على الرغم من أن مبرر وزارة التربية والتعليم الانقلابية في تأجيلها للدراسة في النصف الثاني من هذا العام الدراسي إلى ما يزيد عن شهر ونصف جاء تحت زعم حماية الطلاب من خطر الأمراض والأوبئة المنتشرة فإن حجم الخطر الذي يواجهه الطلاب الآن جراء الإهمال في المدارس في ظل الانقلاب العسكري يضاعف في خطورته خطر الأوبئة والأمراض. حيث إنه بجانب تعدد حالات التسمم التي أصابت عشرات الطلاب في المحافظات المختلفة, تحولت بعض المدارس إلى قبور ومدافن للأطفال جراء ما تعانيه هذه المدارس من إهمال واستخفاف بحياة الطلاب؛ فقد تعرض ثلاثة أطفال خلال الأسبوع الأول من بدء الفصل الدراسي الثاني لسنة 2014 إلى القتل بسبب الإهمال في الشوارع، حيث جاءت حالة الوفاة الأولي بعد وقوع باب المدرسة الحديدي على الطفلة هايدي أحمد سالم، والحالة الثانية بعد وقوع طفل في بالوعة بأحد المدارس بالصعيد وهو الطالب هشام فتحي، والثالثة بعد وقوع طفل قي أسيوط في بيارة بأحد المدارس. أما عن حالات التسمم بسبب التغذية المدرسية فقد تعدد الحالات في محافظات مصر المختلفة، والتي كان آخرها تسمم أكثر من 50 طالبًا بالصعيد، و17 طالبا بدمياط و83 تلميذا بمركز الحامول بكفر الشيخ.
ويذكر أن حالات تسمم الطلاب –والتي انتشرت بشكل كبير في الثاني من هذا العام الدراسي لم تكن الأولى؛ حيث شهد النصف الأول من العام الدراسي العديد من حالات التسول؛ ففي نوفمبر من العام الماضي تعرض 90 طالبا في المعهد الأزهري بقرية العقاد في مدينة بني سويف لتسمم بعد تناولهم وجبة فاسدة. كما استقبلت مستشفى سوهاج أيضًا 100 تلميذ، مصابين بحالة تسمم، بسبب تناوبهم وجبة مدرسية. وأصيب 53 طالبًا في الشهر نفسه بمدارس بئر العبد، بتسمم غذائي نتيجة تناولهم اللبن المعبأ أحد مكونات التغذية المدرسية، وتم نقلهم إلى المستشفى. وقفات احتجاجية لأولياء الأمور وفي ظل هذا الإهمال الذي يحصد حياة الطلاب تزايدت في الفترة الأخيرة الوقفات الاحتجاجية التي ينظمها أولياء الأمور احتجاجًا على هذا الإهمال؛ حيث تجمهر المئات من أهالي طلاب 63 مدرسة بمركز حامول التابع لمحافظة كفر الشيخ، أمام مركز الشرطة لتحرير محضر بواقعة تسمم أبنائهم ضد مسئولي إدارة المدارس. من جانبها استنكرت نقابة المعلمين المستقلة بكفر الشيخ حادثة تسمم ما يزيد على 83 تلميذا بمدرسة قرية 63 الجدية بمركز الحامول. وأصدرت بيان أكدت خلاله " أن هذه الحالات من التسمم تؤكد استمرار حالة الاستهانة بأرواح الطلاب بسبب الوجبة المدرسية التي تقدم لهم، وقالت النقابة إن المسئول عن تكرار هذه الحالات على مستوى الجمهورية هو وزير التعليم الانقلابي، حيث إنه يتحمل المسئولية ووكلاء الوزارة، وطالبت السلطات المختصة بفتح تحقيق فوري في تلك الحوادث وتحديد المتسبب وحذرت النقابة من استمرار مسلسل الإهمال في المدارس وانتشار ظاهرة العنف داخلها. وفي السياق نفسه نظم المئات من أولياء أمور "مدرسة الحجايزة" ببحر البقر جنوب بورسعيد وقفة احتجاجية صباح في الأيام القليلة الماضية أمام المدرسة، اعتراضًا على الإهمال وذلك اعتراضًا على هيئة التدريس بالكامل بسبب تقاعسهم عن أداء أدوارهم, مؤكدًين أن هذه المشكلة ليست فقط في مدرسة الحجايزة، ولكنها موجودة في كافة مدارس الجنوب بمراحلها المختلفة. رد المسئولين وفي ظل هذا الحال من الإهمال والفوضى والتذمر والغضب من قبل الطلاب وأولياء أمورهم لم يجد المسئولون في حكومة الانقلاب أمامهم سوى الاعتراف بمسئوليتهم عن هذا العدد الكبير من حالات التسمم، حيث قال الدكتور محمود أبو زيد -وزير التعليم في حكومة الانقلاب- إنه مسئول مسئولية سياسية عن أي حالة تسمم بين الطلاب، مؤكدًا أن المسئول الفعلي هو المسئول عن استلام الوجبات وأنه سيتم محاسبة جميع المقصرين، ومن جانبه حمّل أحمد حلمي -المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم- حوادث المدارس التي راح ضحيتها بعض الطلاب إلى مديري المدارس وكافة المشرفين في المدارس التي وقعت فيها هذه الحوادث، بالإضافة إلى الأبنية التعليمية في حال إبلاغها بإصلاحها ولم تستجب مؤكد أن الضحايا من الطلاب وقعوا نتيجة الإهمال. منظومة فساد في هذا الإطار اعتبر الدكتور حسني السيد -الأستاذ بالمركز البحوث التربوية والتنموية بوزارة التربية والتعليم- أن ما تشهده المدارس المصرية من حيث تعدد حالات التسمم والإهمال الذي يتسبب في قتل الأطفال إنما يؤكد استمرار منظومة الفساد التي استشرت في منظومة التعليم على مدار ثلاثين عامًا، مشيرًا إلى أن منظومة التربية والتعليم في مصر من أكثر المنظومات فسادًا، ولم تستطع حكومات بعد الثورة تطهيرها، مؤكدًا أن الدكتور إبراهيم غنيم وزير التعليم في حكومة الدكتور هشام قنديل كان قد بدأ خطوات إيجابية نحو إصلاح المنظومة ولكن لم يقدر له أن يستكملها.
د. حسني السيد: الانشغال الأمني والسياسي للحكومة أهم أسباب إهمال المدارس وتسمم الطلاب مؤكدًا أن وزارة التعليم بعد 30 يونيو لم تستطع أن تقدم أي جديد بل أسهم الانشغال الأمني الكبير والسياسي للحكومة إلى استشراء الفساد في كافة القطاعات، ولا سيما قطاع التعليم على وجه التحديد، ويعتبر أن حالات التسمم وتعدد حالات وفاة الطلاب داخل المدارس أبرز دليل على ذلك؛ حيث أسهمت هذه الأوضاع في ضعف شديد على الرقابة على الخدمات التي تقدم للطلاب والتي من بينها الأغذية المدرسية وكذلك الأبنية ذاتها التي يتسبب إهمال صيانتها في كوارث يدفع ثمنها الطلاب، ومن ثم يرى أن المسئولية الأولى تقع على الوزير لأنه المسئول السياسي عن هذه المنظومة وأي فساد يقع فيها هو من يتحمله. وأضاف حسني السيد أنه في ظل استمرار هذه المنظومة من الفساد التي يقودها عدد كبير من معدومي الضمير وفي ظل انشغال الدولة عن محاربة هذا الفساد يكون من المتوقع استشراء هذا الفساد بصورة أكثر مما هي عليه الآن، وهو ما يدفع ثمنه البسطاء والطلاب الصغار، ويؤكد أن السبيل الأول للحماية من هذه الأخطار المحققة هو وجود إرادة سياسية حقيقية من قبل الدولة لمحاربة هذا الفساد والتفعيل الفعلي للرقابة والمحاسبة الصارمة لكل المتورطين.
قتل عمد وعن المسئولية القانونية لجرائم الإهمال ضد الطلاب يؤكد المحامي أسامة صدقي -رئيس رابطة محامين بلا حدود- أن جرائم الإهمال التي استشرت في المدارس المصرية بعد الانقلاب العسكري والتي أدت إلى قتل وإصابة العديد من الطلاب الصغار تدخل تحت مظلة جرائم الجنايات التي تستوجب محاكمة جميع الانقلابيين المسئولين عن المنظومة الآن. مشيرًا إلى أنها تندرج تحت جرائم القتل العمد.
أسامة صدقي: ما يحدث ضد الطلاب جرائم قتل عمد تستوجب محاكمة قادة الانقلاب مؤكدًا أن الانقلابيين لم يتورعوا من قبل في قتل واعتقال الأطفال الصغار منذ بداية الانقلاب العسكري, حيث يبلغ عدد الأطفال المعتقلين 500 طفل أغلبهم من طلاب المدارس بسبب رفضهم للانقلاب العسكري ومن ثم لم يكن من المستغرب استهانتهم بحياة الطلاب بهذه الصورة التي نشهدها اليوم من خلال الأغذية الفاسدة وإهمال صيانة المباني المتهالكة.
مؤكدًا أن طلاب مصر ومتطلباتهم واحتياجاتهم ليست ضمن اهتمامات هذا الانقلاب الدموي كغيرهم من فئات الشعب المختلفة؛ لأن أجندة هذا الانقلاب الدموي لا تتسع فقط إلا لتمكينه وترسيخ أركانه، ومن ثم يصب كل جهوده ويسخر كل أدوات الدولة لهذا الغرض حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب. لافتًا إلى أنه بالرغم من ذلك لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف الأوحد وهو التمكين بل يزداد كل يوم هشاشة عما قبله. مشيرًا إلى أن استمرار الانقلابيين في هذا الإهمال المتعمد للشعب والاستهانة بحياته بهذه الطريقة التي نراها والتي يمثل قتل الطلاب وتسممهم جزءًا منها ستكون أول معول هدم لهذا الانقلاب.