رغم الأوضاع الصعبة التي شهدها الاقتصاد المصري عقب ثورة يناير وتنامي الاحتجاجات الفئوية تسود حالة من التفاؤل في أوساط دوائر صناعة القرار الاقتصادي بشأن تجاوز تلك الأوضاع الصعبة وزيادة معدل النمو الاقتصادي خلال العامين الحالي والقادم. وعززت تصريحات وزير المالية ممتاز السعيد والتي توقع فيها نمو الاقتصاد بمعدل بين 5 .3 - 4% في السنة المالية 2012-2013 مقابل حوالي 8 .1 فى المائة خلال العام المالى السابق عليه، حالة التفاؤل بشأن إمكانية احتواء التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر حاليا وفى مقدمتها عجز الموازنة المتوقع أن يصل إلى 135 مليار دولار خلال العام المالى الجارى، وارتفاع معدل التضخم وتآكل احتياطى النقد الأجنبى وتنامي معدلات البطالة وضعف معدلات الإنفاق الاستهلاكى. وأكدت المؤشرات الحالية على الساحة المصرية وجود محددات إيجابية تعزز إمكانية تحقيق التعافي الاقتصادي ومواجهة التحديات الاقتصادية وزيادة حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة. وتتمثل أولى تلك المحددات الإيجابية فى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة هشام قنديل، وتعهدها ببذل قصارى جهدها لدعم النمو الاقتصادى وتوفير البيئة المواتية للاستثمار. وأوضحت مؤسسات اقتصادية دولية ومن بينها بنك "إتش إس بى سى"، وجلوبال ايكونومى أن وجود حكومة منتخبة سوف يعزز الثقة الدولية في قدرة مصر على مواجهة التحديات الاقتصادية، مشددة على أن الحكومة الجديدة تدرك جيدًا أن قدرتها على الاستمرار سوف يتوقف على نجاحها فى تحقيق التعافى الاقتصادى وتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأوضح المحلل الاقتصادي الأمريكى راينر فورد أن الحكومة المصرية تواجه خيارات صعبة تتمثل فى ضرورة تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتخفيض معدلات الفقر، وإعادة النظر فى سياسات الدعم والتقشف وتأمين مصادر التمويل الخارجية ومواجهة المظاهرات الفئوية وتقليص التضخم. ويتمثل المحدد الإيجابى الثانى والذى يعزز التفاؤل بشأن تجاوز التحديات الاقتصادية الحالية فى قرار الحكومة المصرية المتعلق باستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولى حول قرض بقيمة 2 .3 مليارات دولار. وفى ذلك الصدد، أعلن الناطق باسم صندوق النقد الدولى أن الصندوق سيرسل بعثة برئاسة مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي إلى القاهرة؛ لإجراء محادثات بشأن تقديم القرض لمصر، مشيرا إلى أن البعثة ستناقش الدعم المالي المحتمل لبرنامج اقتصادي مصرى. وأكد صندوق النقد الدولى استعداده لدعم مصر والعمل عن كثب مع السلطات المصرية لتنفيذ برامج التعافى الاقتصادى. كان وزير المالية ممتاز السعيد أكد يوم السبت الماضى أن مصر دعت مسئولين من صندوق النقد الدولي لاستئناف المحادثات بشأن القرض. وفى السياق ذاته، قال المحلل الاقتصادى الألمانى راينر هيريت أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد سيساعد مصر على تفادي أزمة في الميزانية وفي ميزان المدفوعات، وسيضفى مصداقية على الإصلاحات الاقتصادية المصرية. وأشار إلى أن الثقة الدولية بشأن قدرة الاقتصاد المصري على التعافى ستتزايد حال التوصل إلى اتفاق بين القاهرة وصندوق النقد الدولى بشأن القرض الذى تعثرت المفاوضات بشأنه نتيجة الخلاف بين الحكومة المصرية والكتل الرئيسية وخاصة الإسلامية بمجلس الشعب عام 2011م. وأوضح أن مصر ستتمكن من تحسين تصنيفها الائتماني وتعزيز وضعها التفاوضي مع مؤسسات التمويل الدولية بشأن اتفاقيات القروض والمستقبلية حال إبرامها الاتفاق المحتمل مع صندوق النقد الدولي. وتشكل استعادة الأوضاع الأمنية المحدد الثالث الذى يغذي التفاؤل بشأن إمكانية تجاوز التحديات الاقتصادية فى ضوء تأكيد الرئيس محمد مرسى على ضرورة بذل كافة الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار المفقود منذ يناير 2011. وانعكست الأوضاع الأمنية غير المواتية على بيئة الاستثمار فى مصر حيث تراجع معدل التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة، وتأثرت حركة نقل المنتجات عبر المحافظات المختلفة. ويتمثل المحدد الإيجابى الرابع فى التوقعات بشأن تبنى الحكومة المصرية لحزمة من الإصلاحات والإجراءات الرامية إلى تعزيز الاستقرار المالى والنقدى، واستعادة عائدات السياحة. وأوضح محللون اقتصاديون أن عودة وزارة الاستثمار مجددا إلى التشكيلة الحكومية تعكس رغبة صانع القرار فى مصر فى توفير البيئة المواتية للاستثمار واستعادة ثقة المستثمرين. وفى ذلك الصدد، قال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن الاستثمار الأجنبي المباشر لم يتعاف بعد فى مصر، لافتا إلى أن اقتصاديات مصر والمغرب وتونس والأردن تلقت ضربة موجعة، وذلك بعد انخفاض عائدات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة الخارجية. وفى السياق ذاته، أوضح وزير الاستثمار أسامة صالح أنه سيتم الإعلان خلال أيام عن مجموعة من الإجراءات التى من شأنها دفع عجلة الاستثمار وحل مشاكل المستثمرين وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات مع تعميم تقديم خدمات الاستثمار لامركزيا بالمحافظات، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على الحصول على التمويل. وأعلن البنك المركزى المصرى- فى أحدث تقرير له- أن حجم الاستثمارات الأجنبية التي دخلت مصر خلال الربع الثالث من العام المالي الماضي 2011 - 2012 بلغت 13 .3 مليارات دولار، مقابل صافي خروج بلغ 2 .858 مليون دولار في الربع الثاني. وجاءت استثمارات دول الاتحاد الأوروبي في قائمة صدارة الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى مصر خلال الربع الثالث، وحققت زيادة ملحوظة مقارنة بالربع الثاني بنحو 7 .1 مليار دولار مسجلة 435 .2 مليار دولار، مقابل 7 .696 مليون دولار، كما ارتفعت بنحو 6 .1 مليار دولار مقارنة بالفترة المناظرة من العام المالي السابق له، التي بلغت 114 .1 مليار دولار. وتشكل فعالية الجهاز المصرفى المصرى المحدد الخامس لتعزيز التفاؤل بشأن تجاوز الصعوبات الاقتصادية فى ضوء الدور الهام الذى لعبه الجهاز فى كبح التراجع الحاد فى قيمة الجنيه المصرى، ودعم الاستقرار المالى والنقدى عقب ثورة يناير. ويواجه النظام المصرفى فى مصر تحديات عديدة من بينها ضرورة الاحتفاظ بمستويات مقبولة من السيولة النقدية، وتبنى نظم وسياسات فعالة للتعامل مع مستويات المخاطر المختلفة والتحكم فيها. وأوضح محللون مصرفيون أن سياسات القطاع المصرفى ساهمت فى تجنيب مصر تداعيات الأزمات المالية سواء الداخلية أو الخارجية، مشددين على أن تلك السياسات ركزت على ضخ المزيد من السيولة الدولارية لوقف تراجع العملة المحلية، وتوفير الائتمان لعدد من المشروعات والصادرات والواردات. وفى هذا الصدد، قالت سوزان حمدي الخبيرة المصرفية: إن فاعلية النظام المصرفى ساهمت فى كبح التدهور الاقتصادى فى مصر عقب ثورة يناير، مشيرة إلى أن النظام المصرفى يقف حاليا على أرض صلبة رغم التحديات التى يواجهها الاقتصاد المصرى. وأوضحت ماجدة قنديل الخبيرة الاقتصادية بصندوق النقد الدولى أن تعزيز الجهاز المصرفى فى مصر يستلزم دعم التعاون الوثيق بين السلطات الرقابية لضمان الإشراف الفعال مع تقليل الأعباء، وتجنب الازدواجية، وإيجاد مستوى عال من المصرفيين يتمتعون بالحرفية والمهارات المصرفية، وتوحيد أساليب العمل المصرفى، والالتزام بالاشتراطات الدولية للعمل المصرفى، والاحتفاظ بمستويات عالية ومقبولة من رءوس الأموال البنكية والمؤسسات المالية، وتبنى نظم وقواعد قوية وسياسات فعالة من أجل الاحتفاظ بمستويات عالية من السيولة والتعامل مع المخاطر بكافة أشكالها. وفى المقابل، أوضح محللون اقتصاديون أن التحدى الأكبر الذى يواجه الحكومة المصرية حاليًّا يتمثل فى ضرورة تبنى سياسات وإجراءات اقتصادية واضحة لدعم الاستثمارات الأجنبية واستعادة ثقة المستثمرين. وفى السياق ذاته، أكدت الدكتورة نهى المكاوى الخبيرة الاقتصادية الدولية ضرورة تحديد دور الدولة بوضوح فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأوضحت أن مصر تحتاج إلى تطوير جودة التعليم وربطة باحتياجات سوق العمل وزيادة معدلات التوظيف، محذرة من أن التحديات السياسية تؤثر على الوضع الاقتصادى فى مصر. وشددت على ضرورة تعزيز التنمية المرتكزة على القطاع الخاص ودعم الشفافية والمسئولية الاجتماعية للدولة تجاه الفئات الفقيرة، وإعادة النظر فى نظام الاستفادة من الموارد البشرية.