أثارت تصريحات وزير المالية في حكومة الانقلاب، محمد معيط، والتي زعم فيها أن الجنيه المصري يعد ثاني أفضل عملة في العالم من حيث القوة، موجة من السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن الجنيه شهد تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الماضية مقابل الدولار وكافة العملات العربية والاجنبية. مذبحة الجنيه المثير للسخرية في تصريحات وزير مالية السيسي، أنها تخالف الواقع والمنطق، حيث تكبد الجنيه المصري، خلال السنوات الماضية، خسائر فادحة بسبب تراجع حجم العملات الأجنبية في البنك المركزي، حيث كان سعر الدولار نحو 7.15 جنيه مع استيلاء قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على السلطة، ثم ارتفع لنحو 7.83 جنيه عام 2015، ومع بدء الاتفاق مع صندوق النقد واستمرار نزيف العملات الأجنبية وزيادة نشاط السوق السوداء للعملات، وصل لنحو 9.60 جنيه. وارتفع سعر الدولار إلى الضعف عقب قرار تعويم الجنيه، في نوفمبر 2016، حيث سجل الدولار أعلى سعر له بمارس 2017 بنحو 19.5 جنيه، وأثّر تراجع قيمة الجنيه المستمرة بشكل كبير على القدرات الشرائية للمواطنين، والقيم الحقيقية لثرواتهم، خاصة بعد أن فقد الجنيه أكثر من ثلثي قيمته بعد قرار تعويم الجنيه، حيث فقد الجنيه أكثر من 150% من قيمته خلال السنوات الماضية. تراجع القوة الشرائية وأدّى تعويم سعر الجنيه وتراجع قيمته وارتفاع سعر الدولار إلى ارتفاع الأسعار المحلية والمستوردة بشكل كبير، الأمر الذي تسبَّب في مشكلات اقتصادية، أبرزها إصابة الأسواق المصرية بالركود جراء تراجع القوة الشرائية للمواطنين. وكشف الخبير مصطفى عبد السلام عن أن حالة الركود هذه تسببت في إغلاق 5184 مصنع خلال الفترة الماضية وتشريد آلاف العمال، وقال عبد السلام، عبر صفحته على فيسبوك: إن "أسواق مصر تنكمش يومًا بعد يوم، والكساد والركود باتا يسيطران عليها، وعمليات البيع والشراء باتت شبه قاصرة على السلع الضرورية كالأغذية والأجهزة المنزلية والكهربائية، ومخازن المصانع باتت تتكدس بالسلع، في ظل ضعف الطلب المحلي وربما الخارجي، مع ضعف أسواق التصدير الرئيسية خاصة ليبيا والعراق والسودان، وانخفاض الطلبات الجديدة وتراجع فرص العمل والتوظيف". وأشار عبد السلام إلى أنَّ "بعض المصانع ومؤسسات الإنتاج باتت تغلق أبوابها وتطفئ أنوارها وتوقف تدريجيا ماكيناتها وتروسها ودوام موظفيها، في ظل تكدّس الإنتاج وصعوبة تصريفه وتسويقه وبيعه، كما تجد المصانع صعوبة في توسيع أنشطتها وأسواقها وفتح منافذ جديدة للبيع، وقبلها إضافة خطوط إنتاج حديثة، والنتيجة إغلاق مزيد من المصانع والشركات الإنتاجية أبوابها، وطرد عمالها أو على الأقل تقليص رواتبهم، لتنضم إلى آلاف المصانع المتعثرة منذ سنوات والتي تجاوز عددها 5184 مصنعا". أسباب الركود وحول أسباب حالة الكساد والركود، أوضح عبد السلام أن من أبرزها على الإطلاق السياسات الحكومية التي تطبق منذ سنوات، وتسببت في انهيار القدرة الشرائية لأغلب المواطنين، وسحب ما تبقى من سيولة نقدية كانت متوافرة لديهم، وتراجع معدل الادخار في المجتمع، خاصة عقب تعويم الجنيه المصري في نهاية العام 2016، وزيادة كلفة الإنتاج بسبب رفع الحكومة أسعار الوقود والكهرباء والرسوم والضرائب بشكل مستمر، إضافة إلى عوامل أخرى، منها زيادة معدل الفقر والبالغة أكثر من 32% من اجمالي عدد السكان، وهو ما يعني وجود أكثر من 32 مليون مصري فقير، حسب الأرقام الرسمية، وانتشار الفقر المدقع مع قفزات الأسعار التي لا ترحم ملايين الأسر، وانهيار عدد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة التي كانت وقود الطلب على الأسواق والسلع، والمحرك الرئيسي في معادلة الاستهلاك". وأضاف عبد السلام أن "الملفت أن هذا الانكماش في الأسواق يحدث رغم ضخامة سوق المستهلكين في مصر، والذي يتجاوز مائة مليون نسمة، كما يتعمق يوما بعد يوم رغم مواصلة بعض الأسعار ارتفاعها، مع ضعف الطلب من قبل المستهلك، وتحسّن قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وحديث الحكومة المتواصل عن جذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، وتراجع معدل التضخم إلى أدنى مستوى منذ 14 سنة، ليصل إلى 3.1% في شهر أكتوبر الماضي حسب بيانات الحكومة، واعتبار ذلك إحدى ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي"، مشيرا إلى أن "انكماش الأسواق ضعف أنشطة القطاع الخاص الذي يوفر نحو 70% من فرص العمل خاصة للشباب، كما كان يعد حتى وقت قريب رافداً مهماً لإيرادات البلاد من الضرائب والجمارك والنقد الأجنبي، حيث يقود صادرات البلاد وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي". مؤشرات الركود وأوضح عبد السلام أن "أكبر دليل على ذلك الكساد ما أظهرته مؤشرات اقتصادية حديثة، من انكماش القطاع الخاص تسجيله أبطأ وتيرة في أكثر من عامين"، مشيرًا إلى أنه "حسب مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات الصادر قبل أيام، فقد انكمشت أنشطة القطاع الخاص غير النفطي بمصر، في نوفمبر للشهر الرابع، لتهبط إلى أقل مستوى منذ سبتمبر 2017. وتراجع المؤشر إلى 47.9، من 49.2 في أكتوبر، ليقل عن مستوى الخمسين الفاصل بين النمو والانكماش". وأضاف عبد السلام أن "تراجع أسعار بعض السلع، كما حدث مع الدولار والحديد ومواد البناء، لا يعود إلى توافر المعروض منها، أو إلى تحسن دخول المصريين ورفع المستوى المعيشي، خاصة للأناس العاديين، وإنما إلى كساد الأسواق وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وهذا أمر خطر على الاستثمار والصناعة والأسواق وفرص العمل والتشغيل والصادرات، وعلى الحكومة التنبه لمخاطر الكساد الشديدة على الاقتصاد والمواطن".