قال أحمد خلف -الباحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية-: إن حكم الإعدام الصادر بحق 529 من رافضي الانقلاب هو امتداد طبيعي لسلسلة الأحكام الجائرة التي تنتهجها سلطة الانقلاب، بعد صدور أحكام سابقة بسجن متظاهرين مددا وصلت 17 عاما وإعادة فتح قضايا هزلية منذ عهد مبارك المخلوع مثل تلك القضية المتهم فيها "إبراهيم العزب" طالب كلية الصيدلة والمحكوم عليه هو وزملاؤه فيها بالإعدام، وأحكام أخرى ضد فتيات وسيدات بالسجن في اتهامات غير متصورة عقلا. وأضاف في تصريح خاص ل"الحرية والعدالة" هذا فضلا عن أن معظم الاتهامات التي تم بموجبها اعتقال آلاف من رافضي الانقلاب خلال الأشهر الماضية هي اتهامات سابقة التجهيز يتم إلصاقها برافضي الانقلاب بمجرد اعتقالهم دون بذل جهد قليل في "تظبيط" التهم على مقاس المعتقل وظروف القبض عليه وصلة ذلك بالأحراز المضبوطة بحوزته سواء كانت لافتة أو صورة أو بالونة صفراء أو خلة أسنان كما رأينا في العديد من القضايا التي لا يعرف كيف يسمح قاض لنفسه أن ينظرها بهذا الشكل، أو كيف يسمح وكيل نيابة لنفسه أن يحيل قضية إلى المحكمة بهذا التهافت والاهتراء!!
وتابع: إذن نحن أمام حكم يصدر في سياق طبيعي من خصومة النيابة والقضاء لرافضي الانقلاب وتأييدهما لسلطة الانقلاب، وهذا يعصف بأي مبدأ قانوني وأي حق من حقوق المواطنين في التقاضي أمام جهات نزيهة وموضوعية لا تضمر عداء للمتقاضين أمامها، وإن كان هذا السياق الطبيعي أضحى غير طبيعي بقسوة الأحكام التي تصدر ووصلت إلى الإعدام، وفجاجة مخالفة القانون وتجاوز كل قواعد وإجراءات التقاضي. وأشار "خلف" إلى أنه وفي هذه القضية تجاهلت المحكمة معظم الإجراءات ولم تقم بالنداء على المتهمين، ولم تقم بفض أحراز القضية، ولم تستمع إلى المرافعات، ولم تُجِب المحامين إلى طلباتهم، وأهمها إجرائيا طلب رد هيئة المحكمة، وهو بمفرده وبمجرد طلبه كفيل بوقف نظر القضية، لحين فصل محكمة الاستئناف في طلب الرد.
وموضوعيا رصد "خلف" تجاهل هذا الحكم مبدأ شخصية العقوبة إذ يجب على المحكمة أن تحدد تهمة كل متهم ودوره في ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه، وهذا أمر لم تقم به المحكمة في ظل شيوع التهمة بين أكثر من 500 متهم، وعلى فرض صحة نسبة ارتكاب الجريمة من أي منهم، فكان واجبا عليها أن تقوم بتحديد من قتل نائب مأمور مركز شرطة مطاي وكيفية هذا القتل وهذا لا يمكن أن يتوفر إلا بحق شخص أو أفراد قلائل على أقصى تقدير.
ونبه "خلف" إلى أن الغريب أن هذا القاضي الذي أصدر هذا الحكم الجائر سبق وأصدر حكما بالبراءة منذ أكثر من شهرين على مدير أمن بني سويف وآخرين من تهمة قتل الثوار في ثورة يناير 2011؛ ليكشف هذا الحكم عن انهيار كل الأوهام التي يمكن أن ينسجها البعض على النزاهة القضائية حين تسند القضايا المتعلقة برافضي الانقلاب إلى القضاة الذين يبرئون قتلة الثوار في ثورة يناير!! وأكد "خلف" أن هذا الحكم هو أحد تجليات الصراع بين الانقلاب وثورة يناير، التي كانت ولا تزال تطالب بالحرية والكرامة والعدالة، فيصر الانقلاب على العصف بكل قواعد العدالة وعلى تقييد الحريات وعلى إهدار كرامة الوطن والمواطن.
ونبه "خلف" إلى أن هذا الحكم قد يكون محاولة من جانب الانقلابيين لجرّ البلاد إلى الفوضى ودفع رافضي الانقلاب لتبني العنف في مواجهة الانقلاب ما يبرر قيامهم باتخاذ تدابير أكثر عنفا تخفف من لوم الغرب لهم، وهذا منزلق خطير لا يجوز أن ننجر إليه، فسلميتنا ستظل أقوى من رصاص الانقلاب وأحكامه الجائرة وسياساته الظالمة. ولا يجزم أن يكون هذا هو هدف الانقلاب؛ لأن كثيرا من المشاهدات توحي أيضًا بفرضية مجاملة البعض لسلطة الانقلاب عبر ما يملكونه من نفوذ في مؤسسات الدولة المختلفة للتعبير عن ولائهم للانقلاب وقائده، وهذا سلوك يمكن أن يتبع في "عزبة" خاصة وليس في دولة بحجم مصر، لكن هذه هي حقيقة نظرة الانقلاب وأهله للدولة المصرية.
وحذر "خلف" من أن سلطة الانقلاب تريد مزيدا من التأزيم قد يجعلها قادرة على حسم الأمور لصالحها، هكذا تتصور، وهكذا تتصور أيضًا كل سلطة مستبدة ظالمة، وبالمناسبة هي لا تملك غير هذا الأسلوب من التفكير، وهو أيضًا دليل فشلها وانحدارها وانهيارها، هذه سنة الله في الكون. وهذه للأسف عقلية الانقلاب الضيقة التي تنظر تحت قدميها ولا تنظر للمستقبل، تنظر لمصلحتها الخاصة، لا مصلحة الوطن، تنظر لمصلحة فصيلها ومؤيديها لا مصلحة عموم الشعب بمختلف تياراته واتجاهاته.