداد للموسم الزراعي والحصاد في المناطق الحدودية السودانية مع إثيوبيا. وكشف التقرير أن المناورة تمت ضمن قاعدة "صدمة واحتواء" فرفضت إثيوبيًا التوقيع على اتفاق أولى وقعته مصر في أمريكا، وقبلت رعاية إفريقية للعودة للمفاوضات. وناورت إثيوبيا ب"هروب إلى الأمام" ففي 12 يناير الماضي، طلب آبي أحمد من رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، الوساطة لأن بلاده ستتسلم رئاسة الاتحاد الإفريقي، عام 2020، خلفا لمصر. ورأت أن الطلب كان محاولة للقفز إلى الأمام للحيلولة دون اتهام أديس أبابا مستقبلا بأنها لا تريد مفاوضات أو حلول، وبالتالي تكسب الوقت لإنهاء الملء المأمول. وفي ظل المكر الإثيوبي واصلت منصاتها القصف الرسمي والإعلامي "بلهجة غير دبلوماسية تبدو قريبة من لغة “الحروب الباردة”. وقال وزير الخارجية أندارغاشو: “المصريون يلعبون مقامرة سياسية، يبدو بعضهم كما لو أنهم يتوقون إلى اندلاع حرب”. تحوُّل القصف الإثيوبي من إعلامي إلى دبلوماسي، ليس محض صدفة، فهذا لا يحدث إلا بضوء أخضر من حكومة آبي أحمد، التي تحتاج لمزيد من التجييش الشعبي.