مرة أخرى يؤكد نظام الانقلاب أنه مصمم على التمييز وتكريس الطبقية في مصر؛ بحيث يبقى ضباط الجيش والشرطة هم السادة وباقي الشعب هم العبيد. يتجلى ذلك بوضوح في تأجيل لجنة التضامن الاجتماعي في مجلس النواب الانقلابي الذي تشرف عليه أجهزة السيسي الأمنية، الثلاثاء، التصويت على مشاريع القوانين المقدمة بشأن تعديل بعض أحكام قانون "إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية وأسرهم"، التي يطالب فيها نواب بمساواة ضحايا فيروس كورونا من الأطباء والممرضين والمسعفين بشهداء ضباط وأفراد الجيش والشرطة. وفي محاولة لتبرير هذه الجريمة وذلك التمييز، رغم أن الأطباء هم الذين يتصدرون الصفوف في معركة التصدي لجائحة كورونا، يزعم رئيس اللجنة، عبد الهادي القصبي، أن اللجنة تؤكد تقديرها التام لجميع الأطباء والممرضين، ودعمها لهم في أداء مهمتهم الوطنية في مواجهة أزمة فيروس كورونا، غير أنها ترى أن هناك مظلة قانونية قائمة تُحقق بالفعل أهداف مشاريع القوانين المنظورة، ومنها ما انتهى إليه مجلس النواب مؤخراً، بالموافقة على زيادة بدل مخاطر المهن الطبية، وإنشاء صندوق لتعويض الضحايا منهم. كما برر القصبي قرار التأجيل بأن اللجنة البرلمانية تنتظر الضوء الأخضر من الحكومة، مضيفا "اللجنة سوف تستطلع رأي الحكومة، عما إذا كان هناك شك أو تفسير آخر أن المواد القائمة لا تكفي لإجراء التعديل في ضوء المطالبة بمعاملة من استشهدوا من القائمين على مواجهة الجوائح والأوبئة معاملة شهداء العمليات الحربية والأمنية". ويتمتع ضحايا ضباط الجيش والشرطة في العمليات الحربية والأمنية (القتلى والمصابين) وأسرهم بامتيازات واسعة بخلاف باقي طوائف الشعب حيث يجري صرف مبلغ التعويض المقرر للمستحقين، ومكافأة الوسام المنصوص عليها في القانون، وتشمل توفير أوجه الرعاية والدعم في كافة مناحي الحياة لأسر الضحايا، ومنها توفير فرص الدراسة في كافة مراحل التعليم، ومنح دراسية بالمدارس والمعاهد والجامعات، وتوفير فرص عمل للمخاطبين بأحكام القانون، وتقديم الخدمات الصحية المناسبة لهم، وتوفير فرص الحج للمصاب ولوالدي وأرمل أو زوج الضحية أو المفقود. وحتى اليوم لا تزال الحكومة تتجاهل مطالب نقابة الأطباء بمساواة المصابين والمتوفين بكورونا من الطواقم الطبية بضحايا العمليات الحربية والأمنية. وكان البرلمان قد أقر في مارس 2018 قانونا بإنشاء صندوق "شهداء ومصابي العمليات الحربية"، الذي يهدف إلى تكريم ضحايا العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، ودعمهم ورعايتهم في كل النواحي الاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها. ورغم أن القانون يمنح رئيس الوزراء إضافة حالات أخرى لصندوق ضحايا العمليات الحربية، بناءً على عرض الوزير المختص، لكن حكومة الانقلاب تصر على الرفض في تمييز سافر بلا معنى أو مبرر. وحتى اليوم لا تزال الحكومة ترفض زيادة بدل العدوى الخاص بالأطباء الذي يتراوح بين 19 و30 جنيها (أقل من دولارين)، على الرغم من حصول فئة مثل القضاة -وهم غير معرضين للعدوى- على بدل يتجاوز 3 آلاف جنيه. وفي محاولة لاسترضاء الطواقم الطبية، وافق السيسي مؤخرا على زيادة بدل المهن الطبية بنسبة 75%، الذي يتراوح بين 400 و700 جنيه فقط. وإمعانا في التمييز السلبي ضد الأطباء، تجاهلت حكومة الانقلاب الردّ على طلب إحاطة مقدم من البرلماني هيثم الحريري إلى رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، بشأن صرف معاش استثنائي لأسر الضحايا من أفراد الأطقم الطبية، والذين يستشهدون أثناء تقديمهم الخدمة الطبية للمصابين بوباء كورونا، نتيجة انتقال العدوى إليهم سواء من الأطباء أو الممرضين أو غيرهم من العاملين في المستشفيات. ومرة أخرى، أبدت الحكومة تحفظها على الطلب المقدم من الحريري في وقت سابق، بشأن معاملة أفراد الأطقم الطبية معاملة ضحايا العمليات الحربية والأمنية، من حيث التكريم والمعاش الاستثنائي لأسرهم، وغيرها من المزايا المادية والمعنوية، وهو ما دفعه للتقدم بطلب جديد للمطالبة بسرعة صرف معاش استثنائي لأسر شهداء الفريق الطبي، حفاظاً على مستقبل أسرة مصرية فقدت عائلها الوحيد. في إشارة إلى شباب الأطباء الذين فقدوا حياتهم وهم في مقتبل الحياة، ولديهم أسرة وزوجة وأطفال "وربما لم يعد لديهم أي مصدر رزق، أو لا يملكون قوت يومهم في ظل الأزمة الحالية"، وأعرب الحريري عن أسفه لعدم استجابة حكومة الانقلاب لهذا الطلب، الذي يمثل أقل ما يمكن تقديمه لأسر الشهداء من أفراد الطاقم الطبي، والذين يتصدرون الصفوف الأولى منفردين في مواجهة فيروس قاتل".