المعصية ذنب كبير، ولكن الأكبر منها الإصرار على المعصية، فتلك أعظم من الذنب نفسه وأقبح. ينطبق هذا على حال القضاء فى مصر فلا يزال مُصرا على المعصية المتمثلة فى الوقوف مع الثورة المضادة وعلى أن يجعل من نفسه أهم واخطر الآليات التى تحارب بها الدولة العميقة والعسكر الشعب المصرى، علما بأن أحكامه تصدر باسم الشعب ولكنها للأسف ضد الشعب المصرى جملة وتفصيلا شكلا ومضمونا. فالقضاء فى مصر حربة قوية يستخدمها ألد أعداء الشعب المصرى فى الانتقام من الشعب المصرى الذى يريد استرداد أرادته وكرامته من عبيد العبيد من خونة الداخل وعملاء الخارج الذين باعوا كل شىء مقابل فتات من أسيادهم العبيد. هذا الكلام ينطبق على القضاء فى مصر بكافة أنواعه دستورى جنائى مدنى إدارى وبكافة درجاته جنح جنايات جزئى ابتدائى استئناف نقض لا يشذ منهم درجة أو نوع. ترتيبا على ما سبق فإن أحكام القضاء فى مصر وعلى رأسها أحكام المحكمة السياسية العليا الدستورية سابقا التى صادرت إرادة الشعب بحل مجلس الشعب بحكم يخالف أبجديات القانون التى يدرسها طلبة الفرقة الأولى بكليات الحقوق. ومحاكم الجنايات التى أطلقت مهرجان البراءة لجميع الفاسدين والقتلة والسجن والحبس لكل الأحرار والحرائر والقضاء الإدارى الذى وقف بالمرصاد لكل ما يمت للشرعية بصلة فيلقى عليه قاذورات عدم الشرعية هذا حال القضاء فى مصر منذ عهد ليس بالقريب فقد تم استخدامه لهذه المهمة القذرة منذ انقلاب 1952م الذى دبرته المخابرات الأمريكية لصبية فى الجيش الذى كان مصريّا. والآن الشعب المصرى بين مطرقة العسكر خونة الداخل وعملاء الخارج وسندان القضاء الذى قايض استقلاله وكرامته والقانون بل والدين بلقيمات يرميها له العسكر على الأرض فينحنى لكى يأخذها بذلة وعار. حتى النيابة العامة لم تسلم من نهج هذا النهج الفاسد الظالم من القمة إلى القاع بأوامر الحبس الاحتياطى جاهزة لكل حر وحرة بعيد كل البعد عن كل فاسد وظالم، وأيضا بأوامر الإحالة إلى محكمة الجنايات التى طالت حتى رئيس الدولة الشرعى حيث أصدر النائب العام المعين من قبل سلطات الانقلاب أمرا بإحالة الرئيس الشرعى مرسى وبعض رفاقه لمحكمة الجنايات بتهم تفضح عمالة وخيانة سلطات الانقلاب؛ حيث إن هذه التهم لا توجد إلا فى القوانين الأمريكية والصهيونية التى تصدر من قوات الاحتلال الصهيونى فى فلسطينالمحتلة. فقد (أمر المستشار هشام بركات النائب العام بإحالة محمد مرسى رئيس الجمهورية السابق وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، ومحمد بديع المرشد العام للجماعة، ونائبيه خيرت الشاطر ومحمود عزت، ومحمد سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب السابق، وكذلك محمد البلتاجى وعصام العريان وسعد الحسينى أعضاء مكتب الإرشاد، ومحمد رفاعة الطهطاوى الرئيس السابق لديوان رئاسة الجمهورية ونائبه أسعد الشيخة، وأحمد عبد العاطى مدير مكتب الرئيس السابق وعضو التنظيم الدولى للإخوان، و 25 متهما آخرين من قيادات الجماعة وأعضاء التنظيم الدولى للإخوان، إلى محكمة الجنايات، لارتكابهم جرائم التخابر مع منظمات أجنبية خارج البلاد. وأسندت النيابة العامة إلى المتهمين تهم التخابر مع منظمات أجنبية خارج البلاد، بغية ارتكاب أعمال إرهابية داخل البلاد، وإفشاء أسرار الدفاع عن البلاد لدولة أجنبية ومن يعملون لمصلحتها، وتمويل الإرهاب، والتدريب العسكرى لتحقيق أغراض التنظيم الدولى للإخوان، وارتكاب أفعال تؤدى إلى المساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها)! وفى هذا المقال سوف نبين انعدام هذا القرار ببطلانه بطلانا مطلقا وفقا للأسس التالية: أولا: عدم شرعية النائب العام المعين من قبل سلطات الانقلاب: لصدوره من مغتصب سلطة وإصابة قرار تعينه بعدم الاختصاص الجسيم الذى يعرف باغتصاب السلطة الذى يعدم كل ما يصدر من قرارات أو أعمال من مغتصب السلطة ولا يرتب عليه القانون أى آثار قانونية، ولا تتأثر به المراكز القانونية للأطراف أو الخصوم وتظل مراكزهم القانونية كما هى قبل إصدار القرار المنعدم من مغتصب السلطة ولا يتحصن هذا القرار الصادر من مغتصب السلطة بمضى المدة ولا يصححه رضاء الخصوم أو الأطراف، وتنفيذ الإدارة لهذا القرار يشكل اعتداء ماديا ومخالفة جسيمة للقانون، وهذا ما حدث من وزير الدفاع حيث قام بانقلاب عسكرى وسطو مسلح على إرادة الشعب بخطف الرئيس المنتخب شرعا من الشعب بانتخابات حرة نزيهة من قبل الشعب صاحب كل السلطات ومصدرها وأساسها الشرعى والقانونى، وقام بتعطيل الدستور والعمل به الذى أقره الشعب المصرى بأعلى نسبة استفتاء على دستور فى العالم، وعزل الوزارة الذى عينها الرئيس الشرعى المنتخب التى كان هو أحد أعضائها، وكل هذه جرائم جنائية معاقب عليها فى قانون العقوبات المصرى فى الباب الثانى تحت عنوان (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل) فى المواد من (86 حتى 102)، وأهم هذه الجرائم جناية قلب نظام حكم منتخب من الشعب. الغريب فى الأمر والمناقض لحكم القانون والثابت والمستقر فى القانون الدستورى والنظم السياسية قام وزير من الوزراء بتعيين رئيس جمهورية مؤقت، وتعيين رئيس وزراء مؤقت، واحتفظ لنفسه فى الوزارة بمنصبه كوزير للدفاع.. هذا الأمر أشد وأوضح وأعلى صور اغتصاب السلطة؛ فكيف يعين وزير رئيسا للجمهورية ورئيسا للوزراء وهو أقل منهم درجات، فالقانون والعقل والمنطق يقولون إن رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء والأخير يعين الوزراء ورئيس العكس كما حدث فى الانقلاب العسكرى يوم 3/7/2013م فقيام وإصدار سلطة الانقلاب بتعيين نائب عام يكون منعدما مفتقدا لأى أساس من القانون أو الشرعية، لذلك فكل ما يصدر عنه منعدم وباطل حتى وكالته لأعضاء النيابة العامة باطلة ومنعدمة قانونا ولا يترتب عليها أى آثار قانونية، بذلك تكون كافة التحقيقات والدعاوى التى تصدرها النيابة العامة فى مصر باطلة ومنعدمة قانونا، ومنها قرار إحالة الرئيس الشرعى المنتخب ورفاقه بالتهم سالفة الذكر، ولا يترتب عليها أى آثار قانونية، فهو عمل مادى منعدم وليس تصرف قانونى ولا يؤثر فى المركز القانونى للمحالين فيها، فيظلوا فى مراكزهم القانونية السابقة على الانقلاب ولا تأثير لذلك عليهم ولا على مراكزهم القانونية الثابتة والمقررة قانونا. ثانيا: ما وصفه قرار الإحالة المنعدم بأنه جرائم للرئيس الشرعى المنتخب ومساعديه هى من صميم عملهم، ويدخل ضمن أعمال السيادة التى تخرج عن سلطة القضاء، ولا يجوز للقضاء مناقشتها لتعلقها بالأمن القومى للدولة؛ فمن مقتضيات عمل الرئيس ومساعديه الاتصال بالجهات الحكومية الخارجية، وهذا النوع من الأعمال هى من أعمال السيادة التى تخرج عن نطاق القضاء لخطورتها، تداولها لأنها تتضمن أسرار الدولة العليا، ونظرية أعمال السيادة ثابتة ومستقرة فى القانون ولا مجال للحديث فى عدم شرعيتها فهى ثابتة ومعروفة فى كافة الأنظمة القانونية الموجودة فى العالم، كما أنها ثابتة فى القضاء الدستورى والإدارى فى مصر، فأعمال السيادة هى تلك الأعمال والتصرفات الصادرة عن السلطات العليا فى الدولة وتشمل الأعمال السياسية، لذلك فقد نص قانون السلطة القضائية المصرى على أنه (ليس للمحاكم أن تنظر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فى أعمال السيادة المعترف لها بهذه الصفة هى فى تقلص مستمر فى مفهوم الاجتهاد والفقه الإداريين، فهى لا تشمل سوى الأعمال السياسية المهمة كحالات الحرب، والعلاقات الخارجية، وممارسة رئيس الدولة لبعض مهامه الدستورية) فقد استقر القضاء فى مصر على اعتبار هذه الأعمال من قبيل أعمال السيادة منها الأعمال الخاصة بسلامة الدولة وأمنها الداخلى. والأعمال الصادرة فى شأن حالة الحرب. والأعمال المتعلقة بالسيادة الإقليمية وما يتعلق بالعلاقات الدولية والدبلوماسية. والأعمال الخاصة بعلاقة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية (الحكومة والبرلمان)، وبصفة عامة الأعمال الخاصة بسير السلطات العامة، وخصوصا ما يتعلق بعلاقاتها الدستورية بعضها بالبعض الآخر. ترتيبا على ما سبق تكون الاتهامات الواردة فى أمر الإحالة المنعدم من صميم اختصاصات المذكورين فى هذا الأمر المنعدم كما أنها تعتبر من أعمال السيادة التى لا تخضع للقضاء. ثالثا: كافة التحقيقات التى سبقت صدور هذا الأمر المنعدم مخالفة لنص المادة (124) من قانون الإجراءات الجنائية المصرى والمعدلة بالقانون رقم (145) لسنة 2006م والتى نصت على أنه (لا يجوز للمحقق فى الجنايات وفى الجنح المعاقب عليها بالحبس وجوبا أن يستجوب المتهم أو يواجه بغيره من المتهمين أو الشهود إلا بعد دعوة محاميه للحضور)، فالتحقيق مع الرئيس مرسى تم دون حضور محامٍ معه، مما يجعل تحقيقات النيابة التى أجريت مع الرئيس محمد مرسى ورفاقه بشأن التهم الواردة فى أمر الإحالة المنعدم باطلة ومنعدمة قانونا ولا تؤثر على المركز القانونى للمذكورين فيه، فبظل الدكتور محمد مرسى هو الرئيس الشرعى القانونى لمصر ويظل مساعدوه كما لو كانوا فى مناصبهم ولا تأثير عليهم فى ذلك. رابعا: توجد خصومة بين القضاء فى مصر والرئيس المنتخب الشرعى الدكتور محمد مرسى ومساعديه وأنصاره، حيث تبنّى قانونا جديدا للسلطة القضائية يحد من المميزات والمكافآت التى يأخذها ويتمتع بها أعضاء الهيئات القضائية دون وجه حق وأهمها تخفيض سن المعاش إلى ستين سنة وتعيين أبناء أعضاء الهيئات القضاء فيها دون وجه حق، مما جعل الخصومة موجودة ومؤثرة على أحكام وقرارات المحاكم التى تخالف أبجديات القانون فى مصر، ما يجعل هذه الأحكام باطلة وغير شرعية. خامسا: صدور هذا الأمر المنعدم الآن هو رد فعل من سلطات الانقلاب ضد الرئيس ومؤيدى الشرعية على التحرك لمحاكمة قادة الانقلاب أمام المحاكم الجنائية الدولية على جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التى ارتكبها هؤلاء فى مجزرة الحرس الجمهورى والمنصة ورابعة والنهضة وكافة حوادث القتل والقنص التى تحدث من قوات الجيش والشرطة فى شوارع مصر وفى كافة المحافظات، وأعتقد أن هذا الأمر المنعدم وسيلة للضغط والتفاوض من قادة الانقلاب مع الرئيس ومؤيدى الشرعية يكمن ذلك فى تخليهم عن محاكمة الرئيس ومؤيديه مقابل تخلى مؤيدى الرئيس والشرعى المنتخب ومؤيدى الشرعية عن الدعاوى التى رفعت على قادة الانقلاب أمام المحكمة الجنائية الدولية وأمام بعض المحاكم فى الدول الأوروبية. _____________ أستاذ القانون الدولى