هل استبق الرئيس انقلابا فوضويا كان مقررا فى 24 أغسطس الرئيس يلمس فى زيارتين متتاليتين أن "مصر لا تحكم سيناء" "الرئيس مرسى اختصر الطريق فى أقل من شهر.. هذه حالة فريدة بامتياز، وهذا شىء لا يلاحظه إلا مديرو الدول، فالعامة لا تهتم إلا بصغائر الأمور".. هكذا لخص رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان لصحيفة "تركيا اليوم" المشهد المصرى، بعد القرارات الأخيرة للرئيس محمد مرسى. فأستاذ الجامعة، والمهندس، ومدير الدولة المصرية الجديد (محمد مرسى) لا يعرف التعامل مع السياسية بلغة "القطاعى" أو "الشو الإعلامى" كما يفعل سياسيو هذه الأيام، ولكنه تحرك بمنطق المصلحة العامة، وركز على علاج المشكلة الأساسية منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية، عبر استرداد صلاحيات الرئيس كاملة -كما وعد- ليبدأ عصر النهضة الحقيقى لمصر بعد كبوة استمرت عقودا طويلة بسبب التدخلات الدولية، وفقدان قادة سابقين لبوصلة الطريق الصحيح للنهضة. جاءت قرارات الرئيس لتنهى حالة الازدواجية والتداخل بين السلطات والصلاحيات، بين قيادات السلطة العليا للبلاد، وتوحد مسار السلطة فى قبضة رئيس الجمهورية المنتخب، فمصر فى حاجة إلى عودة الجيش لثكناته، لحمايتها منذ عدو غادر يتربص على الحدود، وأمامها مهام صعبة لاسترداد أمن سيناء، الذى أظهرت عدة حوادث -آخرها مجرزة رفح– أن هناك تقصيرا استخباريا وعسكريا واضحا من القيادات التى انشغلت بإدارة معركة السلطة الداخلية، وبعضها ربما جذبته رائحة السلطة، ومقاعدها الوثيرة. وهو ما قاله مرسى فى كلمته بمناسبة ليلة القدر بوضوح، من أنه يقدر القوات المسلحة ولكنه "يريد لها ألا تنشغل بالسياسة، وأن تتفرغ لتأمين الوطن، وأداء دورها، فانشغالها بغير مهامها يخلق مشاكل"، ومن الضرورى "تجديد الدماء فى القيادات وإتاحة الفرصة أمام الكفاءات". وهنا نلاحظ أن الرئيس مرسى يقوم بتجديد الدماء فى عروق الدولة.. فوزير الدفاع الجديد عمره 58 سنة، بعدما كان سابقوه فى أعمار السبعينيات والثمانيات، وهو نفس ما فعله فى رئاسة الحكومة بمجىء رئيس حكومة كفء، على الرغم من أنه صغير السن هو هشام قنديل (49 سنة). هل القرار استباق لمؤامرة 24 أغسطس؟! ولهذا ليس صحيحا ما يقال من أن المجلس العسكرى أو قادة الجيش كانوا يعدون لانقلاب عسكرى، وأن الرئيس تحرك لإجهاض هذا المخطط، فوزير الدفاع الجديد هو رئيس المخابرات الحربية، ولو كانت هناك أى نوايا للانقلاب لكان رفض تولى منصبه، وأصر على بقاء طنطاوى وعنان، ولكن هذا لا يمنع أن المستفيدين من بقاء المجلس العسكرى فى السلطة من بعض فلول "الوطنى المنحل"، ومدعى الثورة، كانوا يدفعون المجلس دفعا للصدام مع الرئيس بدعاوى أنه رئيس "إخوانجى"، وأن سيطرته على الدولة وإنهاء سلطة المجلس العسكرى معناه سقوط الدولة فى حجر الإخوان، مع أن أحد النشطاء الليبراليين قالها صريحة لأول مرة أنه بإنهاء حكم العسكر أصبحت الكرة فى ملعب القوى الأخرى لتظهر قدرتها على مقارعة الإخوان سياسيا وشعبيا. البعض قال إن قرارات الرئيس المفاجئة لا بد أن أمرا جللا دفعه إليها، أو أنه استبق أمرا ما علم به قبل وقوعه، وربما مؤامرة 24 أغسطس التى دعا إليها فلول النظام البائد، وأصحاب المصالح من بقاء حكم العسكر؛ لأنهم صمام أمان ما تبقى لهم من مصالح، وأنهم ربما كانوا يدفعون المجلس العسكرى دفعا للتورط فى صدام مع الرئيس، عبر مخطط الفوضى فى هذا اليوم ضد الرئاسة، وربما إشعال "حريق قاهرة ثان" لتبرير ما يسمونه (ثورة ثانية)!. ويؤيد هذا الرأى أن الرئاسة عينت طنطاوى وزيرا للدفاع فى الحكومة الجديدة، ولو كانت تنوى عزله ما كانت عينته وزيرا. ولهذا قال البعض أيضا إن الرئيس قام بانقلاب مدنى استباقا لانقلاب عسكرى ربما كان مقررا له 24 أغسطس أو بعده بقليل. ولهذا أيضا قيل إن مرسى اكتشف (أمرا مهما)، لذلك قرر إقالة طنطاوى وعنان، وقد يكون موضوع حادث سيناء هو هذا الأمر، بعد ما لمس الرئيس فى زيارتين متتاليتين وجلس للإفطار مع الجنود هناك، وتلقى تقارير الاستخبارات، أن هناك حالة من التسيب، وأن سيناء لا تحكمها مصر، وأنه إذا كانت اتفاقية كامب ديفيد قيدت مصر هناك، فقد أجرم النظام السابق فى الإمعان فى هذا الاستسلام، حتى إن الصهاينة الذين تضرروا من هذا الوضع طلبوا إدخال سبعة ألوية لسيناء لم يدخل منها سوى عدد قليل، ذكر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (الصهيونى التوجه) أنها "سيئة التجهيز"!!. رفح.. القشة التى قمت ظهر البعير لهذا كانت حادثة "رفح" القشة التى قصمت ظهر البعير، والسلاح الذى شجع مرسى على تسريع قرارات التخلص من القيادات القديمة، التى تسببت فى هذا الاسترخاء فى سيناء، والطرق على الحديد وهو ساخن، وإنهاء ما تبقى من دولة مبارك، مستندا لتراث عريق للعسكرية المصرية يستند على الضبط والربط وعدم الخروج على الرئيس، وقدرة القيادات العسكرية الجديدة على السيطرة على الجيش، وعدم وجود أى ردود أفعال سلبية تجاه قرارات باستثناء المستفيدين من بقاء حكم العسكر. فعملية رفح ربما خدمت الأهداف الإستراتيجية والسياسية للرئيس محمد مرسى، وربما كانت الجسر الذى عبر عليه الرئيس ليحقق الكثير من أهدافه التى يرجو منها استعادة صلاحياته وعودة الجيش لمهامه وبدء برنامج النهضة. والآن باتت الفرصة متاحة ليعود الجيش إلى مهمته الأساسية، بحماية حدود مصر وأمنها القومى، ونشر المزيد من القوات فى سيناء لتحقيق مبدأ (التنمية دون قوة لا تتحقق). هل هى تنحية بالتراضى؟! كان تصريح اللواء محمد عصار -عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومساعد وزير الدفاع الجديد- بأن تغييرات قيادات الجيش تمت بالتراضى أو التشاور مع المجلس العسكرى ملفتة للأنظار، وقيل إن هذا "خروج آمن" لقيادات الجيش من السلطة، خصوصا فى ظل مطالبة بعض النشطاء بمحاكمتهم على قتل نشطاء فى مواجهات ماسبيرو ومحمد محمود وغيرهما. وقيل إن قلادة النيل التى منحها مرسى للمشير وعنان تمنع محاكمتهما، وإن هذا جزء من "التراضى" والسعى إلى خروج آمن لهما، وعدم دخول مصر فى مرحلة جدل جديدة حول محاكمة السابقين بينما البلاد تحتاج إلى التحرك للأمام. ولكن الحقيقة أن طريقة خروج قرارات الرئيس كانت مفاجأة على ما يبدو للرجلين، وإن كان التوقيت هو الأكثر مفاجأة لا الواقعة نفسها، فالمجلس العسكرى فقد شعبيته خلال فترة العام والنصف الماضيين بسبب أدائه السياسى الضعيف فى قيادة الدولة، وحادثة رفح مسئول عنها قيادة الجيش فى المقام الأول، خصوصا فى ضوء ما اعترف به رئيس المخابرات العامة المقال اللواء مراد موافى، من أنهم علموا بها وأنه أبلغ المسئولين!. ولكن ملابسات القرار، وما سبقه بيومين من لقاء موسع للرئيس مع كل أعضاء المجلس العسكرى، بجانب خروج المشير طنطاوى وعنان من وزارة الدفاع قبل القرار، يشير ربما لعلمهما على الأقل بالقرار من المخابرات الحربية التى تولى رئيسها مسئولية وزارة الدفاع، بل إن هناك من يرى أن الاجتماعات الأخيرة التى تم عقدها فى قصر الرئاسة بين المشير طنطاوى أو الفريق عنان من جهة والرئيس محمد مرسى من جهة أخرى، خلال اليومين الأخيرين، كانت جميعها تصب فى صالح الخروج الآمن والهادئ لوزير الدفاع ورئيس الأركان، وهو ما حرص عليه الرئيس مرسى. ويذهب البعض للقول بأن ترشيحات القادة العسكريين الجدد ربما كانت بعلم طنطاوى وعنان تحديدا فى الأسماء التى رشحاها لخلافتهما، سواء الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع أو اللواء صدقى صبحى رئيس الأركان. شراسة الفلول سيسمع مرسى بعد هذه القرارات أذى كثيرا: سيقال إن هناك انقلابا قادما، وهيمنة للإخوان على مفاصل الدولة، و"أسلمة" للمجتمع، و"إعادة إنتاج الدكتاتورية"، وإجهاض الثورة، و"أخونة" الدولة و.. إلخ، ولن يسكت الفلول وأصحاب المصالح داخل مفاصل الدولة العميقة عما جرى بسهولة. حتى وسائل الإعلام العربية الموالية لهؤلاء الفلول تحركت بهذا المنطق منذ اللحظة الأولى، فوصفت قناة (العربية) ما جرى بأنه (انقلاب مضاد)، مع أن الرئيس شرعى ومنتخب والمجلس العسكرى موجود فى السلطة دون شرعية شعبية، وهذا ما قالوه سابقا عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التى فازت بطريقة شرعية، لكنهم قالوا إنها استولت على غزة وقامت بانقلاب؟ الرئيس أتى إلى السلطة بطريقة شرعية، ثم مارس صلاحياته، فكيف يعد هذا انقلابا؟! هل تنقلب الشرعية على نفسها؟ فلول نظام مبارك قد يزدادون شراسة عند ما يحين يوم 24 أغسطس، موعد انقلابهم المحدد سلفا، ومع أن الرئيس منع هذا الانقلاب الفوضوى، فهذا لا يمنع من الحذر من محاولات التخريب الخفية، وإحداث القلاقل الممكنة من هؤلاء الفلول وأصحاب المصالح، لأنهم جبناء فى العلن، ويتحركون دوما مثل خفافيش الظلام.