أكدت دراسة حديثة أن تفسيرات رصينة تذهب إلى وجود بل صناعة تنظيم مسلح على غرار "داعش" أو "ولاية سيناء" يمارس عنفًا ووحشية مفرطة، كما حدث في جريمة مسجد الروضة سيناء نوفمبر 2017، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 300 مصل؛ هو في حد ذاته حاجة ضرورية للنظم المستبدة، لأسباب عديدة؛ أهمها أن هذه النظم تسوق نفسها أمام الأمريكان والغرب؛ باعتبارها رأس حربة ضد التنظيم الدموي الذي يخشاه الغرب كثيرا، وثانيًا، تكتسب هذه النظم بوجوده أو صناعته وتضخمه شرعية مفقودة، وثالثًا، تخلط به هذه النظم الأوراق بين التنظيمات المسلحة "داعش والقاعدة" والحركات الإسلامية المعتدلة المؤمنة بالحريات والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، مثل جماعة الإخوان المسلمين وحماس والجماعة الإسلامية وغيرها، كما توظف هذه النظم وجود مثل هذه التنظيمات الدموية (داعش/ ولاية سيناء) لإسكات معارضيها؛ بحجة قدسية الحرب على الإرهاب وممارسة انتهاكات صارخة ومصادرة الحريات وتكريس الاستبداد بهذه الحجة الملفقة والشماعة الجاهزة. وبحسب الدراسة التي نشرها "الشارع السياسي" تحت عنوان "السيسي والإرهاب.. قراءة في المضامين والتوجهات والتوظيف السياسي"، فإن نظام انقلاب 30 يونيو يحقق من استمرار الحرب على الإرهاب خلال المرحلة الراهنة ترميمًا لشعبية الجنرال السيسي التي تآكلت بفعل السياسات الخاطئة والفشل المتواصل في كل الملفات السياسة والاقتصادية، كما تمنح الجنرال ذريعة تمكنه من فرض هيمنته على المشهد السياسي والإعلامي وإسكات أصوات منتقديه ومعارضيه بحجة التفرغ للحرب على الإرهاب. ويمثل استمرار العمليات كذلك غطاءً ممتازًا لفشل العملية السياسية وسحق كل من يفكر في منافسة الجنرال كما جرى مع الفريق شفيق وسامي عنان وغيرهم قبل مسرحية الرئاسة 2018م. معنى هذا أن الحرب ستظل مفتوحة لتؤدي دورها السياسي المطلوب وهو القضاء على الحياة السياسية، "فالقضاء على الإرهاب يعني بث الروح في الحياة السياسية وهي خطر داهم على النظام الفاشي، وعندما يستمر ويعلو صوت المعركة ضد الإرهاب تستطيع إسكات كل الأصوات والزج بأصحابها خلف القضبان". ووفقا للدراسة، يذهب آخرون إلى اتهام سلطات نظام 30 يونيو العسكر الانقلابي بافتعال معركة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين، مؤكدين أن "وراء هذه الحرب المفتعلة مافيا تسترزق من ورائها ولا تريد لها أن تتوقف أبدا بل سيقاومون حتى النهاية من أجل سبوبة الاسترزاق". هذه المافيا التي تقف وراء استمرار الحرب على ما يسمى بالإرهاب وتطالب بتمديدها رغم أنها مستمرة منذ سنوات دون قدرة على الحسم، تتشكل من جنرالات كبار في الجيش والشرطة وتضم قضاة وإعلاميين ورجال أعمال ومراكز بحث وأصحاب أجندات تستهدف استمرار حالة النزيف الذي يفضي في النهاية إلى إضعاف مصر ودخولها في دوامة لا تتوقف، وربما يستهدف البعض جزأرة المشهد المصري أو تدحرجه إلى السيناريو السوري أو الليبي تحت مزاعم أزمة الخطاب الديني. دور السيسي في صناعة الإرهاب وتقول الدراسة: إن قطاعًا من الخبراء والمتخصيين يتبنون وقوف نظام السيسي وراء صناعة ظاهرة الإرهاب وتضخيمها والمبالغة فيها لاعتبارات تتعلق بالتوظيف السياسي لهذه الظاهرة في خدمة النظام لتحقيق أهدافه ومآربه. مستدلين على ذلك بأن النظام تأسس على انقلاب عسكري اتسم بأعلى درجات الوحشية والتطرف وأجهض المسار الديمقراطي الذي جاء ثمرة من ثمار ثورة 25 يناير السلمية، ومارس أبشع صور الإرهاب بحق مؤيدي الرئيس المنتخب. وبحسب الدراسة فإن هذه الصورة الوحشية للانقلاب وضعت جماعة الإخوان المسلمين في مأزق كبير؛ حيث كان يقوم خطابها في شقه السياسي على التنافس والمشاركة في العملية السياسية والفوز بثقة الشعب، وقد حققت ذلك كله وفازت بالرئاسة والبرلمان؛ فماذا حدث بعد ذلك؟ انقلب الجيش على كل ذلك وأطاح بإرادة الشعب الحرة، فأول برلمان منتخب بنزاهة منذ انقلاب 23 يوليو 1952م، تم حله بجرة قلم بعد 5 شهور فقط من انتخابه، والرئيس المدني المنتخب تم الانقلاب عليه بعد سنة واحدة فقط، والدستور الذي أقره الشعب بنسبة 64% في ديسمبر 2012م، لم يستغرق العمل به سوى 6شهور حتى أوقف العسكر العمل به! هذه الإجراءات الاستبدادية المنحرفة شكّلت مخرجًا لخطاب الجماعات المسلحة التي لا تؤمن أساسًا بالعمل السياسي والانتخابات والديمقراطية وراحت تسخر من الإخوان وما آل إليه مسارهم، وبذلك بث انقلاب السيسي والعسكر في 30 يونيو 2013م الروح من جديد في خطاب القاعدة وداعش بعد أن كاد هذا الخطاب يتلاشى بعد ثورة 25 يناير2011م. وتضيف الدراسة أن مراكز البحث والتحقيقات الرزينة تؤكد أن عمليات التعذيب الوحشي التي تمارس في السجون والمعتقلات ومقار الأمن الوطني وأماكن الاحتجاز في المراكز والأقسام المنتشرة في جميع المحافظات منذ انقلاب 30 يونيو حتى اليوم تسهم بلا شك في تعزيز التطرف والإرهاب وتبث روح الثأر والكراهية المتبادلة. وثالثا: يعزز هذه النتيجة ودور النظام في ضمان بقاء التطرف والإرهاب الاتهامات التي وجهها الناشط السيناوي مسعد أبو فجر للسيسي ونجله محمود وكيل جهاز المخابرات العامة؛ حيث يؤكد أن أحد الضباط هو من ينفذ عمليات قتل الجنود في سيناء بتكليف من السيسي ونجله. ورابعًا: تقول إحصاءات معهد التحرير الذي يرصد التطورات الأمنية في مصر بشكل منتظم، أن قوات الأمن المصرية أعلنت رسميا شن 1800 عملية أمنية منذ 2014. ووفقا لوسائل الإعلام، وفشل النظام المصري في التعامل مع الإرهاب نابعٌ من استراتيجية النظام نفسها يبلغ العدد الإجمالي لتلك العمليات حوالي 3500 عملية، 40% منها في شمال سيناء. هذا في مقابل وقوع حوالي 2500 هجوم إرهابي في السنوات الخمس التالية للانقلاب. وقد أدت تلك العمليات إلى مقتل سبعة آلاف شخص 95% منهم في شمال سيناء، مع العلم أن قوات الأمن المصرية تواجه جماعة قد لا يتعدّى عدد أفرادها الألف. ومع ذلك، قتل سبعة أضعاف إجمالي المسلحين. كما قتل سبعمائة فرد من أفراد قوات الأمن المصرية في السنوات الثلاث التالية للانقلاب العسكري، وهو ضعف قتلى قوات الأمن المصرية خلال عقد الثمانينات، والذي شهد صراعا مسلحة بين النظام المصري والجماعات الدينية المسلحة. وقد وصل عدد قتلى قوات الأمن المصرية في شمال سيناء من يناير 2014 وحتى يونيو 2018 إلى 1226 فردا. ولا يعرف بالضبط عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب تلك المواجهات. وتقدر تقارير إعلامية عددهم بأكثر من ستمائة شخص في شمال سيناء وحدها من يوليو 2013 وحتى منتصف 2018. هذا بالإضافة إلى القبض على عشرات آلاف من المعارضين السياسيين والمشتبه فيهم ووضعهم في المعتقلات والسجون، وإزالة حوالي 6850 مبنى في رفح وترحيل عشرات آلاف من المواطنين. الهوس بالإرهاب "الإسلامي"! وبحسب الدراسة فإن تحليل خطابات السيسي وتصريحات تكشف عن حالة من الهوس بالإرهاب الذي يصفه بالإسلامي باستمرار، حتى وإن لم يصرح بذلك إلا قليلا، واستدلت على ذلك بأن السيسي أشار مرات عدة إلى أن مصر تواجه الإرهاب نيابة عن العالم؛ وهو ما يمثل حصرًا للإرهاب بما يجري في مصر فقط دون النظر إلى عالمية الإرهاب وأنه لا يتبع دينًا معينًا بقدر ما هو فعل مجرم بعيدًا عن الانتماء الديني، بحسب استراتيجية الأممالمتحدة لمواجهة الإرهاب. الثاني: تحذيرات السيسي خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن عقد في فبراير 2019م من دور المساجد في نشر الإرهاب، وتحريض أوروبا على مراقبة المساجد دون غيرها من دور العبادة الأخرى؛ ما يدلل على أن نظرة السيسي للإرهاب هي اتهام الإسلام والمساجد به دون غيره من الديانات الأخرى. الثالث: أن السيسي يطالب دائما المؤسسات الإسلامية بتجديد الخطاب الديني الإسلامي ولا يوجه نفس المطالب لأصحاب الديانات الأخرى؛ تفسير ذلك يعني أن السيسي يرى الخلل في الخطاب الإسلامي ويحمله المسئولية كاملة على تفشي ظاهرة الإرهاب، متجاهلاً دور الخطاب السياسي والفشل الاقتصادي والأهم هو دور انقلابه في تعزيز الأفكار والتنظيمات الإرهابية. الرابع: قيام وزارة التعليم التابعة لحكومة السيسي في مشهد رجعي استبدادي بحرق عشرات بل مئات الكتب الإسلامية لعلماء ربانيين يتصفون بالوسطية والاعتدال؛ بتهمة ترويج هذه المؤلفات للتطرف والإرهاب، وهو اتهام صريح للفكر الإسلامي دون غيره بهذه الفرية وتلك الأكذوبة التي يراد تسويقها لأهداف سياسية بحتة لخدمة توجهات النظام وأغراضه. التوظيف السياسي للإرهاب وبحسب الدراسة فإن وجود تنظيمات مسلحة مثل داعش والقاعد وولاية سيناء تسهل على السيسي الخلط العمد بين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالمشاركة السياسية والقبول بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات في إطار تداول سلمي للسلطة مع الحركات الراديكالية التي تمارس التكفير الديني للجميع وتعتبر الديمقراطية في حد ذاتها كفرا وأنها مجرد لعبة غربية لتضليل الشعوب وتؤمن باستخدام “العنف” في مقاومة عنف السلطة والرد عليها بالمثل وصولا إلى إكراه الناس على اتباع أفكارهم وتصوراتهم. وبتحليل المرامي والأهداف من خطابات السيسي ونظامه حول الإرهاب، وعلاقة ذلك بالمصالح الأمريكيةالغربية وحربها الكونية على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب يمكن رصد الأبعاد الآتية: أولا: لا يملك طاغية مصر بضاعة يقدمها للعام الغربي والأمريكان سوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية، فالإرهاب يتم التعامل معه من جانب النظام على أنه ذلك الغول الوهمي الذي تم صناعته وتضخيمه ويراد له أن يبقى ويستمر من أجل توظيفه سياسيا لخدمة أغراض النظام. البعد الثاني: أن تسويق ملف الإرهاب والمبالغة فيه، نجح في تحقيق غنائم استراتيجية وسياسية جمة ما كانت لتخطر على بال من أسس له. فقد تم احتلال العراق وتدمير سوريا وإفشال ثورات الربيع وترسيخ قدم الاستبداد والاستعمار على حد سواء باسم مقاومة الإرهاب والحرب على الإرهاب. لكن من جهة أخرى لا يزال المفهوم غامضا غموض الحرب عليه وغموض العناصر المشاركة فيه والكيانات المستهدفة منه، وهو الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التغطية على الجرائم المرتكبة تحت شعار هذه الحرب الغامضة. الثالث: أن هناك تجاهلا تاما بأن المسلمين هم أكبر ضحايا الإرهاب على مستوى العالم، فإن لغة الأرقام والإحصائيات التي نشطت بعد حادثة تشارلي إيبدو بفرنسا سنة 2015، حول العمليات الإرهابية، كشفت عن نتيجة صادمة لكثيرين. ففي إحصاء لمنظمة يوروبول (وكالة إنفاذ القانون بالاتحاد الأوروبي) تبين أن 2 في المئة فقط من الهجمات الإرهابية في أوروبا عام 2013 نفّذها مسلمون و98%، نفذها غير مسلمين على خلفية دوافع عرقية أو قومية أو انفصالية. وفي دراسة أجرتها جامعة نورث كارولاينا الأمريكية عام 2014، فإنه منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر لم يسقط جراء العمليات المرتبطة بمسلمين إلا 37 قتيلا، في حين أن 190,000 قتلوا في الفترة الزمنية ذاتها بالولايات المتحدةالأمريكية من غيرهم. واستنادا إلى هذه الأرقام وغيرها، خصصت مجلة ديلي بيست الأمريكية تحقيقا خلُصت فيه إلى ما يلي: “ليس خطؤك لو لم تكن على علم بحقيقة أن غالبية الجرائم الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية ينفذها غير مسلمين.. إنه خطأ الإعلام”، وقديما قيل: “أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطك شعبا بلا وعي”. الرابع: أنه تحت شعار الحرب على الإرهاب أوغل العسكر في تنفيذ عمليات الإعدام ضد الأبرياء والخصوم السياسيين وصار يفعل ذلك بدافع الانتقام والترهيب والتشفي وخلق حالة من الفزع والرعب في صفوف المصريين. البعد الخامس: هو أن مقاربة السيسي والغرب المتماهية حول الإرهاب تركز على المبالغة فيه والتضخيم من خطورته لكنها تتجاهل الزاوية الأخرى الأكثر أهمية وهي الأسباب التي أفضت إلى هذه الظاهرة؛ فالتطرف والتشدد والغلو ليس إلا مظهرا من مظاهر إرهاب الأنظمة واستبداد الدولة، وممارسة هذه النظم أقسى صور الإقصاء والعنصرية والتمييز ضد الخصوم والمعارضين خصوصا إذا كانون إسلاميين. فمقاربة نظام العسكر والنظم العربية السلطوية لمفهوم الإرهاب والتي تتماهي مع المقاربة الغربية التي تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالشعوب، توظفها النظم العربية كمدخل لتبرير الدكتاتورية وتكريس حكمها الشمولي.